تابعنا
بعد مرور ست سنوات على مذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة في مصر، تبرز تساؤلات مهمة عن مكانة جماعة الإخوان المسلمين، ومدى قدرتها على الاستمرار في ظل الاستهداف المستمر والمتواصل من قبل خصومها.

في الذكرى السادسة للانقلاب العسكري في مصر ومذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة، وهي الأحداث التي أنهت فترة المد السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في حقبة ما بعد الثورات العربية، وأدخلت الجماعة بتنظيماتها المختلفة في طور من الانحسار والتداعي، لا يبدو أن معركتها مع المعسكر الإقليمي المناهض لحركات الإسلام السياسي ستضع أوزارها قريباً.

فهذا المعسكر الذي يضم عدداً من النظم الإقليمية (على رأسها: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ومصر وإسرائيل) والتيارات والأحزاب اليمينية في عدد من العواصم الغربية يقوم من آن إلى آخر بفتح جبهة جديدة، وبنقل المعركة من ساحة إلى أخرى أمام جماعة تبدو منهكة ومتشرذمة وفاقدة للبوصلة.

هذا الاستهداف الإقليمي المنظم والشامل كان على مستويات عدة: بدءاً من إعلان الجماعة تنظيماً إرهابياً في عدد من الدول مثل مصر والسعودية والإمارات، وما تبع ذلك من الاستهداف الأمني والملاحقة القضائية، وتجميد الأرصدة، وتفكيك ومصادرة لشبكة الخدمات الاجتماعية التي كانت تمثل رصيداً شعبياً هاماً للجماعة، في ظل حملة دعاية فاشية، وتطوير خطابٍ ديني مضاد ترعاه المؤسسات الدينية الرسمية وبعض التيارات السلفية والصوفية المناوئة، مروراً بالضغط الدبلوماسي والاقتصادي بل والشروع في العمل العسكري ضد حلفاء الجماعة الإقليميين: قطر وتركيا، وصولاً إلى السعي الحثيث لدفع القوى الدولية لإعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، كتلك المحاولات التي جرت في بريطانيا ما بين عامي 2014 – 2016، أو محاولات إدارة ترمب في الولايات المتحدة الأمريكية فور تولّيه السلطة عام 2017، أو خلال الأشهر القليلة الماضية.

وقد بنيت هذه الجهود الرامية إلى وسم الجماعة بالإرهاب على فرضيتين أساسيتين:

أولاً: الربط بين الجماعة وبين ممارساتها للعنف من أجل تحقيق أهدافها السياسية، وهي الفرضية التي اعتمدت بالأساس على بعض الحوادث التاريخية، أو بعض الممارسات الحالية لتنظيمات ترتبط بشكل غير مباشر بالجماعة، أو ارتبطت بها سابقاً ثم خرجت من "عباءة التنظيم".

ثانياً: اتهام أيديولوجيا الجماعة بأنها متطرفة وتكفيرية وأنها تنشر العنف والكراهية، بما يجعلها "بوابة" لتجنيد الأفراد للتنظيمات الإرهابية وإن لم تمارس هي العنف المنظم بذاتها.

وقد استفادت هذه الجهود من صعود التيارات اليمينية الشعبوية في الدول الغربية، وانتشار الإسلاموفوبيا لكي تحاصر عمل الكثير من المنظمات والمراكز الإسلامية المرتبطة بالجماعة، وكي تحرض عليها الحكومات الغربية التي وجدت أن هذا التصعيد في صالحها إرضاء لقواعدها الناخبة من جهة ولحلفائها الإقليميين من جهة أخرى.

هذه الحملة الشرسة أثرت بالسلب على الجماعة، فاستهداف التنظيم أمنياً وقانونياً أصابه بالشلل والتفكك في عدد من الدول، بل وشهدت الجماعة انشقاقات ونزاعاً على القيادة في دول أخرى مثل مصر والأردن.

كما أن شعبيتها تراجعت بشدة ليس فقط نتيجة حملة التشويه الإعلامي من خصومها، بل أيضاً نتيجة انكشاف مشروعها السياسي وارتباك استراتيجياتها وخطابها حين كانت في سدة الحكم، ونتيجة استنزاف مواردها البشرية والمالية بما عوّق أنشطتها في المجالات الأخرى الدعوية والخدمية.

إقليمياً، أسفرت الضغوط السياسية والاقتصادية المستمرة على كل من تركيا وقطر عن أزمات حادة في كلا الدولتين أهمها محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف 2016 وأزمة حصار قطر الممتدة منذ عام2017.

كذلك فإن مختلف تنظيمات الجماعة في دول عدة -مثل تونس والأردن- أعلنت عن انفصالها عن الكيان التنسيقي المسمى "بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، واتخذت خطوات عدة لتأكيد هويتها القُطرية الحصرية.

وعلى الرغم من هذا التراجع العام، فإن وضع جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المناظرة لها أو المعبرة عنها في المنطقة العربية يبدو متفاوتاً إلى حد كبير، فبخلاف الدول التي تَسِم الجماعة بالإرهاب وتستهدفها أمنياً، يمكن رصد خمسة أنماط أخرى:

هذه التنظيمات لا تزال تشارك في السلطة السياسية في بعض الحالات مثل الحالة التونسية أو المغربية، وفي حالات أخرى، هي جزءٌ من النظام السياسي ومعترفٌ بالأحزاب المعبرة عنها قانونياً مثل الحالة الجزائرية.

وبعض النظم السياسية، مثل الأردن أو الكويت، تقوم باحتواء الجماعة أو الكيانات المعبرة عنها سياسياً وقانونياً بشكل جزئي، بما يجعل العلاقة بينها وبين الجماعة تتأرجح دوما ما بين شدٍّ وجذب.

في حين تنخرط الجماعة في حرب أهلية دامية وممتدة في عدد من الدول الأخرى مثل سوريا وليبيا واليمن، وتبدو الحالة السودانية حالة ملتبسة نتيجة تشرذم الإسلاميين فيها، فمن جهة كانت الحركة الإسلامية تمثل السلطة الاستبدادية التي أطاحت بها الثورة، ومن جهة أخرى فإن عدداً من التنظيمات الإسلامية (بما فيها حركة الإخوان المسلمين في السودان) كانت جزءاً من الحراك المناهض لهذه السلطة.

وبالتالي، فإن الحديث عن أن صفحة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة قد طويت أو في طريقها إلى أن تُطوى هو من باب التعجّل، إذ على الرغم من استهداف الجماعة على المستويات القُطرية والإقليمية والدولية، فإنها لا تزال تتمتع ببعض الإمكانات التنظيمية والعلاقات الممتدة إقليمياً ودولياً.

ولا تزال تحتفظ كذلك بقدر من الشرعية والشعبية عند قواعدها وأنصارها، تكشف عنه نتائج الانتخابات البلدية والبرلمانية التي جرت في دول عدة خلال السنوات الست الماضية، كما أن ضعف القوى والتيارات السياسية المنافسة يعطيها الفرصة لكي تظل رقماً صعباً، إن لم تكن الرقم الأصعب، في المعادلة السياسية في عدد من الدول على الرغم من الاستهداف.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي، وعلى الرغم من أنه من المتوقع استمرار الضغوط على الجماعة خلال الفترة القادمة، فإن ذلك يتوقف على مدى استمرار التوافق في الأجندة السياسية بين الأطراف المشكّلة للمعسكر المناوئ لحركات الإسلام السياسي، وبالتالي فإن أي تضارب في المصالح بين هذه الأطراف أو أي تراجع انتخابي للقوى الشعبوية اليمينية في الغرب سوف يصب بالتأكيد في صالح الجماعة.

لكن، على الجانب الآخر، فإن ذلك لا يعني أن الجماعة قادرة على عكس عقارب الساعة، والعودة إلى عهدها الذهبي خلال الربيع العربي.

فالجماعة تواجه أسئلة صعبة وتحديات حقيقية، سواء على مستوى تجديد أبنيتها التنظيمية، وضخ دماء جديدة في قيادتها، ومراجعة أدبياتها وأطروحاتها الأيديولوجية، وتطوير رؤى وبرامج سياسية تخاطب اهتمامات المواطن وتسكن خواطره بشأن مستقبل هذه المنطقة التي تقف على شفير الهاوية.

أو على مستوى استعادة فاعلياتها وتطوير أدواتها بالإقليم بما يجعلها لاعباً مؤثراً وشريكاً أساسياً لأي ترتيبات إقليمية قادمة وليست مجرد عبء على حلفائها وصيداً سهلاً لخصومها.

أو التواصل بشكل ناجح مع مراكز صنع القرار الدولية على أجندة تتجاوز خانة الدفاع عن النفس ونفي تهم الإرهاب، بطرح حلول لإشكاليات المنطقة المزمنة المرتبطة بالحوكمة والأمن والتنمية وغيرها، والمساهمة في النقاشات الدائرة حول أزمات النظام الدولي المضطرب، وهي الأسئلة التي لا تبدو الجماعة قادرة على التعاطي معها ولا تبدو استجابتها لها ترقى إلى المستوى المطلوب حتى هذه اللحظة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كتّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً