تابعنا
تكررت الانتخابات في الكيان الصهيوني وتبدل الرؤساء والقادة، لكن العرب لم يتلقوا إسعافاً، واشتدّ حبل أزماتهم على رقابهم بالمزيد. لم يفرز الناخبون في الكيان وأمريكا قادة ينسجمون مع رغبات العرب، وبقيت بالتالي مشكلاتهم عالقة، وما زالوا ينتظرون حتى الآن.

تَخيَّل العرب عبر سنوات طويلة أن مشكلاتهم لا يحلها إلا قادة إسرائيليون وأمريكيون جُدُد يتفهمون الظروف العربية لتحقيق استقرار في المنطقة العربية والإسلامية. ولهذا كانوا ينتظرون ومنذ عشرات السنوات نتائج الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية داعين الله أن يهدي الناخب الأمريكي والإسرائيلي فيختار لهم مَن يريحهم ولو جزئيّاً من معاناتهم المستمرة، بخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وهذا الانتظار لم يكُن في الحقيقة إلا انعكاساً للعجز العربي، وعدم قدرة الأنظمة العربية على مواجهة التحديات أو تحقيق التقدم في مختلف مجالات الحياة.

تكررت الانتخابات في الكيان الصهيوني وتبدل الرؤساء والقادة، لكن العرب لم يتلقوا إسعافاً، واشتدّ حبل أزماتهم على رقابهم بالمزيد. لم يفرز الناخبون في الكيان وأمريكا قادة ينسجمون مع رغبات العرب، وبقيت مِن ثَم مشكلاتهم عالقة. وما زالوا ينتظرون حتى الآن.

الآن هو موسم انتخابات صهيونية. وأرى وسائل إعلام رئيسية وثانوية تهتم كثيراً بالانتخابات الإسرائيلية، وتتهافت على أصحاب الرأي والمحللين والمثقفين لاستضافتهم، وكل واحد يدلي بدلوه ورؤيته الخاصة حول سير الانتخابات المتكررة التي لا تنتج حكومة.

وهذه المتابعة الإعلامية متأثرة جدّاً بمتابعة الأنظمة العربية ومنظمة التحرير للانتخابات الصهيونية على أمل أن تفرز رئيس وزراء ليّناً يمكن التفاهم معه، وبرلماناً يميل نحو الحلول السلمية. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي الذي شهد جنوناً في دعم مرشح إسرائيلي على آخر، خابت آمال العرب عموماً، وآمال منظمة التحرير الفلسطينية.

فمع كل جولة انتخابات، كان يأتي رئيس وزراء يتبنى الاستمرار في مصادرة الأراضي وبناء الاستيطان وإنكار الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. حتى الذين عقد العرب آمالاً عليهم مثل باراك وبيرس وليفني خيّبوا الظنون وذهبت جهود العرب في تليين الموقف الصهيوني أدراج الرياح.

وتاريخيّاً، لا يفوز من وضع مستقبله ومصيره في حجر عدوه. وإذا كان المرء غير قادر ويشعر بالعجز فإن الحلّ لا يكمن في اللجوء إلى العدو عساه يأتي بقيادة رحيمة وتسير في نهج الشفقة.

لهذا استمرت مكانة القضية الفلسطينية تتراجع عبر الزمن، واستمر العرب بالدعاء لأن يهزم الله سبحانه شامير وشارون ونتنياهو. لكن الدعاء لم تصاحبه إجراءات تؤدي إلى كب الشخص المنتخب على وجهه فيصاب بالعمى.

ولم يختلف وضع العرب والفلسطينيين وتفكيرهم بالنسبة إلى الانتخابات الأمريكية. كانوا وما زالوا يلهثون وراء الانتخابات الأمريكية عسى الناخب الأمريكي يقرر انتخاب شخص يبحث عن عدالة في حل القضية الفلسطينية ومقاربة مختلف القضايا العربية. وكان بود بعض العرب المساهمة في تكاليف الدعاية الانتخابية، لكن الناخب الأمريكي لم يكُن ينتخب وفق الأهواء العربية بل وفق غبائه وجهله بمعطيات السياسة الدولية ودور الولايات المتحدة في الابتزاز والاستعباد والهيمنة.

تبعت وسائل الإعلام النهج الرسمي الذي حاول عبر السنوات ربط مصير العرب وقضاياهم بانتخابات الغير، بخاصة الأعداء. ويبدو أن على نتنياهو وفرصه في تحقيق نتائج انتخابية تمكّنه من تشكيل حكومة تركيزاً كبيراً.

والسؤال المطروح دائماً هو: هل مصير القضية الفلسطينية والفلسطينيين مرتبط بنتنياهو؟ وماذا لو فاز غريمه وشكّل حكومة؟ هل سينسحب من الصفة الغربية؟ وهل سيوافق على حلّ الدولتين ويوافق على إقامة دولة فلسطينية دون سيادة؟ وهل سيمسك مفاتيح عودة اللاجئين الفلسطينيين؟ الجواب: لن يفعل بالتأكيد، وسيستمر في نهج سابقيه.

المسألة ليست مرتبطة بأشخاص أو أحزاب، بل مرتبطة بالعقيدة الفكرية السياسية والدينية للصهاينة ولأغلب اليهود. مواقف الصهاينة لا تنبع من هذه الساعة، بل تستند إلى تاريخ طويل وتمنيات وأمانيّ وتطلعات مرتبطة بإرادة الرب الذي يتحدثون عنه في التوراة، وبالعقيدة الصهيونية التي تبلورت عبر الزمن بخصوص أرض فلسطين ومساحات كبيرة من أرض الشام ومصر والحجاز.

وهناك مشكلة خاصة بالمصطلحات والمفاهيم. أسمع المعلقين يتحدثون عن اليمين واليسار والمتطرف وغير المتطرف. ماذا يعني اليمين وماذا يعني اليسار؟ وماذا يعني الاعتدال وماذا يعني التطرف؟

هذه مصطلحات صكّها في الغالب الإنجليز في أثناء صدامهم في الطريق نحو إقامة الديمقراطية، وهي مصطلحات لها أجواؤها الخاصة وظروفها التي لا تتكرر، وليس من الصواب استلافها من الغرب والتغني بها باستمرار.

وإذا أردنا استعمال هذه المصطلحات فإن علينا تعريفها أولاً. بالنسبة إلى كاتب مثلي، لا أرى أحداً من الصهاينة معتدلاً، وإذا جاز أن نعرّف التطرُّف والاعتدال بالنسبة إلى القضية الفلسطينية فإننا نعطي تعاريف متناسبة مع الحقوق الفلسطينية لا وفق نسبة إنكار هذه الحقوق.

فالذي ينفي حقّ اللاجئين في العودة متطرف، والذي يقول بضرورة اقتصار الدولة الفلسطينية على حدود يونيو/حزيران متطرف. أما المعتدل فهو الذي يعترف بالظلم الذي وقع على شعب فلسطين ويقرِّر التراجع عمَّا ساهم فيه من ظلم.

مَن في الكيان الصهيوني غير متطرف بهذا المعيار؟ وأين هو المعتدل منهم؟!

ومن الضروري ملاحظة أن اهتمام العرب بانتخابات أعدائهم يوفّر طمأنة للأعداء من حيث إن العرب بلغوا من العجز حد الاستنجاد بالناخب المعادي. انتظار نتائج الانتخابات يبعث إلى الآخرين المعادين برسالة بأن العرب لا يملكون حولاً ولا قوة، وأنه بالإمكان السيطرة عليهم بسهولة.

لهذا علينا أن ننشغل باستمرار بما علينا أن نفعل، وبالخطط التي يجب أن نرسمها وننفذها، لا أن ننتظر الناخب الصهيوني ليقرِّر عنا.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً