تابعنا
تتسابق الكثير من المؤسسات الرائدة لتطوير أنظمة ذكاء صناعي قادرة على محاكاة البشر في اكتساب اللغة والعمليات المنطقة واتخاذ القرار.

قد يكون حجم الدم والمشاهد العنيفة المُبالَغ فيها داخل المسلسل مقصوداً لذاته. فالقائمون على العمل يسعون إلى إيصال فكرة مفادها أن مستقبل العلاقة بين البشر و روبوتات الذكاء الصناعي لن تمر بسلام.

بناءً على المنطق الأزلي للصراع فإن الإنسان والإنسان الآلي ينتظرهما مستقبل دموي، وصراع على المكانة والسُّلْطة. فأحدهما يحاول أن يحافظ على استعلائه ومكانته بين الكائنات الحية أي على قمة الهرم الحيوي، والآخر يريد أن يحتل مكان الريادة من خلال تحرره من قبضة النِّظام الإلكتروني الذي وُضع فيه باتباع عملية بناء وعي ذاتي قائم على الغلاف المعلوماتي الذي زود به.

تدور أحداث الموسوم الأول حول الإنسان-الإله الذي استطاع من خلال التكنولوجيا التي ابتكرها وطورها على مدار عقود من صناعة إنسان آلي يحاكي جميع وظائف الإنسان البشري بشكل يكاد يكون تامّاً، ولكنه مع ذلك خاضع لإرادته، يجري استعماله لإمتاعه وتسليته، ضمن حكاية محكمة ومكررة على الدوام.

يتم تزويد هذا الإنسان الآلي ببرمجية الذاكرة، وهو ما يمهد الطريق أمام تشكُّل وعي ذاتي لدى هذا الآلي بحيث يبدأ بإدراك ذاته، ووضعه الدوني مقارنة بالإنسان البشري، ومقدار الظلم الواقع عليه، وهو ما يدفعه للبدء في مسلسل تمرُّد على الإنسان البشري، ويتحداه في كل جوانب التفوُّق لديه.

مسلسل West World يمثّل فعلاً قفزة مذهلة في أعمال الخيال العملي التي تتحدث عن المستقبل البعيد. لا أحد يمكن أن يتنبأ على وجه الدقة متى سوف يكون باستطاعة العلماء صناع إنسان آلي قادر على إجراء العمليات المنطقية، والتذكُّر، وبناء وعي ذاتي بشكل يماثل البشر.

اعتقد حسب وجهة نظري أن الوصول إلى هذا المستوى ربما لن يطول كثيراً، خلافاً لبعض المفكرين بهذا المضمار من أمثال لوتشيانو فلوريدي الذي يرى أن الذكاء الصناعي لا يمكن أن يصل إلى مستوى الإنسان بقدراته العقلية.

فبعيداً عن فهمنا التقليدي للذكاء الصناعي بأنه عبارة عن آلات تمارس وظائف تتسم بالذكاء لأنها صادرة عن أجهزة صماء، فإن مستقبل الذكاء الصناعي يتجاوز هذه الفهم التقليدي ويلغي الفروق المعرفية والمادية بين الإنسان والآلة، وهذا مصدر تفاؤلي بأن الذكاء الصناعي قد يتطور بالمستوى الذي يضاهي به الذكاء البشري، ليس بعمليات التذكر والبحث، بل بعمليات التحليل المنطقية وبناء تصوُّرات ذاتية. هذا مع التأكيد بطبيعة الحال أن الفروقات الأخلاقية لا المعرفية هي التي ستشكّل مادة الجدال الفلسفي في العقود القادمة إذا ما شهدنا ولادة الإنسان الآلي فعليّاً.

هذا الفهم الجديد الذي بات يتشكّل مؤخَّراً هو ما دفعني إلى هذا التفاؤل. طبعاً أقصد بالتفاؤل هنا الوصول إلى عتبة الإنساني الآلي المدرك لا شكل وطبيعة العلاقة بينه وبين الإنسان البشري التي حاول المسلسل آنف الذكر إعطاءها لبوسها العنفي والدموي.

فقد كشف معهد Allen للذكاء الصناعي يوم الأربعاء الماضي، وهو من أبرز المعاهد العاملة في هذا المجال، عن نظام جديد استطاع أن يجتاز اختبار مادة العلوم المُعَدّ لطلاب الصف الثامن في الولايات المتَّحدة بنسبة وصلت إلى 90 بالمئة، وبنسبة 80 بالمئة في امتحان الصف الثاني عشر.

وهذه النتائج تُعتبر واعدة جدّاً إذا ما أخذنا في الاعتبار النتائج السابقة، إذ لم يتمكن حتى النِّظام الأكثر تطوُّراً من تجاوز 60 بالمئة من الاختبار.

ويؤشر هذا النِّظام إلى مقدار التقدُّم الذي أحرزه العلماء في هذا المجال، فالنِّظام الذي أُطلِقَ عليه اسم "أرسطو"، تيمُّناً بالفيلسوف اليوناني أرسطو تلميذ أفلاطون ومعلّم الإسكندر الكبير، قد صُمّم وفق مبدأ تعلم اللغات وتقليد منطق البشر وعملية اتخاذ القرار. وقد يشكّل الأساس الذي قد يجري عليه تطوير الإنسان الآلي مكتمل الوظائف.

لقد بدأ العمل على أرسطو الرقمي في عام 2013، ويأتي المشروع ضمن سعي مختبرات الذكاء الصناعي الحثيث لتطوير قدرات الذكاء الصناعي في فهم اللغة والردّ عليها بشكل طبيعي. وقد أظهرت النماذج الأولية من أنظمة الذكاء الصناعي تطوُّراً ملحوظاً في تحليل الوثائق، وإيجاب المعلومات، والإجابة عن الأسئلة وحتى إنتاج اللغة خاصَّة بهم بشكل ذاتي.

لقد أثبت أرسطو الرقمي قدرة فريدة على التحليل المنطقي وهذه هي النقطة البارزة في التطور الذي حصل مؤخراً. وإذا كان من المبكّر جدّاً الحديث عن تطوُّر في التحليل المنطقي يضاهي العمليات العقلية التي يمارسها العقل البشري، فإن هذا المستوى الذي تم التوصل إليه سوف يكون له انعكاسات جوهرية على شكل المنتجات الصناعية والخدمية مستقبَلاً. ومن الخبراء من يقول إننا بصدد جيل جديد من الصناعات والخدمات يمتدّ من "محرّكات البحث في الإنترنت إلى أنظمة حفظ السجلات الطبية في المستشفيات".

ينفق كثير من الجهات الرائدة أموالاً طائلة لتطوير أنظمة الذكاء الصناعي، فشركة مايكروسوفت وحدها على سبيل المثال أنفقت على أحد المختبرات، وهو مختبر OpenAI، مبلغًا قدره مليار دولار. يُذكر أن هذا المختبر قد طوّر نظام ذكاء صناعي استطاع أن يهزم أفضل اللاعبين في لعبة Dota2 وهي لعبة أونلان متعددة اللاعبين تحاكي ساحات القتال والحرب، وتُعتبر من أكثر الألعاب الإلكترونية تعقيداً لكثرة التفاصيل التي تتضمنها.

إن مستقبل النفوذ لأولئك الذين سوف يُحرِزون قدم السبق في تكنولوجيا الذكاء الصناعي، لا شكّ أن الولايات المتَّحدة سابقة غيرها بهذا المضمار ولكنَّ الصين تلحق بها بشكل سريع. فقد وضعت بكين خطة تنموية طموحة تهدف إلى أن تصبح الصين رائدة العالَم في مجال الذكاء الصناعي عام 2030، وقد رصد لهذه الخطة مبالغ طائلة تقدر بـ150 مليار دولار. طبعاً لا أريد الحديث عن الدول العربية، فهي بعيدة كل البعد عن الدخول في هذا السباق للأسف، وهو ما يجعلنا بعيدين عن صياغة المستقبل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

امرأة تمس يدًا آلية تنتجها شركة Syntouch أثناء مؤتمر Amazon Re: MARS حول الروبوتات والذكاء الاصطناعي في فندق أريا في لاس فيجاس ، نيفادا في 5 يونيو 2019. (AFP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً