تابعنا
تُظهر الانتخابات الأخيرة أن الديمقراطية في تركيا تتمتع بقبول واسع بين شرائح الشعب كافة، وأنها ديمقراطية مفعمة بالحيوية والنزاهة، تتنافس فيها الأحزاب في بيئة حرة وسلميّة، وعلى الغرب قبل أن ينتقد الديمقراطية التركية أن يعيد حساباته بشكل جيد.

إن أحد العناصر التي لا غنى عنها للديمقراطيات الحديثة هو إجراء انتخابات حرة، ووجود خصائص مثل أن تجري عملية الانتخابات في بيئة حرة وسلمية يتاح فيها لجميع الأطراف فرصة مشاركة آرائهم وأفكارهم بأريحية مع الجمهور خلال فترة الدعاية الانتخابية، والمشاركة الشعبية، مع ارتفاع نسبة الاهتمام بعملية التصويت.

هذا فضلاً عن إعلان نتائج الانتخابات بطريقة شفافة وسريعة، وقبول الأطراف المعنية لهذه النتائج بشكل سلمي. إن وجود كل هذه النقاط يشير إلى وجود ديمقراطية حقيقية في بلد ما.

وتعد الانتخابات التي جرت مؤخراً في تركيا ذات مغزى مهم للغاية في تاريخ الديمقراطية العالمية، إذ توفرت فيها جميع الخصائص المذكورة أعلاه على أعلى مستوى.

منذ عام 2014، يجري انتخاب رئيس تركيا بشكل مباشرة من قبل الشعب، وفي 14 مايو/أيار 2023، جرت الانتخابات العامة للبرلمان في الدورة الثامنة والعشرين والانتخابات الرئاسية معاً في اليوم ذاته، إذ سابقاً وضمن النظام البرلماني، كان مجلس النواب يُنتخب من قِبل الشعب والذي بدوره ينتخب الرئيس.

ومنحت الدساتير التي كُتبت بعد الانقلابات العسكرية في 1960 و1980 رئيسَ الجمهورية سلطات واسعة، ولكن لم يكن لديه سوى القليل من المسؤوليات.

وحقيقة انتخابه من قبل البرلمان، وليس مباشرة من الشعب، كانت تثير دائماً علامات استفهام حول شرعية الرئيس في نظر الشعب التركي.

بعد وصوله إلى السلطة في عام 2001، استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان التغلب على هذه العقبات والتي كان من ضمنها الوصاية العسكرية والبيروقراطية، وأصبح لدى الشعب التركي الإمكانية والحق في انتخاب رئيسه بشكل مباشرة ولأول مرة في عام 2014، أي بعد التعديل الدستوري.

بالرغم من هذه التغييرات التي أجراها، إلّا أن العديد من الأزمات ظهرت من حين إلى آخر بين رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان. ولوضع حد لهذه الأزمات وجعل الحكومة تعمل بشكل أسرع وأكثر فاعلية، جرى إعداد نظام الحكومة الرئاسية كمقترح، وجرى قبوله في استفتاء عام 2017. وعلى إثره، انتُخب رجب طيب أردوغان كأول رئيس لهذا النظام في الانتخابات التي أُجريت عام 2018.

اكتسب النظام الانتخابي في تركيا مرونة قلَّ أن توجد في الأنظمة السياسية في العالم، تتمثل في تشكيل تحالفات سياسية بين الأحزاب حتى على اختلاف قناعاتها.

الآن، وبعد إجراء الانتخابات في 14 مايو/أيار، نجد أن تحالف الشعب بزعامة حزب العدالة والتنمية حصل على 49.47 % من مجموع الأصوات في انتخابات البرلمان التركي، بعدد 323 نائباً من أصل 600 مقعد، وهو المجموع الكلي لمقاعد البرلمان.

في المقابل كانت حصة تحالف الأمة بزعامة حزب الشعب الجمهوري المعارض 212 نائباً بنسبة 35.02 % فقط من الأصوات، وقد شارك خمسة أحزاب تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البرلمانية.

ورأينا التحالف الثالث الذي يقوده حزب اليسار الأخضر المعروف سابقا بـHDP ويضم حركة العمل والحرية، يمثله 65 نائباً.

من ناحية أخرى، في الانتخابات الرئاسية ونظام لا يمكن فيه انتخاب الرئيس إلّا من خلال الحصول على 50٪ + 1 من إجمالي الأصوات، فقدَ الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان فرصته في أن يُنتخب رئيساً من الجولة الأولى، وحصل على 49.52 ٪ من الأصوات.

أما كمال كليجدار أوغلو، الذي تفضله وسائل الإعلام الغربية، فقد تخلَّف كثيراً عن أردوغان، إذ حصل على نسبة 44.88 من الأصوات، وحصل المرشح الثالث سنان أوغان على 5.17٪ من الأصوات. وفي هذه الحالة، يبدو من المرجح جداً أن يصبح أردوغان، مرشح تحالف الشعب الذي فاز بالأغلبية في البرلمان، رئيساً في انتخابات الجولة الثانية. يمنح هذا النظام شرعية أكبر للرئيس بتمثيله أوسع شريحة من المجتمع التركي، وهو ما يعتبر أحد أساسيات الديمقراطية التي ينادي بها الغرب.

المشاركة الواسعة للشعب التركي في الانتخابات تعتبر إحدى الميزات الخاصة للديمقراطية التركية. فقد لوحظ أن ما مجموعه 55 مليون مواطن تركي من تركيا وخارجها صوتوا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما يمثل 85.6٪ من الناخبين الأتراك الذين يبلغ عددهم الإجمالي حوالي 64 مليون.

يجب اعتبار معدل المشاركة المرتفع، الذي لا تستطيع حتى الديمقراطيات الأكثر تطوراً في العالم تحقيقه، أحد أهم المؤشرات على مدى صحة وقوة الديمقراطية التركية والنظام الانتخابي بتركيا.

كما يجب قبول مشاركة الشعب التركي في الانتخابات بمثل هذه النسبة العالية مؤشراً قوياً على إرادة الشعب، وثقته بأن الحكومة المُنتخبة تمثلهم وتحكم البلاد بفعاليّة.

من ناحية أخرى، كانت عملية الدعاية الانتخابية ديناميكية للغاية وبمشاركة مرتفعة، إذ عقدت التجمعات الانتخابية لجميع الأحزاب بمشاركة عالية، وأبدت جميع شرائح المجتمع اهتماماً بالانتخابات، بخاصة الشباب والنساء، وظهرت رغبة الشعب التركي في إتمام مسار الديمقراطية في تركيا بشكل سلمي، وتحديد مصير البلاد من خلال انتخابات نزيهة وحرة.

على صعيد متصل، فإن حصول الرئيس على نسبة تكاد تبلغ 50% في انتخابات تضم ثلاثة مرشحين هو نسبة عالية ومؤشر إلى أن الديمقراطية في تركيا تسير في طريق جيد للغاية.

في الانتخابات الرئاسية، لم يستطع الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ضمان الرئاسة في الجولة الأولى بهامش ضئيل للغاية، وإذا أصبح أردوغان رئيساً في الجولة الثانية، فسوف يُسجّل في تاريخ الديمقراطية باعتباره نجاحاً سياسياً نادراً في العالم، وذلك من خلال فوزه في كل الانتخابات التي خاضها.

تُظهر الانتخابات الأخيرة أن الديمقراطية في تركيا تتمتع بقبول واسع بين شرائح الشعب كافة، وأنها ديمقراطية مفعمة بالحيوية والنزاهة، تتنافس فيها الأحزاب في بيئة حرة وسلميّة، وعلى الغرب قبل أن ينتقد الديمقراطية التركية أن يعيد حساباته بشكل جيد.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً