الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يمين) ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان (AA)
تابعنا

أعلن رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب خلال زيارة له لباكستان للمشاركة في مؤتمر الجمعية البرلمانية لمنظمة التعاون الاقتصادي مطلع يونيو/حزيران الجاري، تضامن تركيا مع باكستان في قضية كشمير، كما بادله نظيره الباكستاني عارف علوي نفس المشاعر وبنبرة أعلى، إذ قال إنه ينبغي لتركيا وباكستان أن تقودا العالم الإسلامي معاً، مذكراً بالعلاقات التاريخية بين البلدين وبالمساعدات التي جمعها الباكستانيون في لاهور خلال حرب الاستقلال التركية.

ما من شك في أن العلاقات التركية-الباكستانية لها جذور تاريخية وثقافية ودينية، وأن بين الشعبين تعاطفاً كبيراً، وأن البلدين يعملان على تطوير التعاون بينهما استناداً إلى هذه العلاقات، إلا أن هذه المنطلقات لم تكن كافية لتطوير العلاقات على صعيد استراتيجي خلال الحقبة الماضية.

وفي ذات السياق لم تكن العلاقات الاقتصادية بين البلدين أيضاً قوية بما فيه الكفاية لتحقيق تطور استراتيجي، لعوائق هيكلية عديدة، وعلى الرغم من أن عدد سكان باكستان يزيد على 200 مليون نسمة مما يوفر سوقاً كبيرة لتركيا، فإن الصادرات التركية لم تتجاوز 400 مليون دولار، كما لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 873 مليون دولار، وكانت ذروته عام 2011، ومع ذلك فبين الطرفين سعي حثيث لتطوير التجارة البينية والارتقاء بها إلى أرقام أكبر وتطوير طرق التجارة التي تمرّ من الصين عبر باكستان إلى تركيا.

إزاء ما سبق برز في السنوات الأخيرة بُعد مهم في العلاقات قد يأخذها إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، ويتمحور حول التعاون في مجال الصناعات الدفاعية.

وقد جعل بروز هذا التعاون إمكانية تطوير العلاقات على الصعيد الاستراتيجي محتملة بشكل أكبر، كما يُتوقع مع تطور هذا المجال أن ينعكس هذا التطور إيجاباً على انسجام أكبر للسياسات الخارجية للبلدين وتطور متبادل للعلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما.

فمع تصاعد قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا كانت باكستان وجهة مميزة، إذ بلغ إجمالي صادرات الأسلحة التركية إلى باكستان من 2016 حتى 2019 أكثر من 112 مليون دولار.

وفي يوليو 2018 وقّع البلدان أكبر صفقة عسكرية كانت تركيا ستصدر إلى باكستان بموجبها 30 مروحية "أتاك 129"، بقيمة مليار دولار أمريكي، وقد شملت الصفقة أيضا 4 سفن حربية في إطار مشروع ميلغم التركي.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية أعاقت صفقة مروحيات "أتاك 129" بسبب رفض البنتاغون إصدار ترخيص للشركة التركية للمحركات، مما يجعل باكستان مضطرة إلى شراء مروحيات من الصين. وقد قامت تركيا بعدة محاولات لإيجاد طرق لإقناع واشنطن برفع الحظر عن بيع المروحيات.

ومع ذلك سلّمت تركيا باكستان خلال شهر مايو/أيار 2021 سفينة حربية جديدة تم بناؤها في حوض بناء السفن بإسطنبول، كما تسلمت باكستان أيضاً طرادات بحرية في يناير/كانون الثاني 2021 من تركيا.

وقد تمكّنت شركة "STM" للصناعات الدفاعية التركية، من زيادة حصّتها في باكستان، عقب ربحها مناقصة تحديث غواصات البحرية الباكستانية، ضد منافستها الفرنسية "دي سي إن إس" التي صمّمت وصنعت هذه الغواصات. وبالفعل تم تحديث 3 غواصات باكستانية من قبل الشركة التركية.

ومع نجاح الطائرات المسيَّرة التركية في إثبات نفسها عملياً في أذربيجان وليبيا وسوريا وبدء حتى بعض دول الناتو مثل بولندا شراء المسيرات التركية، فمن المتوقع أن باكستان أيضاً مهتمة بالطائرات بلا طيار التركية ومعدات الحرب الإلكترونية التركية الأخرى. وقد وافقت شركة صناعة الطيران التركية مؤخراً على إنشاء متجر في باكستان للتركيز على مشاريع الدفاع التكنولوجية.

ولمزيد من التطوير في مجال التعاون الدفاعي، عقد مسؤولون من باكستان وتركيا اجتماعات خلال 2020 و2021، إذ التقى وزير الدفاع الباكستاني ميان محمد هلال حسين، وزيرَ الدفاع التركي خلوصي أقار، في ديسمبر 2020 للاتفاق حول صفقة صواريخ Siper بعيدة المدى وطائرات مقاتلة TF-X.

من جهة أخرى يستمرّ الجيشان التركي والباكستاني في إجراء مناوراتهما السنوية الدورية، وقد جرت المناورات المشتركة خلال فبراير 2021 في شمال غربيّ باكستان، وتؤكد هذه المناورات التقليدية بين البلدين، المستمرة منذ عدة سنوات، أن التعاون التقليدي العسكري والمناورات المشتركة لم تشكّل قفزة في العلاقات، ولكن التعاون الدفاعي بين البلدين بدأ يجلب معه حالة انسجام أكثر في السياسات الخارجية.

وبلا حديث حتى عن التعاون في المجال النووي الذي تُعَدّ فيه باكستان إحدى الدول التي تملك السلاح النووي عالمياً، فإن مجرد تطور التعاون الدفاعي بين البلدين يثبت أنه عامل فعال لتطوير العلاقات. ولهذا لم يكن مستغرَباً انخراط باكستان مع تركيا في أذربيجان والمساهمة في إعادة إعمار الأراضي المحررة في إقليم قره باغ.

يوفّر التعاون الدفاعي بين البلدين مساهمة مهمة في زيادة هوامش الاستقلالية لدى البلدين، مما يجعلهما أكثر قدرة على الدفاع عن مصالحهما الحيوية وأكثر قدرة على تحدّي العوائق الداخلية والإقليمية، وبالتأكيد الدول التي تحاول إبقاء البلدين معتمدَين عليها. من المهم الإشارة أيضا هنا إلى أن جهود البلدين في تحسين الوضع الاقتصادي لديهما سيصبّ في تحسن الإمكانات الدفاعية لديهما مما يساعد على إحداث مزيد من التقارب.

إن ميزة التعاون في المجال الدفاعي هي في القيمة الاستراتيجية التي يضيفها، مقارنةً بالتعاون في المجالات التجارية والسياحية وحتى الثقافية التي تُعتبر متنامية، لذلك بالتوازي مع هذه المجالات وبالتطور النوعي في الأساس في المجال الدفاعي بين البلدين، لن يكون مستبعَداً أن نرى تقارباً باكستانياً تركياً أكبر في المدى القريب.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً