تابعنا
يلتقي في القدس في الشهر الجاري مسؤولون رفيعو المستوى من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل في لقاء هو الأول من نوعه لمناقشة ملفات مشتركة منها حماية أمن إسرائيل والتهديد الذي تشكله إيران في المنطقة.

في نهاية شهر أيار/مايو أُعلنت الإدارة الأمريكية عن التوجه إلى عقد لقاء ثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل في القدس.

اللقاء المرتقب سيعقد في شهر يونيو/حزيران الجاري، ويضم مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي بن شبات، وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بتروشيف. ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه الذي يجمع شخصيات أمنية رفيعة المستوى من هذه الدول الثلاث.

يأتي هذا اللقاء تتويجاً لجهود تنسيق مستمرة بين الأطراف الثلاثة في الملف السوري على وجه التحديد في ضوء تراجع المقاربة السياسية على حساب المقاربة الأمنية للمسألة السورية.

أمن إسرائيل القاسم المشترك

فقد ساهم تصدر المقاربة الأمنية للمسألة السورية وانحسار تنظيم داعش عن المشهد في رفع أسهم إيران ومليشياتها المتواجدة في سوريا في سوق المضاربات والتحالفات الإقليمية والدولية، فيما كان الحفاظ على أمن إسرائيل هو القاسم المشترك لجهود التنسيق الثنائي بين القوى الثلاثة.

شهدت العلاقات الإسرائيلية-الروسية تطوراً مهماً في الأعوام الأخيرة خصوصاً مع دخول روسيا كلاعب على الأرض في الملف السوري، ما شكل فرصة للطرفين لتعزيز تعاونهما الثنائي على حساب إيران والوجود الإيراني في سوريا.

وقد تم تتويج هذا التعاون بالعديد من الزيارات المتبادلة للوفود الأمنية والسياسية، على رأسها الزيارات التي قام بها نتنياهو لموسكو في السنتين الأخيرتين.

متانة العلاقات الروسية الإسرائيلية بدا واضحاً من خلال قدرة البلدين على تجاوز أزمة بحجم إسقاط الطائرة الروسية في سبتمبر/أيلول من عام 2018، الحادث الذي أودى بحياة 15 جندياً روسياً، وألقت روسيا اللوم فيه على إسرائيل.

وفيما تستمر إسرائيل باختراق السيادة السورية لاستهداف إيران ومصالحها في سوريا، تستمر روسيا بسياسة غض الطرف عن الضربات الإسرائيلية للأهداف الإيرانية في سوريا وعن النشاطات الإيرانية سواءً في مناطق الجنوب السوري أو في مناطق الشرق السوري على طول نهر الفرات، مستثمرةً ورقة إيران لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.

إيران: الجهة المستهدفة

فبالإضافة إلى أن ورقة إيران تشكل المادة الرئيسية للتقارب الروسي الإسرائيلي، فإنها أيضاً ساعدت روسيا في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة عبر بوابة الملف السوري. وعلى الرغم من أن بوادر هذا التعاون بدأت منذ عهد الرئيس أوباما، وفق شهادة أندرو أكسوم الذي كان يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط (في عهد أوباما)، فإن هذا التعاون تم تعزيزه مع مجيء الرئيس دونالد ترمب.

ومن نافلة القول الإشارة إلى عمق العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية والتفهم الأمريكي لمخاوف إسرائيل الأمنية في ما يتعلق بالملف السوري، والذي يمثل أحد أهم العوامل المشكّلة للمقاربة الأمريكية للملف السوري.

بل إن هذا التنسيق الأمريكي الإسرائيلي تجاوز حدوده المألوفة تحت إدارة ترمب وصولاً إلى تدخل الإدارة الأمريكية في السياسية الإسرائيلية الداخلية عبر دعم نتنياهو علناً في حملته الانتخابية ضد بقية الأحزاب الإسرائيلية، ما أثار حفيظة المعارضة الإسرائيلية وبعض الأوساط في اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

ومن الجدير بالذكر أن الإعلان عن هذا اللقاء الذي سيعقد في مدينة القدس بما في ذلك من رمزية حصل من قِبل البيت الأبيض الذي اعترف ساكنه بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، وجاء الإعلان عن اللقاء في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يسعى جاهداً لتشكيل حكومته اليمينية في إسرائيل.

يمثل اللقاء المرتقب نقلة نوعية في مستوى التنسيق بين الدول من العمل على منع احتكاك طائراتها في الأجواء السورية إلى العمل المشترك.

كذلك فإنه يشكل نقطة تحولٍ مهمة في تحول التنسيق الثنائي بين الأطراف الثلاثة إلى آلية تعاون ثلاثية في ملفات المنطقة الأمنية-السياسية وعلى رأسها الملف السوري.

إذ شكل الملف السوري منصة لتعزيز العلاقات بين الأطراف الثلاثة على حساب إيران وتواجدها في سوريا، بخاصة في ظل الهجمة التي تشنها إدارة الرئيس الأمريكي ترمب على إيران.

لم تتوصل الدول الثلاث إلى أي اتفاق مسبق قبل اللقاء وفق ما أعلنه جميس جفري، المبعوث الأمريكي الخاص للملف السوري، إلا أنه من المؤكد أن كل طرف سوف يسعى لفرض أجندته على الطاولة.

أجندة اللقاء: مصالح مشتركة

في اللقاء ستحاول إسرائيل مستندة على الدعم الأمريكي الضغط على روسيا للعمل بشكلٍ أكبر وحقيقي ضد التواجد الإيراني في سوريا، بخاصة فيما يتعلق بتطبيق التفاهمات التي توصل إليها البلدان بشأن إبعاد المليشيات الإيرانية إلى مسافة 80 كم عن حدود الجولان المحتل.

من جهتها ستعمل روسيا على طرح مقايضة ورقة إيران بتعويم النظام السوري. فروسيا تسعى لتحويل إنجازاتها الميدانية إلى انتصار سياسي، وذلك عبر إعادة شرعنة نظام الأسد، الأمر الذي وقفت الولايات المتحدة ضده من خلال الضغط على بعض الدول العربية التي شرعت بخطوات لإعادة العلاقات مع النظام السوري.

كذلك فإن روسيا، وفي إطار إعادة تأهيل النظام السوري، ستساوم الولايات المتحدة على رفع العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على النظام السوري مؤخراً أو تخفيفها.

قد لا تتمكن الأطراف الثلاثة من التوصل إلى صفقة في هذا اللقاء، فعلى الرغم من تراجع الاحتياج الروسي إلى المليشيات الإيرانية على الأرض، إلى أن روسيا ستسعى للتلاعب بالورقة الإيرانية واستغلالها على المدى الأطول لتعزيز علاقاتها الثنائية مع إسرائيل والولايات المتحدة.

إلا أن اللقاء سيعمل على تعزيز التنسيق وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة، والذي قد لا يقف عند حدود الجغرافيا السورية.

استمرارية التنسيق الثلاثي ونجاحه قد يوسّع مجال التعاون أبعد من الجغرافية السورية لتشمل مناطق أخرى في شرق المتوسط. هذا التنسيق والتعاون لن يكون على حساب إيران فحسب، وإن كانت هي الخاسر الأول، بل سيكون على حساب كل الفاعلين الإقليميين وعلى رأسهم تركيا.

وفي هذا السياق، كان لافتاً إشارة بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الاجتماع قد يتناول مسألة انسحاب القوات الأمريكية من شمالي سوريا، القرار الذي كان قد أثار حفيظة الأوساط الإسرائيلية وقت إعلانه كثمرة للتواصل بين ترمب والرئيس التركي أردوغان.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

TRT عربي