تابعنا
لا ينظر الفلسطينيون إلى الانتخابات الإسرائيلية على أساس أنها شأن خارجي، بل هي شأن داخلي يمس حياتهم بشكل مباشر. لذلك لا عجب أن يكون الفلسطينيون أكثر من غيرهم متابعة للانتخابات الإسرائيلية وترقباً لنتائجها.

راقب الفلسطينيون، كما العديد من دول المنطقة، وربما بعض دول العالم، مجريات العملية الانتخابية الإسرائيلية التي حصلت يوم التاسع من أبريل/نيسان، بوصفها لم تعد شأناً إسرائيلياً داخلياً فحسب، بل هي شأن إسرائيلي وفلسطيني وعربي ودولي، في ظل ما باتت تتمتع به إسرائيل من نفوذ وتأثير كبيرين يتجاوزان حدودها الجغرافية.

ولئن حصلت العملية الانتخابية بين مرشحين وناخبين إسرائيليين، لكن الآثار المتوقعة على تلك النطاقات سالفة الذكر لن تقل أهمية عما يتأثر به الإسرائيليون أنفسهم، ممن ساهموا بفوز مرشحيهم، أو أحبطوا لهزيمة آخرين.

تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة سيعني الشروع في المزيد من قرارات التوسع الاستيطاني وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومصادرتها.

عدنان أبو عامر

الفلسطينيون متأثرين بنتائج الانتخابات الإسرائيلية أكثر من غيرهم، وهم الذين راقبوا مجريات فرز الأصوات، ساعة بساعة، وصندوقاً بعد صندوق، لأكثر من سبب وعامل: أولها أن الفلسطينيين يعتقدون، وأظنهم محقين في ذلك، أن ما قد تسفر عنه هذه النتائج سيلقي بظلاله السلبية في غالب الأحوال على واقعهم الكارثي أصلاً، وقد تجلّى ذلك في تسيُّد الملف الفلسطيني على البرامج الانتخابية الإسرائيلية، ربما بدرجة لا تقل عن ذات الحجم الذي حظيت به الملفات الإسرائيلية الداخلية.

وثانياً، من المتوقع أن يكون الوضع الفلسطيني حاضراً بقوة، ليس فقط في البرامج الانتخابية الإسرائيلية التي سيتلفها الإسرائيليون بعد انتهاء يوم التصويت الذي انتهى، وإنما في اليوم الذي يبدأ فيه رئيس الحكومة الإسرائيلي المكلف، وهو على الأغلب بنيامين نتنياهو، مشاوراته مع باقي الكتل البرلمانية الفائزة في الكنيست، بحيث سوف تقدم هذه الكتل اليمينية، واليمينية جداً، مطالبها واشتراطاتها في الملف الفلسطيني، التي تتوافق مع أطروحاتها الأيديولوجية.

وأخيراً، المسارعة ببدء خروج ردود الفعل الفلسطينية الرسمية على نتائج الانتخابات الإسرائيلية فور صدورها بمسوداتها الأولية، وقبل إعلانها بصفة رسمية، يدلل بصورة واضحة على حجم الاهتمام الفلسطيني الرسمي بهذه العملية الانتخابية التي لم يمارسها الفلسطينيون إلا مرة واحدة منذ 13 عاماً.

هذه الاهتمامات الفلسطينية بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، طرحت أسئلة عديدة في الأوساط الفلسطينية جميعاً بلا استثناء، سواء السلطة الفلسطينية أو حماس أو باقي الفصائل، ومنها: من فاز ومن خسر، من سيشكل الحكومة الجديدة، ومن سيكون ضمن الائتلاف الحكومي القادم، ومن سيقود المعارضة، وما هي أبرز معالم الخطوط العامة للبرنامج السياسي للحكومة الإسرائيلية الجديدة.

تكتسب هذه التساؤلات الفلسطينية عن مستقبل السلوك السياسي الإسرائيلي عقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الحادية والعشرين، أهمية استثنائية هذه المرة، لأن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية تقف على مفترق طرق حقيقي، وقد تشهد الفترة القادمة دفع استحقاقات سياسية يكون لها طابع تاريخي واستراتيجي بعيد المدى.

يمكن تقسيم المواقف الفلسطينية من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ومستقبل السياسة الإسرائيلية القادمة تجاههم بعد أداء وزرائها القسم أمام الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في الأسابيع القادمة، إلى مستويين:

أولاً: السلطة الفلسطينية

لا يُخفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس خيبة أمله وإحباطه من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وقد كان الرجل يدفع بقوة، بطريقة غير مباشرة إلى هزيمة نتنياهو، عدوه اللدود، وأعلن في عدة تصريحات ضمنية أن الإسرائيليين يجب أن يصوتوا لخيار السلام، واستئناف المفاوضات.

لا يُخفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس خيبة أمله وإحباطه من نتائج الانتخابات الإسرائيلية وقد كان الرجل يدفع بقوة بطريقة غير مباشرة إلى هزيمة نتنياهو.

عدنان أبو عامر

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة التي تزامنت مع بلوغ الدعاية الانتخابية الإسرائيلية ذروتها، أن استضاف مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية سلسلة لقاءات واجتماعات وزيارات لوفود إسرائيلية من دعاة السلام والتعايش والتطبيع مع الفلسطينيين والعرب، وخلالها أطلق عباس والمحيطون به جملة تصريحات وبيانات صحفية كلها تذهب في اتجاه أن ينتخب الإسرائيليون أي مرشح، إلا نتنياهو، هكذا بالبنط العريض، أي مرشح إلا نتنياهو!

حتى إن اللجنة الفلسطينية للتواصل مع المجتمع الإسرائيلي التي يقودها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني، أقدمت على خطوة غير تقليدية قبل أيام من ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع بإعداد وثيقة فلسطينية بعنوان "المواقف الفلسطينية من قضايا الصراع الأساسية مع إسرائيل"، وقد طبعتها باللغة العبرية، ووزعتها على أوساط واسعة من الإسرائيليين في محاولة أخيرة للتأثير عليهم في التصويت لدى ذهابهم إلى صناديق الاقتراع.

مخاوف السلطة الفلسطينية من فوز نتنياهو خصوصاً، ومعسكر اليمين عموماً، مشروعة ومنطقية، ولديها ألف تفسير وتبرير، لأنها تعني الإجهاز على ما تبقّى من مشروع التسوية الذي تتمسك به السلطة ورئيسها، وتعض عليه بالنواجذ، ولم تدع لنفسها خط رجعة للمناورة مع خيارات أخرى، ما جعلها تضع كل بيضها في سلة إسرائيل.

نتائج الانتخابات الإسرائيلية تعني أن إسرائيل اليوم تصرح، ولا تلمح، بأن السلطة الفلسطينية ليست طرفاً للدخول معه في مفاوضات، وليست جديرة بالتوصل معها إلى اتفاقات سياسية، وهو ما يعني أن السنوات الخمس الماضية التي شهدت فيها قطيعة سياسية وتفاوضية بين الجانبين، مرشحة لأن تمتد أربع سنوات أخرى، مع الإبقاء على التنسيق الأمني الذي تستفيد منه إسرائيل فقط دون الفلسطينيين.

نتائج الانتخابات الإسرائيلية تتطلب من السلطة الفلسطينية الخروج بمواقف أكثر جدية، بعيداً عن التكتيك والمناورة، واللعب على الكلمات، لأن اليوم التالي لتشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة ستعني الشروع في المزيد من قرارات التوسع الاستيطاني، وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ومصادرتها، الأمر الذي لن يُبقي مجالاً لإعلان الدولة الفلسطينية، وهو ما يعني إعلان الموت السريري لحل الدولتين.

ثانياً: حماس في غزة

أبدت الحركة من جهتها تدخلاً ضمنياً في الانتخابات الإسرائيلية، وإن لم تعلنه صراحة، من خلال التوصل إلى تفاهمات سياسية وأمنية وإنسانية مع إسرائيل قبل أسبوع فقط من توجُّه الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع، الأمر الذي وفر هدوء أمنياً بين غزة وإسرائيل، وسمح للناخبين الإسرائيليين بممارسة انتخاباتهم دون غبار الصواريخ وأصوات القذائف، وهو ما حمل رسائل ضمنية للإسرائيليين أن نتنياهو، الذي يحب أن يلقب نفسه بـ"سيد الأمن" جدير بالانتخاب مجدداً، وأن يكون رئيس حكومتهم للمرة الخامسة.

تفهم حركة حماس أن نتنياهو يقدس الأمر الواقع ضمن سياساته العامة ما يعني أنه قد يسمح لحماس بالبقاء مسيطرة على قطاع غزة.

عدنان أبو عامر

هذا لا يعني أن حماس تفضل نتنياهو على خصومه الجنرالات، لكن التغذية الراجعة التي توفرت لدى الحركة في السنوات الماضية تعطيها استخلاصات مفادها أن "عدواً تعرفه خير من مجهول جديد لم تجربه"، فقد أبرمت حماس مع إسرائيل بزعامة نتنياهو صفقة تبادل أسرى كبيرة في 2011، وتعوّل الحركة على أن تبرم صفقة جديدة برئاسة نتنياهو أيضاً لإغلاق هذا الملف المستنزف للجانبين.

كما تفهم الحركة، أن نتنياهو يقدس الأمر الواقع ضمن سياساته العامة، ما يعني أنه قد يسمح لحماس بالبقاء مسيطرة على قطاع غزة، دون التفكير في تطلعات بعيدة ومكلفة كأن يسعى للقضاء عليها، أو استئصالها، أو الإطاحة بها، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وهو ما ألمح إليه بعض خصومه الجنرالات، سعياً منهم لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

هذا لا يعني أن حماس قد اطمأنت بصورة كاملة أنها لن تتعرض لحملات عسكرية إسرائيلية ضمن الولاية الجديدة لنتنياهو، لكن يمكن للحركة استيعابها والتعامل معها ضمن صيغة "المعركة بين الحروب"، طالما أنها لم تصل إلى مستوى التفكير في الدخول معها في حرب "كسر عظم"، وإن كان هذا الخيار قائماً لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وإن بوتيرة منخفضة.

أخيراً .. في الوقت الذي أنهى فيه الإسرائيليون موسمهم الانتخابي الحادي والعشرين، وانتخبوا مرشحيهم للكنيست، فقد بدأ الفلسطينيون يتحضرون لليوم التالي لإعلان نتائج هذه الانتخابات، وما قد تسفر عنه من سلوكيات سياسية وإجراءات ميدانية على الأرض، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الأمر الذي سيتضح أكثر فأكثر خلال الأيام والأسابيع القادمة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً