تابعنا
تتوافق عملية "نبع السلام" مع القانون الدولي ومع اتفاقية أضنة التي صدرت عام 1998 مع سوريا، والتي تمنح بنودها تركيا طريقاً قانونياً لتنفيذ هذه العمليات العسكرية في سوريا.

بعد سنوات من ضبط النفس في سوريا، نفد مخزون أنقرة من الصبر. ففي مواجهة تهديد العناصر الإرهابية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني على طول حدودها، ووسط تقارير كثيرة حول تزويد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وحدات YPG بأحدث المعدات بانتظام، لم يكن أمام القيادة التركية خيار سوى بدء عملية عسكرية في شمال شرق سوريا.

وهذه العملية تتوافق مع القانون الدولي وتتوافق أيضاً مع اتفاقية أضنة التي صدرت عام 1998، والتي تمنح بنودها تركيا طريقاً قانونياً لتنفيذ هذه العمليات العسكرية في سوريا.

وبالتالي، فإن عملية "نبع السلام" عملية مشروعة تهدف إلى التخلص من مصدر التهديدات الإرهابية في محيط المنطقة. وهي أيضاً فرصة لإعادة الحياة إلى طبيعتها في شمال شرق سوريا، وبالتالي توفير بيئة آمنة للعودة الطوعية للنازحين داخلياً واللاجئين.

إذ اضطر ملايين السوريين، في السنوات القليلة الماضية، لمغادرة بلدهم نتيجة للعمليات التي ينفذها نظام الأسد، وكذلك التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم داعش الإرهابي، وحزب PKK وعناصر YPG.

ومن المفارقات أنه بدلاً من دعم تركيا في حقها السيادي في التعامل مع التهديدات التي تواجه أمنها القومي، كشفت بعض الأنظمة العربية، مجدداً، عن مدى قصر نظرها السياسي بوقوفها على الجانب الخاطئ من التاريخ.

ورغم أن العملية التركية تساعد السوريين على تحرير أنفسهم من نير الفوضى والإرهاب، انتقد المحور المناهض للديمقراطية في المنطقة، الذي تمثل جوهره المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، العملية وتحدثت وسائل إعلام هذه الدول بلهجة استفزازية ضد تركيا.

واختبأت هذه الأطراف نفسها وراء جامعة الدول العربية لإصدار بيانات حادة اللهجة ضد تركيا. ومن المعروف جيداً أن الجامعة العربية كانت في الماضي مشروعاً استعمارياً بريطانياً، وقد دعم المسؤولون البريطانيون إنشاء جامعة الدول العربية رسمياً عام 1945. وتأسست الجامعة في مصر في ظل الاحتلال البريطاني، وأدت بريطانيا دوراً رائداً في تشكيل هيكل هذه المنظمة العربية.

وفضلاً عن سياقها التاريخي، كانت جامعة الدول العربية واحدة من أكثر المنظمات الدولية فشلاً في القرن الماضي. ومساعيها في منع نشوب الصراعات وحلها في الشرق الأوسط لم تكن سوى دليل على الفشل المخزي الذريع.

ففي ظل وجود جامعة الدول العربية، أصبحت القضية الفلسطينية، وهي أقدم وأكبر قضية في أجندة المنطقة، مجرد جزء من كتب التاريخ. وأصبحت السعودية والإمارات ومصر من الداعمين الرئيسيين لما يسمى "صفقة القرن"، بدلاً من الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.

ولا تقدم هذه الصفقة أي سلام دائم للفلسطينيين، بل ولم تضع في اعتبارها إعادة الأراضي المحتلة لأصحابها الأصليين. والصفقة بأكملها ليست أكثر من عملية احتيال عقارية، تعرض أموالاً مقابل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية على نحوٍ غير قانوني.

ومن ناحية أخرى، تبنت أنقرة سياسة قائمة على المبادئ ورفضت قبول أي اتفاق يتخلى عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين.

ولتبرير مواقفها الأخيرة ضد "نبع السلام"، تحاول البلدان الثلاثة جاهدة تصوير مواقفها على أنها نوع من التضامن العربي وقلق على سلطة العالم العربي. ثم مرة أخرى، بعد دراسة هذه الادعاءات دراسة جيدة، تبين أن هذه الأنظمة هي نفسها التي دعمت غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وهي التي سعت إلى حصار قطر وتقسيم اليمن ونشر الفوضى في ليبيا والصومال.

وفي سوريا نفسها، كان لدى الرياض تاريخ في دعم العناصر الأشد تطرفاً، إذ كانت ترسل إليها شحنات السلاح واحدة تلو الأخرى. ويُعتقد أن تنظيم داعش استفاد من المنحة السعودية إلى الحد الذي اعتبر معه كثيرون هذا التنظيم الإرهابي مشروعاً سعودياً.

ويكشف تاريخ هذه الأنظمة وخطابها المزدوج الأصيل أنه ليس لديها درس لتلقنه لتركيا، وأنها أيضاً لا تتمتع بأي شرعية أو مصداقية للتحدث نيابة عن الشعب العربي.

في الواقع، لقد بذلت تركيا من أجل أمن ورفاهية شعوب الشرق الأوسط أكثر مما بذلته كل هذه الدول مجتمعة؛ إذ وقفت تركيا إلى جوار شعوب العراق وسوريا والصومال وفلسطين وليبيا واليمن وقطر في أحلك الأوقات.

واختبر الشعب السوري نفسه سياسات أنقرة القائمة على القيم بصورة مباشرة. وسِجل تركيا في تعاملها مع اللاجئين غني عن التعريف. وفضلاً عن ذلك، خلال العمليات العسكرية التي شُنت في وقت سابق، وتحديداً عمليتي درع الفرات (2016-2017) وغصن الزيتون (2018)، كان الجيش التركي شديد الحرص في تعامله مع المدنيين وحاول تقليل المخاطر على المناطق السكنية إلى الحد الأدنى.

وكانت النتيجة أن 291 ألف مواطن سوري تمكنوا من العودة إلى ديارهم. ومن التناقضات الصارخة أن الرقة في شمال شرق سوريا، والعديد من المناطق الأخرى تعرضت لقصف مدمر من التحالف الأمريكي. أين كانت دموع التماسيح هذه حينها؟

إن الحرب الإعلامية ضد تركيا محكوم عليها بالفشل. وكما يقول المثل: "الكلاب تنبح، والقافلة تسير"، ولا تتوفر فرص جديدة للسلام ولا يُصنع التاريخ إلا في مثل هذه الأوقات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي