تابعنا
الحقيقة التي تفيد بأن المواجهات التي تقع عند نقطة حدودية معترف بها دولياً، تحمل في طياتها نقاطاً تشير إلى الدوافع وراء اعتداء أرمينيا.

لم يشكّل اتفاق وقف إطلاق النار، المُبرَم لوقف الصراع بين أرمينيا وأذربيجان منذ 26 عاماً، ضماناً للسلام، فانطلق صراع جديد بين البلدين. هذه المرة، يحدث الصراع عند الحدود الدولية الأذرية-الأرمينية، لا في الأراضي المحتلة لأذربيجان (وهي منطقة ناغورني قره باغ والمناطق المحيطة بها).

وأسفرت المواجهات، التي تدور في محافظة تافوش عند الحدود الدولية الأذرية الأرمينية، عن سقوط قتلى من العسكريين على كلا الجانبين.

حسب وزارة الدفاع الأذرية، هاجمت القوات المسلحة الأرمينية فجأةً مواقعهم في تافوش بمدافع الهاون ومدافع الهاوتزر. وفي المقابل رد الجيش الأذري بتدمير منشآت عسكرية مهمة في أرمينيا على الحدود باستخدام طائرات بيرقدار TB2 المُسيرَّة تركية الصنع.

المثير للاهتمام أن الصدام الأحدث يختلف عن الآخر الذي وقع في أبريل/نيسان 2016 عند خط المواجهة في الأراضي الأذرية المحتلة، إذ نرى اليوم نوعاً مختلفاً من الصراع يحدث عند الحدود الدولية المتفق عليها، مما يحمل إمكانية التحول إلى نزاعٍ أوسع نطاقاً.

في السنوات الأخيرة، حتى إذا لم يكن بين الطرفين نزاع مسلح نشط، كان بينهما منافسة دبلوماسية مستمرة.

وطالما كان السبب الرئيسي وراء هذا التوتر متمثلاً في إخفاق المفاوضات الدبلوماسية في إطار أعمال الدول المشاركة في رئاسة مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. كان في المفاوضات بين الطرفين تقدم كبير عام 2019، وتضمن زيارة مشتركة للصحفيين، وتأسيس خط اتصال مباشر بين البلدين، ومبادرات بين الشعبين.

غير أن رفض أرمينيا سحب قواتها المسلحة من الأراضي الأذرية المعترف بها دولياً، وجهودها الرامية إلى تغيير شكل المفاوضات الدبلوماسية، أدى إلى انعدام ثقة عميق في المفاوضات. تبدو أرمينيا راضية عن المفاوضات المتوقفة في إطار أعمال مجموعة مينسك، نظراً إلى أن هذا يسمح لأرمينيا باستمرار الوضع الراهن.

كان المؤتمر الأخير عبر الفيديو بين وزير الخارجية الأذري إلمار ماميدياروف ووزير الخارجية الأرميني زهراب مناتساكانيان، يستهدف مناقشة موقف الصحة العامة في المنطقة، والديناميات الحالية في الصراع الأذري الأرميني، والخطوات التالية للتوصل إلى حلّ.

وبعد الاجتماع أدلت رئاسة مجموعة مينسك ببيان شكلي يتعلق بالمبادئ العامة لعملية المفاوضات. ومع ذلك صرّح الرئيس الأذري إلهام علييف بأن المفاوضات كانت بلا معنى، وبأن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ينبغي لها أن تضغط على أرمينيا كي تنهي احتلالها للأراضي الأذرية.

على الجانب الآخر تَسبَّب الجيش الأذري في انخفاض الروح المعنوية لدى الجيش الأرميني من خلال المكاسب العسكرية التي يحقّقها، فقد استُعيد عديد من المرتفعات الاستراتيجية المؤثرة عن طريق الجيش الأذري في اتجاهات عديدة انطلاقاً من خط المواجهة، وذلك خلال السنوات الأخيرة (أبرزها في أبريل/نيسان 2016).

تَعهَّد رئيس الوزراء الأرميني الحالي نيكول باشينيان بخلق مناخ جديد في الجيش وكذلك في المجال السياسي. ويبدو أنه من أجل تحقيق هذه الغاية، وُجدت حاجة إلى شن هجوم جديد. وجَّه وزير الدفاع الأرميني الجديد دافيد تونويان تهديدات إلى أذربيجان بغزو "مواقع مميزة جديدة" في تصريح أحدث.

اعتقدت أرمينيا أنها يمكن أن تتلقى دعماً من حلفائها، على عكس ما حدث في حرب أبريل/نيسان 2016. ويمكن لهذه المغامرة أيضاً أن تعزّز سمعة الحكومة الجديدة بين الشعب. فمن خلال الصراعات الحالية، تحاول أرمينيا اجتذاب منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى منطقة جنوب القوقاز.

والبيانات الصادرة عن مؤسسة الرئاسة في أذربيجان ووزارة الخارجية الأذرية تؤكد هذا. بعد الحادثة مباشرةً، أجرى وزير الخارجية الأرميني مكالمة هاتفية مع الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وبعدها قرر التحالف عقد اجتماع طارئ في 13 يوليو/تموز، لكنه أُرجئ حينئذ إلى أجل غير مسمى.

بعد ذلك أدلى الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي ببيان ودعا فيه الطرفين إلى التزام الهدوء. يعني هذا أن أرمينيا، مرةً أخرى، لم تستطع الحصول على الدعم الذي توقعته من حلفائها. ويُعزَى جزء من هذا إلى الحقيقة التي تفيد بأن أذربيجان حسَّنت علاقاتها مع الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي: روسيا، وبيلاروس، وكازاخستان، وقيرغيزستان.

تجدر الإشارة إلى أن بيلاروس باعت الأنظمة الصاروخية بولونيز إلى أذربيجان كي تواجه النظام الصاروخي الأرميني إسكندر الذي اشترته أرمينيا من روسيا، فضلاً عن أن كازاخستان وقيرغيزستان كلتاهما عضو في المجلس التركي، إضافة إلى أذربيجان بطبيعة الحال. وقد اتخذ المجلس التركي قراراً في جميع اجتماعات القمة السبع التي عقدها، يفيد بأن الصراع الأذري-الأرميني يجب حلّه في إطار وحدة أراضي أذربيجان.

يضاف إلى هذا أن تركيا (الحليف الرئيسي لأذربيجان) وباكستان وأوكرانيا، أدلت ثلاثتها بتصريحات تدعم وحدة الأراضي الأذرية. وقد انتقدت تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو الهجمات الأرمينية بشدة. وتقول تركيا إن أرمينيا تستخدم الحدث كي تحاول تشتيت انتباه المجتمع الدولي عن الاحتلال الأرميني غير القانوني المستمر للأراضي الأذرية.

يعتقد بعض الخبراء الأتراك أن بين العمليات في ليبيا، وقرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، والصراع على الحدود الأذرية الأرمينية، علاقة، علاوة على أن تافوش تُعَدّ نقطة التقاء جيوغرافية في المثلث الذي يربط بين أذربيجان وجورجيا وتركيا. ليست هذه المنطقة بعيدة عن خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان، وخط سكة حديد باكو-تبليسي-قارص، وممر الغاز الجنوبي.

وقد أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعمه لأذربيجان، وقال إن الهجوم يتجاوز قدرة أرمينيا، مما يعني أن طرفاً ما ربما شجّع أرمينيا لشنّ الهجوم على أذربيجان.

- هذا الموضوع مترجم عن موقع TRT World.

TRT عربي
الأكثر تداولاً