تابعنا
شهدت جولة التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية تطوراً في قدرات حماس الصاروخية ما أثار التساؤل لدى الإسرائيليين عن مدى صحة تقديرات أجهزتهم الأمنية لهذه القدرات الصاروخية، وكيفية حصول حماس عليها وهي محاصرة منذ سنوات في ظروف صعبة.

كشفت جولة التصعيد الإسرائيلي الأخيرة ضد قطاع غزة عن المزيد من القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وعلى الرغم من أن الجولة لم تزد عن 36 ساعة، لكنها فتحت أعين الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي على حيازة الفصائل الفلسطينية، لاسيما حماس، للمزيد من المعدات والوسائل القتالية التي اتضح لاحقاً أنها طوّرتها خلال الشهور والسنوات الماضية.

السطور التالية تناقش هذه التطويرات العسكرية لدى حماس، ودقة التقديرات الإسرائيلية، وهل هي حقيقية أو مبالغ فيها، وكيف تنظر حماس إلى هذا الكشف الإسرائيلي، وكيف حصلت حماس على هذه التقنيات، وإمكانية أن تستخدمها في الجولات المقبلة، وما قدرتها على إيذاء إسرائيل، وهل تشكل كابحاً لعدم مهاجمتها.

فقد تواصلت التحذيرات الإسرائيلية من إنتاج حماس لمنظومات تقنية عسكرية قادرة على إطلاق مئات الصواريخ، بكبسة زر واحدة، تشلُّ أجزاء واسعة من إسرائيل، بما فيها مطار بن غوريون، وهي من النوع الثقيل، تصيب أهدافها بدقة وجودة فائقة، وتشكل تحديًا لمنظومة القبة الحديدية، زاعمة أن حماس تمتلك 15 ألف صاروخ، بمدى وأحجام مختلفة، وألف صاروخ بعيد المدى يصل إلى مدينتَي حيفا وتل أبيب.

وفي الوقت ذاته، تتحدث التقارير الإسرائيلية أن حماس طوّرت طائرة مسيّرة، تحمل صاروخًا برأس حربي مضاد للدبابات استخدمته في التصعيد الأخير، وتهدف إلى ضرب منظومة القبة الحديدية.

يمكن النظر بكثير من التفحص إلى هذه الادعاءات الإسرائيلية، ومحاولة إخضاعها للتقييم الميداني، ومدى مطابقتها للواقع الماثل في قطاع غزة، إذ عاش كاتب السطور ساعات العدوان الإسرائيلي على غزة يومَي 3 و 4 مايو/أيار، واتضح له بصورة أكثر من ذي قبل أننا أمام تطور نوعي وكمي للقدرات الصاروخية التي تحوزها المقاومة الفلسطينية عموماً، وحماس خصوصاً.

هذا التطور المفاجئ قد يكون من بين الأسباب غير المعلنة التي دفعت الجيش الإسرائيلي للضغط على المستوى السياسي الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، والتوصل إلى تهدئة مع حماس، على اعتبار أن "توسيع بقعة الزيت" من خلال القذائف الصاروخية الفلسطينية يعني أن تشمل أجزاء إضافية من إسرائيل، بما في ذلك منطقة غوش دان وتل أبيب في وسط الدولة، فكيف وهي تتحضر لاستقبال مهرجان الأغنية الأوروبية "اليورفيجن".

هذه الخلاصات الإسرائيلية حول قدرات حماس الصاروخية، المصحوبة بخيبة أمل كبيرة حول عدم القدرة على متابعة هذه التطورات العسكرية لدى الحركة، على الرغم من أن القطاع محاصر براً وبحراً وجواً، وملاحَق أمنياً واستخبارياً على مدار الساعة، والطائرات الاستطلاعية التجسسية لا تغادر أجواءه، فكيف ومتى طورت حماس هذه القدرات العسكرية من تحت الرادار الإسرائيلي؟

شكّل تنامي القدرات الصاروخية لدى حماس فرصة لصدور دعوات إسرائيلية فور انتهاء العدوان، بضرورة عدم انتظار اندلاع جولة المواجهة القادمة مع حماس حتى يبادر الجيش الإسرائيلي للمس بقدراتها الصاروخية، من خلال إجرائه فحوصاً ميدانية، وإعداد بنك أهداف مهمته الأساسية توجيه ضربات قاسية لمنظومات القذائف الصاروخية، وتطويرها، ومستودعات التخزين، وصولاً إلى الخلايا الميدانية التي تقوم بهذه الإطلاقات.

القبة الحديدية التي تملكها إسرائيل لم تشكّل ردّاً تكنولوجيّاً ناجعاً في مواجهة القذائف الصاروخية الفلسطينية.

عدنان أبو عامر

صحيح أن جولة التصعيد الأخيرة في غزة كانت قصيرة، ولم تتجاوز اليومين، لكن إسرائيل تعلمت منها دروساً كثيرة، بخاصة فيما يتعلق بالقدرات الصاروخية للمنظمات الفلسطينية، في ظل القفزات النوعية التي حققتها في هذا المجال منذ انتهاء حرب غزة الأخيرة صيف 2014.

وقد بات واضحاً وفق التقدير الإسرائيلي أن الإمكانيات الصاروخية لدى حماس تتقدم على شبكة الأنفاق والوحدات البحرية والطائرات المسيّرة والوسائل الأخرى، ما يجعلها تنجح مع الفصائل الأخرى بإيجاد حالة من توازن الردع أمام إسرائيل، على الرغم من الفوارق الهائلة في موازين القوى العسكرية بين الجانبين.

لكن ذلك لم يمنع أحد المعلقين الإسرائيليين من الاعتراف بالقول بأن قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تصدر تعليماتها للإسرائيليين بالذهاب إلى الملاجئ والغرف المحصنة بما ينسجم مع بيانات حماس، وفي هذه الحالة، من حق الجمهور الإسرائيلي أن يسأل نفسه ممن يتلقى التعليمات: من حماس أم قيادة الجبهة الداخلية، بعد أن سقطت قرابة سبعمائة قذيفة صاروخية في فترة زمنية قياسية على المدن الحدودية الإسرائيلية الجنوبية، ما يعني بقاء الإسرائيليين خائفين أمام هذا الكابوس الذي يرفض التوقف.

اللافت أن القبة الحديدية التي تملكها إسرائيل لم تشكّل ردّاً تكنولوجيّاً ناجعاً في مواجهة القذائف الصاروخية الفلسطينية، ما قد يتطلب من إسرائيل ألا تكتفي بالجانب الدفاعي في مواجهة هذه التهديدات، والمبادرة إلى استهداف القدرات العسكرية التي تهدد الإسرائيليين، كما هو الحال مع معالجة تهديد الأنفاق على حدود قطاع غزة، سواء باللجوء إلى تفجيرها في كل فرصة تكون سانحة، أو المبادرة إلى إقامة جدار حدودي وعائق مادي تحت-أرضي، وإنفاق موازنات مالية باهظة من أجله.

هنا بالضبط تصدر مطالبات إسرائيلية بنقل نموذج التصدي لتهديد الأنفاق إلى معالجة المنظومة الصاروخية لدى الفصائل الفلسطينية، لأنه لا يمكن الاكتفاء بمطاردة مسلح فلسطيني يطلق قذيفة صاروخية لحظة التصعيد، واغتياله، وهذا كلام يحمل عتباً ضمنياً إلى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لأنها أضاعت خلال حرب غزة الأخيرة ما قيل إنها فرصة كبيرة للمس بصورة كبيرة بمنظومة القذائف الصاروخية لدى حماس.

اليوم، وفي حال اندلاع أي مواجهة عسكرية قادمة يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيكون مبادراً إلى اغتيال القادة الميدانيين المسؤولين عن هذه المنظومة الصاروخية لحماس، وتطويرها، وصولاً إلى ضرب القذائف نفسها وتدميرها، ومخازن التسليح والمصانع العاملة في إنتاجها، بما يتطلب معلومات أمنية واستخبارية موثقة ودقيقة.

يرى الإسرائيليون أن التعامل "بالمفرّق" مع تهديد صواريخ حماس سيعود عليهم مستقبلاً بنتائج وخيمة، فالترتيبات قصيرة المدى عبر وقف إطلاق النار توفر هدوءاً مطلوباً على حدود إسرائيل الجنوبية، لكنها تسفر مع مرور الوقت عن نتائج فتاكة، تماماً مثل القرض البنكي الذي نحصل عليه بسعر فائدة مخفض، صحيح أنه يخفف عن أحدنا أزمة مالية مؤقتة، لكنه قد يكون خطيراً عند الاستحقاق، وهكذا الوضع في الحياة السياسية.

في حال اندلاع أي مواجهة عسكرية قادمة يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيكون مبادراً إلى اغتيال القادة الميدانيين المسؤولين عن هذه المنظومة الصاروخية لحماس.

عدنان أبو عامر

أكثر من ذلك، فإن تنامي القدرات الصاروخية لحماس، كما اتضح في الجولة العدوانية الإسرائيلية الأخيرة، يزيد من تخوفات الإسرائيليين بأن تنجح الحركة من تطوير معداتها القتالية، بحيث تنتج طائرات مسيرة متفجرة، وربما تسعى حماس لإيجاد ميزان قوى ردعي شبيه بما لدى كوريا الشمالية في مواجهة الولايات المتحدة، مع فارق النموذجين، ولكن في هذه الحالة سيصبح وضع إسرائيل أكثر سوءاً ومرارة.

ليس سراً أن حماس منحت قدراتها العسكرية عموماً، والصاروخية خصوصاً، أولوية متقدمة على سواها من الإمكانيات القتالية لأكثر من سبب: فهي قادرة على تجاوز الاحتياطات الأمنية الإسرائيلية، وكفيلة بوضع ملايين عدة من الإسرائيليين تحت تهديد مقاتليها المرابطين على حدود غزة، وبأيديهم أزرار التشغيل لهذه الصواريخ، وساهمت في تراجع ثقة الإسرائيليين بمنظومتهم المتطورة، القبة الحديدية.

صحيح أن القبة الحديدية قادرة على التصدي لصاروخ واثنين وثلاثة تنطلق من غزة، لكن الجولة الأخيرة كشفت عن صعوبة مهمتها أمام رشقات صاروخية بالعشرات دفعة واحدة.

استفادت حماس كثيراً في السنوات الأخيرة من مصادر عدة لتطوير قدراتها الصاروخية، ومنها: قنوات التهريب وإيصال الصواريخ المتطورة والفعالة والفتاكة، بحيث أن الحركة وجناحها العسكري بذلت جهوداً مضنية وحثيثة لوضع يدها على العديد من هذه المنظومات الصاروخية من خارج الحدود، كما وظفت الحركة علاقتها بإيران وحزب الله في تأهيل كوادرها وتدريب وحداتها الصاروخية على الاستخدام الأكفأ لها، بحيث يحقق أكبر قدر من الخسائر الإسرائيلية.

هنا، لا يجب أن نغفل الجانب الذاتي في مراكمة القدرات الصاروخية لحماس، فبعد أن ساهمت الإجراءات الإسرائيلية والمصرية في تقطيع شرايين تهريب الأسلحة باتجاه قطاع غزة، وبعد أن بات خروج كوادر حماس متعذراً خارج القطاع بسبب القيود المصرية على سفرهم، فقد ركزت الحركة جهدها باتجاه تفعيل كوادرها المحليين على وصل الليل بالنهار لإنتاج أفضل منظومات صاروخية في حدود الإمكانيات المتواضعة المتاحة، انطلاقاً من فرضية الحاجة أمّ الاختراع.

وطالما أن الجولة الأخيرة التي لم تتجاوز 36 ساعة، شهدت سقوط سبعمئة قذيفة صاروخية، فهذا يعني أن أي جولة تصعيد مقبلة، قد تبدأ من هذا الرقم، بحيث قد تكون الكميات والنوعيات لهذه القذائف مضاعفة، ولا تكتفي بالمعدلات الراهنة، مع الأخذ بعين الاعتبار التبعات السياسية المتوقعة على مثل هذا الانتقال الكبير في استخدام هذا السلاح الفتاك.

هذا يعني اتساع رقعة الأضرار الإسرائيلية من هذه القذائف، وزيادة المساحات الجغرافية التي قد تصلها، بحيث لا تتوقف عند ما تسمى مستوطنات غلاف غزة، بل قد تتجاوزها إلى مدن مركزية في قلب الكيان الإسرائيلي، ومنها: أسدود والمجدل وبئر السبع، وصولاً إلى تل أبيب، مع العلم أن هذه المدن تضم مقدرات ومرافق اقتصادية وبنية تحتية كبيرة وهائلة كمحطات طاقة ومصانع وموانئ، تجعل من استهدافها نقلة نوعية في المواجهة بين حماس وإسرائيل.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً