من آثار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة  (AA)
تابعنا

جاء التصعيد الإسرائيلي بعد نجاح مصر بتأمين هدنة بين الطرفين، التزم "الجهاد" بموجبها عدم شنّ هجوم على إسرائيل، ليشكّل العدوان غدراً بالفلسطينيين، وإشعالاً لنار حرب كان يمكن احتواؤها.

أهداف إسرائيلية

حاولت الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها تحقيق عدد من الأهداف بشنّها لهذه الحرب، وبهذا التوقيت بالذات.

ولعل أهمّ هذه الأهداف يتعلّق بالداخل الإسرائيلي، فعلى بعد 88 يوماً من انتخابات الكنيست، يريد رئيس الوزراء يائير لابيد الذي لا يتمتع بماضٍ عسكري تعزيز فرص تمكّنه من تشكيل حكومة جديدة، في مواجهة حزب الليكود الذي أشارت الاستطلاعات إلى تَقدُّم فرصه في تشكيل حكومة جديدة. وكذلك يسعى وزير حربه بيني غانتس الذي سيتنافس معه على نفس الموقع.

أما السبب الثاني الذي سوّقت له حكومة الاحتلال، فهو إرساء معادلة جديدة في الصراع تتضمن المبادأة وفق خطة محكمة تقول إسرائيل إنها تستهدف قادة المقاومة لشلّ فاعليتها. وبالفعل نجح الجيش الإسرائيلي في اغتيال شخصيتين قياديتين في "الجهاد"، إلا أنه فشل في وضع حدّ لصواريخ المقاومة الفلسطينية.

وتبدو المسألة أبعد من غزة، إذ تريد إسرائيل إضعاف "حركة الجهاد" التي تقود المواجهات في شمال الضفة الغربية، وخصوصاً في جنين ونابلس، كما تريد أن تمنع تكريس وحدة ساحات المواجهة في الضفة وغزة، وهو إنجاز حققته حماس في حرب سيف القدس، إذ اشتركت كل الجغرافيا الفلسطينية في المواجهة، بما فيها مشاركة فلسطينيي الـ48.

وفي هذا السياق حاولت إسرائيل دق إسفين بين "الجهاد" وحماس من خلال ادعائها إحجام حماس عن المشاركة في إطلاق الصواريخ أو تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، مدّعية أنها نجحت في تحقيق ذلك دون أن تذكر كيف نجحت في ذلك، ما دامت لم تحصل من حماس على أي تعهد بهذا الشأن.

والسبب الثالث الذي يدخل في إطار التحليل، وقد لا يكون راجحاً، فهو أن إسرائيل تريد توجيه رسالة عسكرية لإيران، بأنها تستهدف إحدى أذرعها وتسعى لحرمانها من استخدامه في المواجهة المفتوحة بين الطرفين في ما يتعلق بالنووي.

وتقول إيران إن لديها حلفاء في المنطقة قادرين على إلحاق الأذى بإسرائيل إن هي قرّرَت شنّ الحرب على إيران، وإن من بين هؤلاء حماس و"الجهاد"، فيما لم نسمع أي التزام من الحركتين في الدخول في أي مواجهة في أي معركة لا تتعلق بفلسطين.

فشل إسرائيلي

ولعله من عادة الزعماء الإسرائيليين أن يسعوا للصعود انتخابياً على دماء الشعب الفلسطيني، ولكن التجارب تقول إن العديد من هؤلاء الزعماء خاطروا بسمعتهم وموقعهم، ولم يحقّقوا مرادهم، وذلك ببساطة لأن الشعب الفلسطيني غير قابل للإخضاع، فهو لم يتنازل عن حقّه في المقاومة، بل وتَمكَّن من تطوير وسائله في الدفاع عن نفسه، ونجح في إلحاق الأذى بإسرائيل والردّ على اعتداءتها، بما يُحدِث الألم والخسائر بالإسرائيليين، وإن كانت لا تُقارَن بالخسائر التي يتكبدها.

وقد رأينا كيف ارتدّت اعتداءات إسرائيلية عكسياً عليها وعلى حكوماتها المتعاقبة، وربما تسببت المقاومة في غزة -إضافة إلى عوامل أخرى- في خسارة رئيس الوزراء السابق نتنياهو لموقعه.

ورغم أن الحكومة الحالية تقول إنها حققت أهدافها في الجولة الحالية من العدوان، فإن نجاح "الجهاد الإسلامي" في إطلاق الصواريخ طيلة أيام التصعيد، وإلجائه الإسرائيليين إلى الملاجئ وتعطيل مطار بن غوريون، يجعل رواية الاحتلال غير صحيحة، وسيخرج من هذه الجولة بمكاسب محدودة.

ولذلك فإن حديثه عن استراتيجية جديدة لمواجهة المقاومة لا يعدو كونه فقاعة إعلامية موجهة لجمهوره، ولكنها لا تعني فرقاً كبيراً على أرض الواقع، فقد اغتالت قوات الاحتلال العديد من زعماء المقاومة في السابق، فهل قضى ذلك عليها؟ وهل تراجعت عن عزمها وإصرارها وقوتها؟! بالتأكيد لا.

ما يؤكّده الواقع أن المقاومة في غزة طوّرَت من إمكانياتها وقدراتها أضعافاً مضاعفة، وأصبحت قادرة أكثر على إيقاع الخسائر بالإسرائيليين، وقلب الرأي العامّ عندهم ضدّ حكوماتهم التي تدّعي أنها قادرة على حفظ أمنهم.

أما الحديث عن تحييد حماس فهو إدعاء غير صحيح ألبتة. فإسرائيل تعلم قبل غيرها أن حماس تتحكّم بغزة، وأنه لا يمكن "للجهاد" أن يعمل بمعزل عنها، وأن حماس تشرف على تسليح الفصائل، كما أن القيادة الفصائلية المشتركة في غزة تشرف بالكامل على المواجهة.

وقد اعترف عدد من المحللين الإسرائيليين أن حماس تشرف على المواجهة من خلف الستار. ويبدو أن الاحتلال يتحدث عن أمنيات فقط، فهذه جولة من جولات، وليست نهاية المواجهة حتى يُصدِر مثل هذا الحكم.

وربما أرادت حماس تجنيب القطاع المسؤولة عنه حرباً واسعة تكون نتائجها كارثية على غزة التي لا تزال تتعافى من حرب 2021، فدخول حماس المواجهة بكل قوتها يعني تصعيد الحرب إلى درجة كبيرة قد لا تكون غزة مستعدة لها حاليّاً.

قد يكون لهذه الخطوة تداعيات سلبية على حماس على صعيد شعبيتها، وعلى إنجازات "سيف القدس"، ولكنها قد تكون خطوة مفهومة، وربما متفهَّمة ومدعومة من أهالي غزة.

أما الحديث عن الرسائل إلى إيران، فلا يبدو أنها ستكون ناجعة، إن كانت رسالة أصلاً، فالفصائل ليست تابعة لإيران كما قلنا، والاحتلال لم ينجح في هذه الجولة في ردعها كما لم ينجح في الجولات السابقة.

نهاية متوقعة

وبالإعلان عن التوصل إلى هدنة بين "الجهاد" وإسرائيل، تحدّدت نهاية الجولة كسابقاتها، وقفاً متبادلاً لإطلاق النار، وبالأحرى وقفاً للعدوان على شعب أعزل مصرّ على الدفاع عن نفسه بكل ما يملك.

ولا يبدو أن إسرائيل ستحقّق من معادلة الهدوء مقابل الهدوء شيئاً ذا قيمة ولا ردعاً للفصائل، فالخسائر في الأرواح تبقى مؤلمة للفلسطينيين، ولكنه ثمن مستحق في مسار التحرر من الاحتلال. إلا أن هذه ليست الحالة عند الإسرائيليين الحساسين للخسائر البشرية، والذين يعاقبون حكامهم الذين يتسببون بها، خصوصاً عندما لا تنجح في إخضاع الفلسطينيين.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً