لجين الهذلول (مواقع التواصل الاجتماعي)
تابعنا

كشف هذا الإفراج عن الهذلول عن رغبة من السلطات السعودية في توجيه رسالة حسن نية إلى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن الذي كان قد صدر منه الكثير من الإشارات في أثناء حملته الانتخابية، التي وُصفت بأنها عدائية تجاه السعودية وبالأخص تجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تشكّل بارقة أمل لكثير من سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين الذين ما زالت تحتجزهم السلطات السعودية، فإنها غير كافية، وتحمل بعض المؤشرات التي تثير القلق. فالإفراج عن المعتقلين مؤخراً كان من باب مجاملة الإدارة الأمريكية وليس عن قناعة حقيقية لدى السلطات السعودية ببراءة هؤلاء المعتقلين واستحقاقهم الإفراج الفوري من غير شروط، كمان أن عمليات الإفراج شملت غالباً المواطنين السعوديين مزدوجي الجنسية، وهو ما يضع علامات استفهام حول رغبة الرياض في إطلاق سراح مَن لا يتمتعون بجنسية أجنبية، وأخير شملت عملية الإفراج في الغالب الشخصيات المحسوبة على التيارات العلمانية، بحيث استُثني المعتقلون الدعاة كالشيخ سلمان العودة على سبيل المثال.

فبالإضافة إلى الهذلول، أفرجت السلطات السعودية بكفالة عن الناشطين السعوديين الأمريكيين الذين تم احتجازهما في أبريل/نيسان 2019، وهما صلاح الحيدر وبدر إبراهيم. كما خففت محكمة الاستئناف السعودية الحكم على مواطن آخر مزدوج الجنسية يُدعى وليد الفتيحي وذلك قُبيل تنصيب بايدن، بالإضافة إلى تخفيف حكم الإعدام عن ثلاثة قاصرين كانوا قد شاركوا -وفق السلطات السعودية- في مظاهرات مناهضة للحكومة، إذ استبدلت بأحكام الإعدام، السجن لعشر سنوات، من بينهم ابن شقيق رجل الدين الشيعي نمر النمر الذي أعدمته السعودية عام 2016.

تتأكد فكرة أن عمليات الإفراج إنما هي عمليات تجميلية تهدف إلى تبيض صورة السلطات السعودية لدى الإدارة الأمريكية ليس أكثر من خلال وضعها في سياق الإجراءات التي اتخذت في سبيل المفرج عنهم على الأخص، وفي سياق العلاقة ما بين السعودية والولايات المتحدة بشكل أعم.

فعلى الرغم من إطلاق سراح الهذلول فإنها ستخضع لحظر سفر مدته خمس سنوات، هذا فضلا عن إلزامها فترة ثلاث سنوات تحت المراقبة. وكانت الهذلول قد اعتُقلت في مايو/أيار 2018، ووجهت إليها تهماً، عُدّت باطلة من قبل نشطاء حقوق الإنسان، تتعلق بالتحريض على تغيير النظام، والعمل على دفع أجندات خارجية، وحكم عليها بالسجن لمدة ست سنوات. في المقابل، سيخضع الفتيحي لحظر سفر مدته 38 شهراً، كما لم يفرج عن الحيدر والإبراهيم إلا مؤقتاً، وما زالا يواجهان تهماً تتعلق بالإرهاب. وهذا يعني أنه لا يوجد أي ضمانات لعدم اعتقالهم مجدداً.

هذه الإجراءات وغيرها تؤكّد أن النظر إلى هذه القضايا إنما يتم من زاوية سياسية صرفة، تحكمها طبيعة التغيرات التي جرت في واشنطن مؤخراً، وذلك بعيداً عن الزاوية الحقوقية أو القانونية، وهو ما يعني أن عمليات إفراج أخرى عن النشطاء والمعارضين سوف تخضع للحسابات السياسية ومدى التجاذبات بين الرياض وواشنطن. ولا شك أن تسييس القضايا الحقوقية سوف يبقى مصدر تهديد للعشرات وربما للمئات من الناشطين السعوديين، سواء داخل البلاد وخارجها.

تعي السلطات السعودية أن التعاطي مع إدارة بايدن سيكون مختلفاً تماماً عن التعاطي مع سلفه الرئيس دونالد ترمب الذي ربطته علاقات قوية مع العائلة الحاكمة في الرياض. فقد كانت السعودية أول بلد خارجي زاره الرئيس ترمب بعيد تنصيبه رئيساً، وقد سمح بصفقات سلاح بمئات المليارات، وساهم بشكل كبير في التغطية على محمد بن سلمان إثر عملية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، هذا فضلاً عن العلاقة الشخصية التي جمعت بن سلمان بصهر الرئيس جارد كوشنر.

على العكس من هذه العلاقة الحميمية، لا يتمتع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو الحاكم الفعلي في السعودية، بأي حظوة لدى إدارة الرئيس بايدن. وقد نقلت رويترز عن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي قولها للصحافيين، على سبيل المثال، إن إدارة بايدن تعتزم تجاوز محمد بن سلمان والعمل مباشرة مع الملك سلمان، في رسالة واضحة إلى الأمير الشاب.

ولكن في المقابل، وعلى الرغم من حالة البرود بين الرئيس بايدن ومحمد بن سلمان، فإن العلاقات الاستراتيجية التي تحكم البلدين ما زال لها القول الفصل في تحديد سياسة واشنطن تجاه الرياض، فما زالت السعودية، رغم ملفها المتدهور في حقوق الإنسان، يُنظر إليها في واشنطن كبلد حليف للولايات المتحدة في المنطقة لا يمكن الاستغناء عنه. فواشنطن ترى أهمية الرياض في العديد من الملفات الإقليمية، كالسيطرة على أسعار النفط، ومحاربة ما يسمى "الإرهاب"، والتصدي لإيران، ومواجهة النفوذ الصيني المتمدد باتجاه المنطقة، وأخيراً العلاقة مع إسرائيل، ودعم مسيرة التطبيع العربي.

بالأخير سوف تنتصر الحسابات الاستراتيجية على الاعتبارات الأخلاقية. ستقوم السعودية بتجميل ملفها في حقوق الإنسان، وسترضى عن ذلك واشنطن ولن تمارس ضغطاً أكبر، وذلك حفاظاً على علاقاتها مع السعودية، فالشيء الأخير الذي تريده الولايات المتحدة أن تسقط السعودية في أحضان الصين، ويتهدّد وجودها في منطقة الخليج بعد هيمنة مطلقة دامت أكثر من نصف قرن.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً