وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في اجتماع مع الرئيس اللبناني ميشيل عون، فبراير 2021 (AFP)
تابعنا

فكثُرت التسريبات والتحليلات والهمس بأن الزائر القطري يحمل معه مبادرة سياسية قد تشكل مخرجاً للأزمة اللبنانية المستعصية، شبيهة باتفاق الدوحة عام 2008 الذي أنهى أزمة كادت تُعيد لبنان إلى حرب أهلية جديدة.

الوزير القطري في إجاباته عن أسئلة الصحفيين بعد لقائه رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا، كان واضحاً بأن الدوحة ترحّب بجميع المسؤولين اللبنانيين إذا أرادوا زيارة قطر، وأن بلاده تحتفظ بعلاقة جيدة مع مختلف الفرقاء السياسيين، لكنه لفت إلى أن حلّ الأزمة القائمة يجب أن يخرج من اللبنانيين أنفسهم، وأنه لا تحضير لاتفاق دوحة جديد.

ما عزّز التحليلات بوجود مبادرة قطرية لحلّ الأزمة في لبنان هو أن زيارة الوزير القطري كانت سبقتها زيارة مشابهة قبل أشهر، وتحديداً بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت.

تلك الزيارة وإن حملت عنواناً إنسانياً بالتضامن والمساندة بعد تفجير المرفأ، والإعلان عن تقديم مستشفييْن ميدانييْن لمعالجة ضحايا الانفجار، فإن المروحة الواسعة من اللقاءات التي أجراها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بدت وكأنها تهدف إلى جسّ نبض الأطراف السياسية حول إمكانية تقديم مبادرة لحلّ الأزمة، خاصة أن دولة قطر من الدول القليلة التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف القوى اللبنانية رغم تناقضاتها، من حزب القوات اللبنانية إلى تيار المستقبل إلى التيار الوطني الحر إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل، مروراً بالقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية والقوى السياسية الأخرى وصولاً إلى حزب الله.

حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني  (AFP)

خيبة الأمل التي أُصيب بها اللبنانيون بعد مغادرة الوزير القطري بيروت دون الإعلان عن مبادرة، أزاحتها زيارة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري للدوحة قبل أيام التقى خلالها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، إضافة إلى وزير الخارجية الذي لم يتسنَ للحريري لقاءه خلال زيارته بيروت بسبب وجود الحريري في باريس.

الملفت أنّ زيارة الحريري للدوحة جاءت بعد يوم واحد من زيارة وزير الخارجية القطري إلى طهران، التقى خلالها الرئيس حسن روحاني وسلّمه رسالة من أمير قطر.

فهل عادت الدوحة إلى لعب دور الوساطة في المنطقة بعدما تخلّصت من عبء العزلة والحصار الذي كان مفروضاً عليها؟ وهل كلّفت واشنطن الدوحة التواصل مع طهران للبحث في إيجاد أرضية مشتركة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني؟ وهل يكون الملف اللبناني بنداً من بنود الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة وإيران؟ وهل تكون قطر مرة أخرى عرّابة اتفاق جديد يُنهي الأزمة اللبنانية؟

المؤكد هو أن الظروف والملابسات والأجواء التي رافقت نجاح قطر في إنجاز اتفاق الدوحة عام 2008 الذي أنهى الأزمة اللبنانية ليست متاحة، وما كان يمكن تحقيقه حينها ليس سهلاً أن يتحقق اليوم.

فنجاح اتفاق الدوحة قبل ثلاثة عشر عاماً لم يتحقق بسبب رغبة القوى اللبنانية المتخاصمة إنهاء الخلاف فيما بينها فقط، بل أيضاً وقبل ذلك بفضل مباركة وموافقة دول إقليمية ودولية مؤثرة في لبنان، لم تكن تمانع أن تحظى قطر بشرف إنهاء أزمة عجزت عن حلّها دول كبرى.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني  (AP)

فاتفاق الدوحة 2008 جاء بعد فترة قصير من زيارة قام بها أمير قطر، حينها، حمد بن خليفة آل ثاني إلى لبنان لتدشين المشاريع القطرية التي قدّمتها الدوحة لإعادة إعمار عشرات القرى والبلدات الجنوبية المدمرة جراء العدوان الإسرائيلي عام 2006، بكلفة قاربت نصف مليار دولار.

وحظيَ الأمير القطري باستقبال رسمي كبير وحفاوة شعبية بالغة رافقت محطات زيارته التي تضمّنت زيارة مناطق الجنوب. وقد تزيّنت العديد من الساحات والشوارع في لبنان بعبارة "شكراً قطر" وصور أميرها، تعبيراً عن الامتنان للمساعدات التي قدّمتها الدوحة للبنان. لذلك كانت المساعي القطرية محلّ ترحيب وتقدير من جميع اللبنانيين.

الأمر الآخر الذي ساهم في نجاح اتفاق الدوحة هو وجود رغبة دولية لإنهاء الأزمة، لكن العقبة تمثّلت في عدم توفّر وسيط يمكن أن يحظى بثقة القوى الداخلية المتناحرة، وثقة الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف اللبناني.

فكان اختيار قطر التي حازت على ثقة مختلف الأطراف، وشكلت تقاطعاً بين الجميع. فهي حازت ثقة حزب الله وحلفائه (قوى 8 آذار) بعد جهودها في إعادة إعمار جنوب لبنان، كما أنها تحتفظ بعلاقة مستقرة مع إيران.

سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني المكلف  (AP)

وحازت أيضا ثقة الطرف الآخر (قوى 14 آذار) المقربة من المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة، فباركت الرياض جهود الدوحة وأيّدتها.

لكن هذه المباركة قد لا تكون متوفرة اليوم. صحيح أن الأزمة الخليجية وجدت نهايتها في قمة العُلا السعودية قبل أسابيع، لكن هذا لا يعني أن العلاقات بين قطر والدول التي حاصرتها عادت كسابق عهدها، كما أن هذه الدول ليست معنية بتعزيز مكانة قطر على الساحة الدولية.

فالمملكة العربية السعودية في ظل حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز (عام 2008) لم تكن تجد ضيراً في نجاح قطر بإنهاء الأزمة اللبنانية، ما دام هذا النجاح لا يضر مصالحها.

ما سبق لا يقلّل من أهمية الحراك القطري ولا يعني أن الأزمة اللبنانية أمام طريق مسدود، فالمعطيات والظروف في المنطقة متغيّرة ومتسارعة، لا سيما في ظلّ ضبابية ما ستنتهي إليه العلاقة بين الإدارة الأمريكية الجديدة وإيران. فما هو متعذر اليوم قد يكون متاحاً غداً، وتعنّت المسؤولين اليوم قد يتحوّل اتفاقاً وتراضياً غداً. ربما لا يكون الحل شبيهاً باتفاق الدوحة، لكن الراجح أنه سيكون للدوحة دور في التوصل إليه.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً