تابعنا
المبعوث الأممي يستنهض كلَّ قواه ليتمكن من تلافي الفشل الذريع الذي وقع فيه عندما لم يتمكن من جمع الأطراف في جنيف في السادس من شهر سبتمبر/أيلول الماضي؛ لأن التحالف العسكري السعودي الإماراتي رفض تنفيذ الشروط التي التزم بها المبعوث الأممي للحوثيين،

تمكّن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أخيراً من جمع الأطراف اليمنية في جولة مشاورات جديدة، في استكهولم السويدية، لكن لا توجد دلائل قوية على أن هذه الجولة من المشاورات التي تنعقد بعد عامين من التوقف على المسار السياسي سوف تُرسّخ خيار الحل السياسي السلمي المفضي إلى سلام شامل ودائم في اليمن.

يحتشد في قلعة جوهانسبرج الواقعة على بعد 60 كيلو متراً إلى الشمال من العاصمة السويدية، العشرات من الدبلوماسيين والخبراء والإعلاميين، وأعضاء الوفدين المفاوضين على نحو يشير إلى أهمية الجولة الجديدة من المشاورات المرتبطة بالأزمة والحرب في اليمن.

استنهض المبعوث الأممي كلَّ قواه ليتمكن من تلافي الفشل الذريع الذي وقع فيه عندما لم يتمكن من جمع الأطراف في جنيف في السادس من شهر سبتمبر/أيلول الماضي؛ لأن التحالف العسكري السعودي الإماراتي رفض تنفيذ الشروط التي التزم بها المبعوث الأممي للحوثيين، ومن بينها السماح بنقل خمسين جريحاً من الميليشيا الحوثية إلى سلطنة عُمان لتلقي العلاج، وضمان مسار آمن لوفد الحوثيين المفاوض من صنعاء إلى مقر المفاوضات والعودة، بدون التوقف للتفتيش ودون التعرّض لمواقف سابقة اضطرت هذا الوفد للمكوث أشهر في العاصمة العُمانية قبل العودة إلى صنعاء.

تصرَّف غريفيث على نحوٍ ثأري هذه المرة وعمل على ضمان تحقيق الشروط كافة التي طلبها الحوثيون فذهب إلى صنعاء ومعه السفير الكويتي لدى اليمن، فهد المنيع والمبعوث السويدي إلى اليمن، بيتر سمنبي، لاصطحاب وفد الحوثيين وتعهَّد بذهابهم على متن طائرة كويتية أقلتهم مباشرة إلى السويد وتعهد بإعادتهم إلى صنعاء بذات الطريقة.

لكن هل سينجح غريفيث في اختراق جدار الأزمة اليمنية هذه المرة؟ الأمر في تقديري لا يتوقف على النوايا الحسنة لأولئك الذين ذهبوا إلى السويد لإجراء مشاورات غير مباشرة، هدفها الأساس هو التوصّل إلى إطار تنتظم فيه المفاوضات التي سوف تقرِّر مسار الحل وطبيعته، فهؤلاء ليسوا هم من يقرِّر بشكل نهائي ما يتعين قبوله أو رفضه.

غريفيث نجح في حمل الحكومة والمتمردين الحوثيين على توقيع اتفاق شامل لتبادل الأسرى، وهو الاتفاق الذي أخفق الطرفان في التوصل إليه طيلة الفترة الماضية.

ياسين التميمي

صحيح أن غريفيث نجح في حمل الحكومة والمتمردين الحوثيين على توقيع اتفاق شامل لتبادل الأسرى، وهو الاتفاق الذي أخفق الطرفان في التوصل إليه طيلة الفترة الماضية، إلا أن هذا الاتفاق، لا يمكن أن يؤسس لتفاهم من شأنه أن يفضي إلى توافق حول القضايا الشائكة التي تعترض طريق الحل.

ثمّة بُعدٌ تكتيكي فيما يتصل بحماس الحوثيين للتوقيع على اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، إذ ليس هناك من خطوة أفضل من هذه للتعبير عن حرصهم على السلام، لكنهم في الحقيقة لن يذهبوا إلى أبعد من هذه الخطوة، كما أنهم يرون خطوة كهذه جزءاً من عدة خطوات من شأنها أن تكرِّس سلطتهم الموازية على الساحة اليمنية.

فالمبعوث الأممي يريد أن يتوصل الطرفان -فيما يخصُّ بناء الثقة- إلى توافق حول فتح مطار صنعاء، والتزام البنك المركزي الخاضع للحكومة، بدفع رواتب الموظفين الذين يقعون تحت سلطة الحوثيين، وهم النسبة الأكبر من الجهاز الإداري للدولة المنهارة، مقابل أن يلتزم الحوثيون بتوريد الأموال التي يتم تحصيلها من عائدات الضرائب والجمارك للبنك المركزي في عدن.

ويأمل المبعوث الأمميّ أيضاً أن يتمكن من إقناع الطرفين ضمن خطوات بناء الثقة هذه على تفويض المنظمة الدولية بإدارة ميناء الحديدة، وهي المهمة التي سبق أن رفضتها الأمم المتحدة قبل نحو عام تقريباً عندما كانت الحديدة لا تزال بعيدة جدَّاً عن مرمى مدافع القوات الحكومية.

إن نجح المبعوث الأممي في إمضاء مخطط وخطوات بناء الثقة على هذا النحو، فإن الحوثيين سيخرجون منتصرين، من جولة المشاورات هذه؛ لأنهم سوف يكرِّسون بالفعل سلطة موازية في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، وهو الجزء الذي يتركز فيه معظم سكان اليمن ومعظم الأنشطة الاقتصادية التي تدِرّ الموارد المالية، وسيتخففون من الضغوط الهائلة الناجمة عن عدم صرف المرتبات، وهو الأمر الذي فاقم من موجة التذمر والسُّخط ضدهم في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم؛ لأن ما سيحدث هو توزيع لسلطات الدولة بين شريكين متخاصمين، هما السلطة الشرعية والحوثيون تحت رعاية أممية هذه المرة، وعلى نحو يُبقي على سلطة الحوثيين ويمنحهم فرصة ثمينة لإعادة بناء نفوذهم وشبكة علاقاتهم استناداً إلى الوفرة المالية المتاحة من اقتصاد موازٍ عملوا على بنائه منذ استيلائهم على السلطة في صنعاء قبل أربعة أعوام.

وحينما ننتقل إلى القضايا الأساسية التي يمكن أن تُبحَث في جولة المفاوضات القادمة، إذا ما قُدِّر لهذه الجولة من المشاورات أن تنجح في إقرار الإطار الناظم لتلك المفاوضات، فإننا بإزاء قضايا شائكة للغاية؛ لأنها تلامس محاذير عدة بالنسبة للحوثيين الذين يجدون صعوبة، في التحول إلى مجرد طرف سياسي بلا مخالب، بعد أن وضعوا يدهم على مقدِّرات الدولة المالية والاقتصادية والعسكرية والأمنية دفعة واحدة.

يحرص الحوثيون على أن تأتي مسألة تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ستصبح الواجهة الأساسية للشرعية اليمنية، قبل أن ينفذوا مطالب مجلس الأمن.

ياسين التميمي

لذا يحرص الحوثيون على أن تأتي مسألة تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ستصبح الواجهة الأساسية للشرعية اليمنية، قبل أن ينفذوا المطالب الملحة التي تضمنها قرار مجلس الأمن رقم 2216 الصادر تحت الفصل السابع، والذي وفَّر غطاءً شرعيّاً للتدخل العسكري للتحالف في اليمن.

وهذه المطالب تتضمن انسحاب الحوثيين من المدن ومؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة الثقيلة، وإعادة الأمور إلى ما قبل 21 سبتمبر/أيلول 2014، وهو تاريخ الانقلاب الذي نفَّذوه بالتعاون مع شريكهم علي عبد الله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام قبل أن يقتل على أيدهم في الرابع من شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وبتغطية كاملة ودعم من السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

إن أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه الطرفان، وهذا غيرُ متاح في تقديري، هو إقرار صيغة تكفل تنفيذاً متزامناً للاستحقاقات السياسية والعسكرية، بحيث يتم تشكيل الحكومة بالتزامن مع الانسحاب وتسليم الأسلحة.

لكن ثمَّة مخاوف من أن يحصل الحوثيون على الحكومة، قبل أن يسلِّموا السلاح، وهذا يعني أن بإمكانهم أن يأخذوا كل شيء، بما في ذلك الشرعية التي تُعدُّ السلاح الوحيد لمعظم اليمنيين المتطلّعين إلى استعادة دولتهم الاتحادية الديمقراطية التي أقرُّوها في مؤتمر الحوار الوطني، ويشعرون بالفعل أن التحالف ،كما الحوثيين، سواءٌ بسواء يشكِّلون خطراً مشتركاً على بلدهم ودولتهم.

ثمة حاجة إلى تغيير زاوية الرؤية لما يجري في اليمن، بعد أن تكرَّست نظرة أحادية لهذا البلد باعتباره ساحة لمجاعة وشيكة ستكون الأكبر في العالم خلال هذا القرن.

صحيح أن التداعيات الإنسانية شديدة الوطأة، لكن حماية اليمن من المجاعة لن يكون مناسباً عبر معالجات تكتيكية، أو مؤقتة أو ترقيعية، بل من خلال معالجات جذرية تنهي مسببات الحرب، وتمنع إلى أمد بعيد عودة العنف لدوافع سياسية وطائفية، أو جهوية.

فالحرب الأهلية في اليمن لما تبدأ بعد؛ لأن الحرب التي تدور تتمتع بقدر هائل من المسؤولية على الرغم مما خلّفته من مآسٍ وقتلى وجرحى ومشردين.

أسوأ الحروب الأهلية هي التي تندلع بين أطراف محليّة متكافئة ويتم تغذيتها من الخارج؛ لأنها تتأسس على معادلة صفرية، وتقاتل فيها الأطراف بأسلحة عديدة، بينها الأحقاد الكامنة.

ياسين التميمي

أسوأ الحروب الأهلية هي التي تندلع بين أطراف محليّة متكافئة ويتم تغذيتها من الخارج؛ لأنها تتأسس على معادلة صفرية، وتقاتل فيها الأطراف بأسلحة عديدة، بينها الأحقاد الكامنة والمتفجرة والأسوأ منها الأحقاد التي تتغذى من الوعي الطائفي والجهوي.

وحينما نصل إلى هذ المستوى من الحرب فإن مأساة اليمن الحقيقة لن يكون بوسع المجتمع الدولي احتواؤها، كما يجري اليوم؛ حيث تنخرط الوكالات الدولية الإغاثية والإنسانية في عمليات تدِرُّ من ورائها أرباحاً طائلة.

إذ إن معظم الأموال التي تتلقاها هذه الوكالات بحجة دعم اليمن، إنما تذهب إلى تغطية النفقات التشغيلية لموظفي هذه الوكالات نظير تنقلاتهم وسكنهم في أفخم الفنادق، مع بدل مخاطر كبيرة، يحصلون عليها دون أن يقوموا بواجبهم على أكمل وجه؛ لأنه لا يصل من المساعدات إلى مستحقيها إلا القليل.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي

TRT عربي
الأكثر تداولاً