ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن (Others)
تابعنا

تتحكم دول أوبك+ في صمام إنتاج النفط العالمي، ويؤثر قرارهم الجماعي بشكل مباشر في أسعار الطاقة، لكونهم تكتل تحديد السعر في سوق الطاقة.

في 5 أكتوبر/تشرين أول، أعلنت منظمة أوبك+ في فيينا خفضاً حاداً للإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، أي ما يعادل تقريباً 2٪ من الإمدادات العالمية، على الرغم من مسعى إدارة بايدن إلى مزيد من ضخ النفط عالمياً. أحدث الإعلان، وهو أكبر خفض للإمدادات من أوبك+ منذ عام 2020، موجات من الصدمة عالمياً لأنه جاء في خضم أزمة طاقة إثر التوغل الروسي في أوكرانيا.

وسيدخل الخفض حيز التنفيذ في بداية نوفمبر/تشرين الثاني. ومع ذلك، جرى اتخاذ هذا الإجراء قبل الحظر الجديد للاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية بسبب الصراع في أوكرانيا. من الواضح أن القرار سيساعد على زيادة إيرادات موسكو على الرغم من العقوبات الغربية. سوف تستغل روسيا بلا شك ارتفاع تكاليف الطاقة رداً انتقامياً على القيود الاقتصادية المفروضة على موسكو.

من المتوقع تماماً أن يؤدي قرار أوبك إلى توترات بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الخليجيين، فلن يؤدي فقط إلى تفاقم القضايا القائمة بالفعل بل سيكون له أيضاً تداعيات سياسية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي تتزعم فعلياً منظمة أوبك.

قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، "نحن هنا لنبقى كقوة معتدلة، لتحقيق الاستقرار". وعلى الرغم من أنه شدد على أن "القرار ليس عملاً عدوانياً"، إلا أنه سيؤدي بالتأكيد إلى زعزعة استقرار الأسواق وتوتير العلاقات مع الدول الغربية المستوردة للنفط.

كما أكد سهيل المزروعي، وزير الطاقة لدولة الإمارات العربية المتحدة، أن "القرار تقني وليس سياسي". وأيد هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة أوبك، قرار المجموعة بفرض خفض كبير للإمدادات، مؤكداً أن تعمل أوبك+ على توفير "الأمن والاستقرار لأسواق الطاقة".

رد الولايات المتحدة

رداً على ذلك، تعتزم الولايات المتحدة الإفراج عن 10 ملايين برميل إضافية من النفط من احتياطيها البترولي الاستراتيجي في نوفمبر لموازنة انخفاض إنتاج أوبك، واقترح المسؤولون أنهم قد يفكرون لاحقاً في الإفراج عن مزيد. كما أقر البيت الأبيض بأن قرار أوبك سيوفر شريان حياة للحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا. وقالت كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض: "من الواضح أن أوبك+ تتماشى مع روسيا مع إعلان اليوم".

كانت سلسلة الأحداث مؤشراً واضحاً على أن زيارة الرئيس بايدن المملكة العربية السعودية، الحليف القوي للولايات المتحدة، في يوليو/تموز وتشجيعه لولي العهد محمد بن سلمان على زيادة إنتاج النفط لم يسفرا عن أي نتيجة.

ووصفت الحكومة الأمريكية التخفيض الكبير في إنتاج أوبك بأنه "قصير النظر" وأنه يصف في اتجاه تسليح الطاقة. وقال بايدن للصحفيين: "نحن نبحث في البدائل التي قد تكون لدينا." وتعمد ذكر NOPEC (قانون حظر إنتاج وتصدير النفط)، وهي مجموعة جديدة من موردي النفط، للتحكم في الأسعار والإنتاج في سوق الطاقة العالمية.

"المنبوذون" يقفون كتفاً بكتف

المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما الحليفان الأكثر أهمية للولايات المتحدة بعد إسرائيل في الشرق الأوسط، لكن إدارة بايدن فشلت في دفعهما إلى زيادة إنتاج النفط لتهدئة الأزمة الاقتصادية العالمية واستغلال ميزة الطاقة الروسية. على وجه الخصوص، تقلل المملكة العربية السعودية من مخاوف الولايات المتحدة بشأن مدى تأثير روسيا في السياسة العالمية، وبخاصة في أوروبا.

لسنوات، احتلت روسيا والسعودية مكانة خاصة في السياسة الدولية للولايات المتحدة بصفتهما دولتين "منبوذتين". كانت موسكو تتحدى واشنطن على المستوى الدولي، والرياض تساوم الولايات المتحدة مع كل من الصين وروسيا على المستوى شبه الإقليمي، وبخاصة منذ جاء بايدن إلى السلطة.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن أوبك تدعي أن خفض الإنتاج يهدف إلى الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، فإنه في الواقع رسالة مباشرة إلى الإدارة الأمريكية. من المرجح أن يؤدي الانخفاض الكبير في إمدادات النفط إلى ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بشكل حاد. إنها محاولة مهمة وفي الوقت المناسب للتأثير بشكل غير مباشر على انتخابات الكونغرس في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل. من المحتمل أن تساعد الأسعار المرتفعة في زيادة التضخم وسيكون موقف بايدن أكثر هشاشة.

آخر مسمار في النعش

كان بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية عديد من نقاط الاحتكاك، بما في ذلك التدخل في اليمن، وتوجه السياسة الخارجية، وتسعير النفط باليوان الصيني، وأسعار الطاقة. لكن الانخفاض الحاد في إنتاج النفط يمكن أن يكون آخر مسمار في نعش هذه العلاقة.

وقد أصدر البيت الأبيض على الفور بياناً لـ"إعادة تقييم العلاقات مع السعوديين" ، أي لوضع الرياض مباشرة في خط النار بشأن قيود إنتاج أوبك. قدم عضو الكونغرس الديمقراطي توم مالينوفسكي من نيوجيرسي تشريعاً يقضي بسحب الجنود الأمريكيين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، أصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب مينينديز، بياناً مفاده أنه "يجب على الولايات المتحدة أن تجمّد على الفور جميع جوانب تعاوننا مع المملكة العربية السعودية، بما في ذلك أي مبيعات أسلحة وتعاون أمني يتجاوز ما هو ضروري للغاية للدفاع عن جنود الولايات المتحدة ومصالحها".

تشير هذه التصريحات الرسمية إلى أن علاقة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تخرج عن نطاق السيطرة. من الواضح أن واشنطن غاضبة وأن "الانتقام" السياسي من الرياض مطروح إلى حد كبير على الطاولة.

أثر قرار أوبك بالفعل على أسعار النفط وسيزيد تكلفة المعيشة ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضاً في أجزاء أخرى من العالم. وبالتالي، قد تخفف الولايات المتحدة العقوبات على فنزويلا وتسعى لتقارب أوثق مع إيران لمعاقبة الرياض.

يمارس الديمقراطيون في مجلس النواب ضغوطاً على إدارة بايدن، ويطلبون منها استدعاء القوات الأمريكية من القواعد العسكرية السعودية وإيقاف تزويد السعودية بالأسلحة التقليدية الاستراتيجية.

سيكون هذا السيناريو كارثياً على الأمن الإقليمي للرياض. قد يؤثر موقف الولايات المتحدة في الموقف السعودي من الحرب في اليمن، مما يشل قدرة السعوديين في المجهود الحربي، وينهي أخيراً تواطؤ الولايات المتحدة في هذا الصراع، وهو أحد أولى التزامات السياسة الخارجية للرئيس بايدن.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً