يرتدي الناس أقنعة الوجه وهم يتسوقون في سوق للمواد الغذائية في تل أبيب ، إسرائيل ، الثلاثاء 17 مارس 2020. (AP)
تابعنا

في الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيون أسوة بباقي دول العالم وباء كورونا، فإنهم يعيشون معاناة مضاعفة تتمثل في الظروف الاقتصادية بالغة السوء، سواء بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وما يتبعه من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أو احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة وطردها للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية التي يعملون فيها، خشية انتقال عدوى المرض.

وبالتزامن مع النفقات المالية اللازمة لمواجهة الوباء وإعانة الفئات السكانية الفلسطينية المتضررة من سياسة الإغلاق والحجر المنزلي، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس العمل بأحكام موازنة الطوارئ، وتركيز أولويات الإنفاق على 3 بنود: مساعدة الفقراء، ودعم النظام الصحي، وتوفير رواتب الموظفين والاحتياجات الأمنية.

وبسبب توقف عجلة الإنتاج والاستهلاك، فإن إيرادات السلطة الفلسطينية تقلصت إلى 50%، مع أنها بحاجة إلى 120 مليون دولار لمواجهة كورونا، وقد يصل عجز الميزانية إلى 3 مليارات دولار، مع تقديرات بتراجع الإيرادات المحلية إلى 50%، مما يزيد احتمالية لجوئها إلى الاقتراض لتمويل إيراداتها، بعد خسارة الاقتصاد 3.5 مليار دولار بسبب كورونا.

في الوقت ذاته، من المتوقع أن يتكبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر قدرها 3 مليارات دولار، في حال امتدت أزمة فيروس كورونا إلى ستة أشهر، مما يؤكد أن الأزمة الصحية الحالية تنعكس على الاقتصاد الفلسطيني بشكل حاد، وأظهرت نتائج مؤشر سلطة النقد الفلسطينية لشهر مارس/آذار، انخفاضاً واضحاً شمل الضفة الغربية وقطاع غزة.

هذه المعطيات تتقاطع مع التحذيرات المتلاحقة التي ترى أن سياسة الإغلاق التي تفرضها إسرائيل على الضفة الغربية خشية من تفشي وباء كورونا قد تؤدي في النهاية إلى انهيار المنظومة الاقتصادية الفلسطينية بشكل كامل.

على صعيد السلع والبضائع الغذائية، توجد وفرة تموينية تلبي احتياجات الفلسطينيين بين 3-6 أشهر، بسبب الحفاظ على انسياب الحركة التجارية بين المحافظات الفلسطينية، لضمان تأمين المخزون التمويني، بخاصة في المناطق التي أغلقت تماماً، وإتاحة خدمة المعالجة الإلكترونية الفورية، تجنباً لأي إشكالية في عمليات الاستيراد والتصدير، على الرغم من تزامن ظهور الوباء مع صعوبة الظروف المعيشية للفلسطينيين، إذ يعاني ربع قوة العمل من البطالة، ويعيش 24% منهم بأقل من 5.5 دولار في اليوم.

مع العلم أن البنك الدولي توقع أن تؤثر جائحة كورونا بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، مما سيؤدي إلى انكماشه بنسبة 2.5% في 2020، على الرغم من أنه بعد الأزمة المالية العامة في 2019، توقع أن يتعافى الاقتصاد الفلسطيني ببطء في العام الجاري، ولكن يبدو أن تفشي الجائحة وسياسة "إسرائيل" يؤثران بشكل كبير على النشاط الاقتصادي.

وعلى الرغم من الإعلانات المتواصلة التي تحاول بث الطمأنينة في صفوف الفلسطينيين، فإن الأوساط القريبة من دوائر صنع القرار الفلسطيني تعتقد أنه كلما طال أمد الجائحة، فإن ذلك يجعل من انهيار الأوضاع الاقتصادية مسألة وقت ليس أكثر، بما يشمله من ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع مؤشرات الأجور والرواتب، لأن أزمة كورونا ستترك تأثيراتها السلبية على الاقتصاد والأسواق الفلسطينية، فمئات الآلاف من العمال سيفقدون مصادر دخلهم من العمل داخل الخط الأخضر والمستوطنات والمناطق الصناعية في الضفة الغربية.

تفيد المؤشرات الاقتصادية للضفة الغربية بأن الفلسطينيين اهتموا بتحسين أمورهم المعيشية بالقروض المصرفية، ما جعل البنوك تتحكم بشئون حياتهم، بجانب شركات التأمين، وبصورة شبيهة بما يعيشه الإسرائيليون، فإن العائلات الفلسطينية اعتادت الحياة بأرصدة منخفضة في البنوك، والاعتماد على بطاقات الائتمان المالي والقروض ذات الفوائد، مما ترك تأثيراته الاقتصادية وأدى إلى ارتفاع في الأسعار.

ومع وصول أزمة كورونا والتعليمات المصاحبة له، بدأت إسرائيل بالحد من حركة الفلسطينيين بين المدن الفلسطينية، فضلاً عن دخول إسرائيل ذاتها، وصولاً إلى فرض إغلاق كامل على المناطق الفلسطينية، وإشغال الحد الأدنى من الأعمال الاقتصادية، على الرغم من إدراكها أن الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بصورة وثيقة بالمنظومة المالية والاقتصادية الإسرائيلية.

خلال أيام قليلة، فقد مئات الآلاف من الفلسطينيين أعمالهم في إسرائيل والمستوطنات اليهودية والضفة الغربية والمناطق الصناعية داخل الخط الأخضر، ما يعني زيادة معدلات البطالة، كما هو الحال لدى الأيدي العاملة الإسرائيلية ممن خرجوا بإجازات إجبارية أو تلقوا قرارات فصل. ولا يتوقع نهائياً أن تعوض "إسرائيل" مثلاً هؤلاء العمال عبر مشاريع التحفيز الاقتصادي. فالعمال الفلسطينيون الذي يعملون في "إسرائيل" محرومون من الكثير من حقوقهم العمالية.

وتؤكد المحافل الإسرائيلية أن إمكانية صمود الاقتصاد الفلسطيني وسط هذه الأزمة غير قائمة، ومع غياب مدخولات أساسية وأفق اقتصادي، فإن انهياره أقرب من أي وقت مضى، وقد يحصل خلال أيام قليلة، كما أن إمكانية انتشار معالم الفوضى الاقتصادية لن تقتصر على الضفة الغربية، بل قد تشمل قطاع غزة المزدحم بالسكان.

لكن القلق الذي يساور المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين، وكذلك الإسرائيليين، يتعلق بصورة أساسية بأن الانهيار الصحي والاقتصادي قد يتزامن مع اندلاع أحداث أمنية وسيناريوهات مخيفة، مما جعل إسرائيل تسارع في تحويل 150 مليون شيكل إلى السلطة الفلسطينية من خلال أموال المقاصة.

"إسرائيل" لها مساهمتها الخاصة في التضييق الاقتصادي على الفلسطينيين في ظل الوباء، فقد رافق ظهوره فرضها إجراءات إغلاق الحدود مع الضفة وغزة، وبالتالي فإن عدداً لا بأس به من الفلسطينيين لن يتمكنوا من العودة إلى إسرائيل قبل انتهاء أزمة كورونا، وحتى من سيجدون فرص عمل جديدة في إسرائيل فسيكتفون بأجور مخفضة ليست كما كان قبل ظهور الأزمة، مع أنهم قد يعودون إلى أماكن أعمالهم في إسرائيل، إن عادوا، مع صفر مدخلات مالية.

مع العلم أن إسرائيل تميز سلبياً بين العمال الفلسطينيين والإسرائيليين، فهي تعوض عمالها في ظل الأزمة الحالية من خلال أموال يدفعها صندوق التأمين القومي، أما العمال الفلسطينيون فلا يحصلون على شيء، ولذلك فبعد أن أغلقت إسرائيل أبوابها أمام العمال الفلسطينيين، فسيضطرون إلى البحث عن سبل أخرى، لن تكون السلطة الفلسطينية من بينها، لأنها مرهقة ومستنزفة مالياً.

وما دامت إسرائيل تتحمل المسئولية السياسية والقانونية عن الفلسطينيين، بوصفها دولة احتلال، فإنها مطالبة بإرسال أموال للسلطة الفلسطينية، لأن مبلغ ثلاثة مليارات شيكل وهي أموال المقاصة السنوية قد تعينها في مواجهة تزايد معدلات الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة، ودعم قطاعات الأعمال الصغيرة والمنظومة الصحية غير القادرة وحدها على مواجهة كورونا.

الضرر الأساسي الذي لحق بالاقتصاد الفلسطيني في ظل أزمة كورونا تمثل بطرد إسرائيل للعمال الفلسطينيين فيها، ويزيد عددهم عن 150 ألفاً يعملون بتصاريح رسمية، و60 ألفاً يعملون بطريقة غير قانونية، الواحد يحصل على دخل يومي متوسطه 250 شيكلاً، قرابة 70 دولاراً، مما يعني إدخال مئات ملايين الدولارات شهرياً للأسواق الفلسطينية، وتسبب وقفهم عن العمل في إسرائيل عقب ظهور كورونا بحرمان عشرات الآلاف من عائلاتهم من السيولة النقدية.

يعتمد الاقتصاد الفلسطيني أساساً على المدخلات الإسرائيلية، لأن 35% من الدخل القومي الفلسطيني يأتي من العمال في إسرائيل، مما يعني أن الفلسطينيين قد لا يستطيعون الصمود في ظل استمرار إغلاق المعابر الإسرائيلية، لأنه أظهر مشكلة جديدة لديهم تتمثل بعدم وجود قدرة شرائية، بسبب نقص السيولة النقدية.

منذ بداية الوباء، بدأت المواد الغذائية إلى غزة من إسرائيل تتأخر بفعل إجراءاتها الأمنية والصحية، وكذلك منعت إسرائيل تصدير المنتجات الزراعية من غزة إلى الضفة الغربية، إذ يتمتع القطاع باكتفاء ذاتي في الخضار عكس الضفة.

يشكو الفلسطينيون في الضفة الغربية أنهم بعد إعادة عشرات آلاف العمال من إسرائيل بدأوا يواجهون مشكلة جدية تتمثل بتراجع قوتهم الشرائية لعدم توفر السيولة النقدية، وقد تزيد المشكلة إذا استمرت إسرائيل بسياستها المتبعة بفرض الإجراءات الصارمة على عدم دخول العمال الفلسطينيين إليها.

شواهد التبعية التجارية الفلسطينية لإسرائيل كثيرة، فالإجراءات الصحية بالمطارات والمعابر والمواني الإسرائيلية أضرت بالفلسطينيين، لأنها عوقت وصول بضائعهم المستوردة من الخارج عبرها، كما تأثر الفلسطينيون سلباً بتراجع القيمة الشرائية للشيكل في الأسابيع الأخيرة بعد كورونا، فمعظمهم مدخولاتهم بالشيكل، لكن التزاماتهم من الديون والقروض بالدولار، مما انتقص من قدرتهم على السداد.

وبعد حظر إسرائيل في فبراير/شباط تصدير البضائع الفلسطينية إلى الخارج عبر موانيها، فقدت غزة 40 ألف طن وتكبدت المزيد من الخسائر بسبب عدم تصديرها للمزروعات والخضار المصدرة.

هذه التبعية الاقتصادية الفلسطينية للإسرائيليين، قبل كورونا وبعده، مردها إلى أنهم واقعون تحت سيطرة إسرائيل، ويعيشون حالة تبعية كاملة لاقتصادها، على الرغم من محاولات الانفكاك عنها، لكن إسرائيل فيها أعداد كبيرة من العمال الفلسطينيين، وتسيطر على معابرهم، مما يترك تبعاته السيئة والسلبية على توجهاتهم الاقتصادية، فضلاً عن نتائجه السياسية، لأنها تجعل القرار الفلسطيني مرهوناً لإسرائيل، وغير مستقل سياسياً.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً