بنك سيليكون فالي/ صورة: AFP (Noah Berger/AFP)
تابعنا

استيقظ العالم صبيحة يوم 10 مارس/آذار الجاري على أنباء إفلاس بنك وادي السيليكون الأمريكي، الذي يشغل المرتبة رقم 16 في قائمة البنوك الأمريكية، ووُصف انهيار البنك بأنه أكبر فشل لبنك أمريكي منذ انهيار مؤسسة (واشنطن ميوتشوال) Washington Mutual، التي كانت تعد كبرى الشركات الأمريكية العاملة في مجال الادخار والإقراض، في شهر سبتمبر/أيلول 2008.

وتأتي أهمية البنك من تخصصه في الأعمال المصرفية للشركات التقنية الناشئة، وتقديمه للتمويل لما يقرب من نصف شركات التقنية والرعاية الصحية، المدعومة من رأس المال المخاطر الأمريكي، وذلك على الرغم من ضعف أصوله نسبياً والمقدرة بنحو 209 مليارات دولار أمريكي في نهاية العام الماضي.

واستفاض المحللون والخبراء في البحث حول أسباب إفلاس البنك وتداعياته على القطاع المصرفي الأمريكي والأوروبي، لا سيّما في ظل حالة الاستنفار التي أظهرتها الادارة الأمريكية في مواجهة تلك التداعيات، ومحاولاتها تخفيف الذعر في الأسواق المالية العالمية خشية انتقال عدوى الإفلاس إلى باقي بنوك القطاع.

وبدأت قصة إفلاس البنك مع انتشار جائحة كورونا في مارس عام 2020، والتي أدت إلى موجة من الإغلاقات الحازمة أثرت سلبياً في أنشطة الشركات العميلة لدى البنك، الأمر الذي دفع بعضها نحو خفض نفقاتها وتسريح أعداد من موظفيها، في حين اضطر البعض الآخر إلى إعلان الإفلاس. وتوازياً مع ذلك اعتادت إدارة البنك، حال كل البنوك، الاستثمار في شراء سندات طويلة الأجل، التي سرعان ما تهاوت قيمتها بعد بداية موجات رفع أسعار الفائدة.

وفي هذه اللحظة واجه البنك مشكلتَين في وقت واحد، أولاهما احتياج عملائه من الشركات التكنولوجية الصغيرة إلى الاقتراض، ولم يستطِع البنك تلبية احتياجاتها نتيجة لتجمد أرصدته في السندات، مما اضطرها إلى السحب من ودائعها في البنك، المشكلة الثانية هي ارتفاع سعر الفائدة الأمر الذي تسبب في خفض قيمة سنداته ذات الفائدة المنخفضة والتي حُددت في أثناء فترة كورونا، والمشكلتَين أديتا إلى اضطرار البنك إلى بيع أصوله، ومن بينها السندات التي بيعت بأقل من سعر شرائها، من أجل توفير الأموال اللازمة له.

يضاف إلى ذلك أن البنك واجه مشكلات قانونية، إذ فرضت عليه الخزانة الأمريكية غرامة عام 2021 بقيمة 10 ملايين دولار على خلفية مخالفته لنظام العقوبات المفروض على روسيا، كما أن البنك كان قد تأثر بشدة بالركود الاقتصادي الذي ضرب الأسهم في قطاع التكنولوجيا خلال العام الماضي وبالخطة الشرسة التي فرضها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بهدف زيادة معدلات الفائدة من أجل محاربة التضخم.

ويظهر العرض السابق بوضوح أن رفع سعر الفائدة جراء سياسة التشديد النقدي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان واحداً من أهم الأسباب الرئيسية للإفلاس المدوي للبنك، علاوة على تسببه في إفلاس بنك "سيغنتشر" أكبر مقرض في مدينة نيويورك بموجب الائتمان للإسكان لذوي الدخل المنخفض، الذي استحوذت عليه إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك، وذلك في ثالث انهيار مصرفي بالولايات المتحدة خلال أسبوع، إذ سبقه انهيار "سيلفر جيت كابيتال بنك" المتخصص في العملات المشفرة.

ويؤكد ذلك ما نشره موقع "ماركت واتش"، التابع لمؤسسة داو جونز، المتخصص في الأخبار الاقتصادية وبيانات الأسواق وتحليلها، إن 10 مؤسسات مالية تكبدت خسائر "دفترية" ضخمة، في الأوراق المالية المتاحة للبيع، أي غير المحتفظ بها، حتى الاستحقاق، نسبة مئوية من إجمالي رأس المال، مع الرفع المتتالي للفائدة من مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي.

وساد الذعر في الأوساط المصرفية العالمية إذ انهار سهم ثاني أكبر بنك سويسري "كريدي سويس" إلى مستوى قياسي جديد بعد تصريح رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي، أكبر مستثمر في المجموعة المصرفية، لوسائل إعلام بأن "البنك لا يستطيع زيادة الاستثمار في "كريدي سويس" لتداعيات تنظيمية".

ولتهدئة انتشار الذعر المالي والهبوط المخيف لمعظم البورصات الكبرى حول العالم اضطر الرئيس بايدن إلى إلقاء بيان تعهد فيه بمحاسبة الأشخاص المسؤولين عن إفلاس بنك سيليكون فالي وسيغنِتشر بنك، ساعياً في الوقت نفسه لطمأنة الأمريكيين أن ودائعهم بأمان، وأكد ذلك البيان المشترك لكلّ من وزارة الخزانة الأمريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي ومؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأمريكية، والذى اكد علي ان المودعين سيحصلون على جميع أموالهم في الحسابات المصرفية من فروع البنك والشركة الأم في الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من أن مؤسسة التأمين لا تضمن إلا نسبة 15% فقط من الودائع.

ولضمان السيطرة على تداعيات إفلاس البنك في بريطانيا أعلن بنك "إتش إس بي سي" صفقة لشراء فرع مصرف سيليكون فالي المفلس مقابل جنيه إسترليني واحد، وضمان الحسابات المصرفية لدى المودعين في البنك. وتشمل الصفقة ضمان التزامات البنك المالية في بريطانيا، لكنها تستبعد أصول والتزامات الشركة الأم المالكة للمصرف الأمريكي.

ولم تفلح تلك التصريحات في وقف نزيف أسهم القطاعات المصرفية حول العالم، وتشير التقديرات " إلى أن الأسهم المالية خسرت نحو 465 مليار دولار من قيمتها على مستوى العالم، منذ الأسبوع الماضي، ويُجمع الخبراء على إقدام الاحتياطي الفيدرالي على الإبطاء بسعر الفائدة لبث مزيد من الثقة في القطاع المتضرر.

ولا شك أن الاعتماد على سعر الفائدة له كثير من الأضرار السلبية، ليس فقط على أداء البنوك حول العالم، بل وعلى أهمّ مؤشرات الاقتصاد الكلي، لا سيّما معدَّل الاستثمار الذي يتناسب عكسياً مع رفع سعر الفائدة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً