تابعنا
أثار الإعلان عن اتفاقية تطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال التساؤل عن تأثير ذلك على المسجد الأقصى، والدور الأردني تجاهه. إذ شملت الاتفاقية بنداً ينص على السماح بزيارة المسلمين للمسجد الأقصى من خلال مطارات الإمارات.

للأردن حساسية خاصة تجاه مدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وخاصة المسجد الأقصى، وأثار الإعلان عن اتفاقية تطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال التساؤل عن تأثير ذلك على المسجد الأقصى، والدور الأردني تجاهه. إذ شملت الاتفاقية بنداً ينص على السماح بزيارة المسلمين للمسجد الأقصى من خلال مطارات الإمارات.

ومن شأن ذلك البند، في حال تطبيقه، إكساب الإمارات دوراً مباشراً في ملف القدس، وفي ذلك إضعاف للدور الأردني في المدينة الذي كان يحرص تقليدياً على تركيزه في يده، ويقاوم مساعي الدول الأخرى للتأثير فيه، وخصوصاً المتماشية مع صفقة القرن كالإمارات والسعودية.

وشهدت سنوات حكم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ضغطاً على الأردن لإحالة ملف المدينة المقدسة إلى السعودية، وجهوداً لاستمالة مشايخها، وهو ما رفضه الأردن بشكل متكرر.

وبالرغم من كون الأردن أقرب سياسياً إلى دول ما يسمى بـ"الاعتدال العربي" كالسعودية والإمارات ومصر، وانخراطه معها في مشروع "الثورات المضادة"، فإن الموضوع الفلسطيني شكّل قضية خلاف مع السعودية والإمارات، وكان من المحطات البارزة في هذا السياق رد الفعل الأردني على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومشاركة الملك عبد الله الثاني في اجتماع القمة لمنظمة العالم الإسلامي الذي دعت إليه تركيا، رغم محاولة السعودية ثنيه عن المشاركة فيه.

وبالنظر إلى موقف الأردن في التعامل مع الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية، أشارت الحكومة إلى أن أثرها سيعتمد على السلوك الإسرائيلي لاحقاً، كما شددت على موقفها بشأن الحل العادل للقضية الفلسطينية، وحذرت من أن عدم تحقيقه سيؤدي إلى تعميق الصراع وتهديد أمن المنطقة برمتها.

في حين ثار سجال إعلامي إثر نشر الأمير علي بن الحسين، أخي الملك عبد الله الثاني، تغريدة تضمنت مقالاً ناقداً للاتفاقية وصورة تصف ولي العهد الإماراتي بالخائن، وهو ما رد عليه كتّاب إماراتيون بحدّة، إلا أنه يصعب اعتبار ذلك موقفاً رسمياً أردنياً، نظراً إلى التصريحات الرسمية المنضبطة، والسلوك تجاه رسام الكاريكاتور الأردني عماد حجاج، الذي تم توقيفه وإحالته إلى محكمة أمن الدولة، عقب نشره رسماً كاريكاتورياً ينتقد اتفاقية التطبيع، وهو ما عدته الحكومة "تعكيراً لصفو العلاقات" مع دولة الإمارات.

ويعد هذا السلوك الأردني مستغرَباً، إذ إن للأردن تقليدياً حساسية بالغة تجاه القضية الفلسطينية عموماً، وقضية القدس خصوصاً، بفعل عوامل منها:

المسؤولية التاريخية التي يتحملها بصفته الدولة التي تم احتلال القدس عام 1967 وهي تحت سيادتها، وحينما وقعت اتفاقية السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1994 نصت المعاهدة على أن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن"، وهي عبارة ليست ملزمة قانونياً للاحتلال، إلا أنها كانت محوراً لتوتر العلاقات بين الطرفين في محطات عديدة تزايدت فيها مساعي الحكومات الإسرائيلية لتهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى.

وممَّا يزيد المسؤولية السياسية التي تقع على كاهل الملك الأردني بهذا الخصوص، توقيعه عام 2013 اتفاقية مع السلطة الفلسطينية حصرت الولاية على المسجد الأقصى بالملك عبد الله الثاني. وأناطت به "متابعة مصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية، ولدى المنظمات الدولية المختصة بالوسائل القانونية المتاحة". وتجدر الإشارة إلى أن الملك قد وقّع على الوثيقة بصفته "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس"، وهي تسمية تشير إلى استمداد الشرعية من هذا الدور، وتناظر تسمية ملك السعودية بـ"خادم الحرمين الشريفين". في حين وقّع الرئيس محمود عباس بصفاته الرسمية الثلاث: رئيس دولة فلسطين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.

كما أن للشعب الأردني ارتباطاً وثيقاً بالقدس والمسجد الأقصى، لعوامل الدين والجوار وروابط القربى.

ومع زيادة الضغوط الاقتصادية وصعوبة الظروف المعيشية على الشعب الأردني في السنوات الأخيرة، برر الملك، في خطاب له عام 2018، هذه الضائقة بأنها ناتجة عن ضغوط تُمارس على الأردن بسبب موقفه من القدس المحتلة. وهو طرح يركز على شرعية مستمدة من حماية القدس يفترض منها أن تعوض جزئياً الحالة الاقتصادية التي يعانيها المواطنون. وهو ما يزيد من التأثير السلبي على الحكم في حال رأى الشارع الأردني في الموقف الرسمي تهاوناً في مواجهة المشاريع التي ترسخ هيمنة دولة الاحتلال على القدس ومقدساتها.

وتجدر الإشارة هنا إلى الاتهامات التي وُجّهت للدور الإماراتي في تسريب العقارات في القدس القديمة إلى دولة الاحتلال، وإلى السياق العام لاتفاقية التطبيع، وجوهره التحالف مع دولة الاحتلال، وهو ما يستتبع التماشي مع سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، أو عدم مصادمتها على الأقل.

وختاماً، فمن المتوقع أن يستمر الأردن في موقفه التقليدي في معارضة سياسات تهويد القدس وتقسيم الأقصى، إلا أن ضعف رد الفعل الرسمي تجاه اتفاقية التطبيع يثير المخاوف من انتقال مستوى المعارضة من مستوى الأفعال إلى مستوى الأقوال، وتفادي دفع أثمان سياسية للحفاظ على هذه المسؤولية، وهو ما يشكل تهديداً للمصالح طويلة الأمد للأردن، وزيادة للمخاطر التي تواجهها القدس والقضية الفلسطينية، ويستدعي إسهاماً أكبر من دول إسلامية وعربية، مثل تركيا وقطر والكويت وماليزيا، في تصليب الموقف الرسمي الأردني لمنع ضياع الحقوق الإسلامية والعربية في القدس والحرم الشريف.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً