تابعنا
أفاق العالَم صباح الجمعة 3 يناير/كانون الثاني على وقع أخبار اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مع عدد من قيادات الحرس والحشد الشعبي وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس نائب رئيس هذه المليشيا بغارة أمريكية.

وإذا كان ترمب استخدم ردّاً غير عادي بعد اتهامه إيران بالوقوف وراء اقتحام متظاهرين عراقيين السفارة الأمريكية في بغداد، فقد أراد بذلك أن ينجو من الاستجواب المفتوح ضدّه في مجلس النواب -ربما- دون أن يحسن تقدير عواقب استهداف الشخصية الثانية في الأهمية لدى إيران بعد المرشد الأعلى للثورة على الخامنئي.

وكانت الساحة العراقية شهدت مقدمة لانتهاء حلة التعايش بين أمريكا وإيران، بعد مقتل متعاقد أمريكي، وإصابة أربعة من أفراد الخدمة الأمريكية، بهجوم في كركوك في 27 ديسمبر/كانون الأول اتهمت واشنطن الحشد الشعبي به، وردت عليه في 30 من نفس الشهر نفسه بهجوم بطائرة على مواقع كتائب حزب الله المتحالفة مع الحشد الشعبي في سوريا والأنبار تسبب في مقتل 25 مسلحاً وإصابة عشرات.

ماذا بعد الاغتيال

حاولت واشنطن ضمن سعيها للحد من نفوذ إيران في العراق الاستفادة من الاحتجاجات العفوية ضدّ الفساد منذ نحو شهرين في جنوب العراق وبغداد، وشهدت حرق القنصلية الإيرانية في النجف. إلا أن طهران من خلال نفوذ سليماني تدخلت بقوة لقمع المتظاهرين من خلال الحشد الشعبي، وبالضغط على القوى والأحزاب السياسية لاتخاذ قرار برلماني يطالب بخروج القوات الأمريكية بعد أن اتهمت واشنطن بالوقوف وراء الاحتجاجات التي طالبت بخروج إيران من العراق.

وفي هذا السياق نجح سليماني في توجيه الاحتجاجات ضدّ السفارة الأمريكية، الأمر الذي تسبب في اغتياله، بما يشير إلى أن واشنطن ربما تخلت عن الأمل في التفاوض مع إيران بخصوص برنامجه النووي، فضلاً عن تصعيد الأخيرة للعنف ضد واشنطن ردّاًعلى الحصار الاقتصادي والسياسي.

وتخلخلت حالة التعايش بين واشنطن وطهران بعد شعور الإدارة الأمريكية بالخطر الذي تمثله إيران في مناطق نفوذها إثر استهداف ناقلات النفط في الخليج في يونيو/حزيران، مروراً بإسقاط طائرة أمريكية دون طيار في الشهر نفسه، وقصف منشآت أرامكو النفطية السعودية في بقيق وهجرة خريص في سبتمبر/أيلول وصولاً إلى التصعيد الأخير في العراق.

وجاء التصعيد الأخير استباقاً لما قال ترمب إنه خطط كانت تُعِدّ لها إيران لضرب الوجود الأمريكي في العراق.

ردود وضوابط

لا تمتلك إيران القدرة العسكرية لخوض مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة التي تتفوق عسكريّاً وتكنولوجيّاً ونوويّاً. وتدرك طهران تماماً أن هجوماً جويّاً كبيراً أو حتى نووياً محدوداً قادر على إعادة إيران سنوات إلى الوراء، خصوصاً بعد ما تعرضت له طهران من استنزاف جراء عقوبات واشنطن.

وهذا ما قد يكون دفع ترمب إلى التهديد بضرب 52 هدفاً على درجة عالية من الأهمية داخل إيران، منها مصالح حيوية وثقافية "بسرعة وقوة كبيرتين" إن هي استهدفت مصالح وقواعد أمريكية في الخارج، مما يرفع قوة المواجهات المقبلة.

مع ذلك تدرك واشنطن أنها قد لا تستطيع تحمل الكلفة البشرية للاستهداف الصاروخي الإيراني الشامل لوجودها وقواعدها في المنطقة برّاً وبحراً، فضلاً عن أن كلفة ذلك على ترمب في الانتخابات ستكون ثقيلة، هذا إن نجا من استجواب النواب.

لذلك فإن توازن الرعب سيكون سيد الموقف في المرحلة المقبلة، وإن كانت رعونة ترمب قد تُخِلّ به وتدفع باتجاه مواجهة شاملة.

ولَإن طلبت واشنطن عبر وسطاء أن تكون ردة الفعل الإيرانية متناسبة مع الاغتيال، فإن استهداف الرجل الثاني في إيران لن يمر دون ثمن تدفعه واشنطن، إذ قال خامنئي إن "استهداف سليماني هو استهداف لخطّ وتيار المقاومة في المنطقة بأسرها". وأوضح قائد فيلق القدس حسين سلامي أن اغتيال سلفه سيتبعه ما سماه انتقاماً استراتيجيّاً يُنهِي الوجود الأمريكي في المنطقة.

وقال القائد في فيلق القدس إسماعيل قآني إن "على الجميع أن يصبروا قليلاً حتى يشاهدوا جثث الأمريكيين على امتداد الشرق الأوسط".

ساحات للرد المتوقع

لذلك فالأرجح أن تتولى إيران الردّ عبر وكلائها وأتباعها، وأهمّهم الحشد الشعبي وحزب الله العراقي، خصوصاً في ظل تقديرات أن سليماني زوّدهم بصواريخ وطائرات حديثة دون طيار قادرة على رصد القوات الأمريكية دون اكتشافها بالرادارات، وإمكانية قصف السفارة الأمريكية في بغداد وبعض القواعد العسكرية مع إرسال ترمب 3500 من القوات الأمريكية إلى العراق، فضلاً عن استهداف الطائرات المسيَّرة لتجمعات وقادة الحشد الشعبي، بما يعني تَحوُّل العراق إلى ساحة حرب مفتوحة بين الطرفين.

أما الساحة الثانية فهي اليمن، عبر استخدام الحوثيين قصف قواعد وتجمعات أمريكية في الخليج بالطائرات المسيَّرة، وربما ضرب أهداف نفطية سعودية وإماراتية في الخليج العربي كما حصل في استهداف أرامكو.

وتشكّل السفن الحربية الأمريكية في الخليج هدفاً محتمَلاً للبحرية الإيرانية المنتشرة هناك، فضلاً عن القواعد العسكرية في الكويت وقطر والخليج. وقال مصدر أمريكي مطّلع إن إيران قد تنتقم بضرب حلفاء لأمريكا في العراق والشرق الأوسط، وإن من الأهداف المحتملة القاعدة الأمريكية في قطر ومصالح أمريكية بالكويت.

وتمتلك إيران قواعد في سوريا، ولكنها موجَّهة بالأساس إلى إسرائيل ولا تزال في طور التأسيس وغير مؤهلة كليّاً لشنّ هجمات.

كما أن حزب الله اللبناني الذي يأتمر من إيران غير معني بفتح الجبهة الهادئة مع إسرائيل منذ عام 2006، لأن ذلك سيطلق ردّ فعل إسرائيليّاً عنيفاً يلحق الدمار بلبنان في وقت لا تتحملها فيه التوازنات الداخلية في هذا البلد.

وتشكّل حماس والجهاد حليفاً لإيران كداعم عسكري واقتصادي، ولكنها ليست في وارد خرق التهدئة مع العدو وتحمل كلفة ذلك الاقتصادية، ولا شك أن إيران تراعي هذه الخصوصية.

المواجهة الشاملة.. هل تحدث؟

أما استهداف إسرائيل من سوريا أو من لبنان أو فلسطين فسيوسِّع دائرة الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي المباشر لإيران، وهو ما ستتحاشاه طهران في الوقت الحالي، إلا إذا أعطى ترمب الضوء الأخضر لتل أبيب بضرب منشآت نووية أو مصالح إيرانية في إطار توسيع دائرة الحرب مع طهران.

وفي ظل ما ستُفضِي إليه المواجهة القادمة، فإن الفعل وردوده قد لا تظلّ حبيسة للمواجهات المحدودة، خصوصاً إذا أسفر ذلك عن خسائر فادحة في صفوف الأمريكيين. فالمنطقة بأسرها عندما تتحول إلى ساحة حروب ظل مع أمريكا، تصبح معرَّضة للتحول إلى حرب شاملة تتداخل فيها القوى الدولية ويسقط فيها آلاف الضحايا وتغلق فيها الملاحة في مضيق هرمز!

ويدفع ذلك إلى التساؤل عما إذا كان ترمب الذي عاب على بوش زجَّه الجيوش الأمريكية في المنطقة دون طائل سيكرر نفس هذا الخطأ أو وقع فيه بالفعل دون أن تتمكن المؤسسة الأمريكية من ردعه!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً