المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس (Others)
تابعنا

لا يمكن التعبير عن حقيقة أن المصالح الوطنية فوق أي معيار أخلاقي أو قانوني في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل أوضح مما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، خلال إيجازه الصحفي الأخير مع الصحفيين في واشنطن العاصمة.

عندما سئل عما إذا كان هناك أي "معيار" في تطبيق واشنطن لبنود معينة بشأن استخدام الأسلحة والأصول العسكرية التي توفرها الولايات المتحدة للحلفاء، أجاب برايس بالقول صراحة إن "المعيار الذي نستخدمه هو ما يصب في المصلحة القومية لأمريكا".

لم يكن هذا اعترافاً فظاً بسيادة المصالح القومية الأمريكية على أي مبدأ ومعيار أخلاقي في السياسة الخارجية لواشنطن وحسب، بل كان أيضاً مفارقة صارخة قادمة من بلد كان يلقي المحاضرات ويضغط على دول أخرى لعقود على أسس أخلاقية مفترضة مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية وما إلى ذلك.

لم يكن مثل هذا التصريح ليُفاجئ أي شخص لو قالته إدارة مثل تلك التي يقودها دونالد ترمب، والتي لم تكلف نفسها عناء إخفاء طبيعتها الأحادية والخالية من القيم في توجهاتها في السياسة الخارجية، سواء من حيث الخطاب أو من حيث الممارسة. للمفارقة، جاء البيان من إدارة بايدن، التي قطعت شوطاً طويلاً لطمأنة حلفائها، بأنها ستكون عكس سابقتها في السياسة الخارجية تماماً.

في خطوة لإبراز طبيعتها "المسؤولة" و"القائمة على القيم" بشكل يتجاوز السعي خلف المصالح الوطنية البحتة، عقدت إدارة بايدن ما يسمى بـ "قمة الديمقراطية" من خلال تقسيم العالم إلى فئتين: "الديمقراطيات" و "الأنظمة الاستبدادية"، في السياق الأكبر "لتعزيز الديمقراطية". بيان برايس هذا ليس سوى إنكار لكل ما زعمت إدارة بايدن القيام به والدفاع عنه حول القيم.

بصرف النظر عن توضيح الإفلاس الأخلاقي لإدارة بايدن، فإن بيان برايس له آثار مباشرة على تركيا وعلاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، حيث إن سياق البيان هو نشر اليونان الأسلحة الثقيلة المقدمة لها من قبل الولايات المتحدة في جزر بحر إيجة والتي تحظى بوضع عدم التسليح وفقاً للمعاهدات الدولية ذات الصلة.

تشير تصريحات برايس إلى أن أثينا كانت تهدد أمن تركيا من خلال تسليح جزر بحر إيجة منزوعة السلاح ليس فقط على أساس نزواتها المتهورة، ولكن أيضاً بمباركة واشنطن. لا تتغاضى واشنطن عن انتهاك أثينا للمعاهدات الدولية فحسب، بل تشجعها أيضاً على تهديد أمن تركيا.

لسبب ما في الوقت الراهن، تخاطر واشنطن بتقويض الاستقرار والتوازن الاستراتيجي في الجانب الجنوبي الشرقي من الناتو من خلال تأليب حليف ضد حليف آخر. من المستحيل أن لا تدرك واشنطن التداعيات الوخيمة لهذه السياسة المتهورة وغير المسؤولة للغاية.

على الرغم من أن هذه السياسة المتهورة يمكن أن تُعزى إلى مجرد شروط "ظرفية" فإن العديد من هذه السياسات تحظى باستمرارية بالرغم من أن إدارة الرئيس ترمب أوصت بخلاف ذلك.

في الحقيقة، هناك حالة من الاستمرارية عبر الإدارات الأمريكية حول نهجها الاستفزازي والعدائي تجاه أنقرة من خلال تعزيز أثينا بشكل مطرد تسليحها للجزر، مثل تحديث خليج سودا في جزيرة كريت وإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في ديديجاك (أليكساندروبوليس) بالقرب من تركيا. بينما في الوقت ذاته، تحرم واشنطن أنقرة من معدات عسكرية مهمة مثل طائرات F-35. تشير هذه الحالة إلى تحول استراتيجي في نهج واشنطن تجاه أنقرة وليس مجرد سياسات عرضية بناء على شروط ظرفية.

منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كانت العلاقات التركية الأمريكية تمر باضطراب شديد، وقد أجرى خبراء وصانعو سياسات في كل من أنقرة وواشنطن بناء على ذلك الكثير من النقاشات لفهم الأسباب الكامنة وراء ذلك من أجل العثور، إذا أمكن، على طرق للخروج من حالة التوتر في العلاقات.

ركزت المناقشات بشكل أساسي على قضايا محددة تحمل طابعاً خاصاً بين أنقرة وواشنطن، مثل دعم الأخيرة لوحدات PYD المنبثقة عن حزب PKK الإرهابي في شمال سوريا، وشراء أنقرة السابق لمنظومة لـ S-400 روسية الصنع، وإخراج أنقرة لاحقاً من برنامج F-35 ، ورفض واشنطن المستمر لتسليم زعيم عصابة فتح الله غولن الإرهابية وهلم جراً.

في ظل التحركات والتصريحات الأخيرة من قبل إدارة بايدن وضمن المشهد الأكبر تبين أن القضايا الأخير ما هي إلا انعكاس أعراض لمسألة بنيوية جوهرية، هي تشدق الولايات المتحدة بتقديرها للمخاوف الأمنية لتركيا في حين تعمل عكس ذلك تماماً.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي
الأكثر تداولاً