تابعنا
مع تزايد أعداد ضحايا النظام المصري في السجون، تطرح تساؤلات حول دور النيابة العامة والقضاء فيما يتعلق بالإشراف على السجون ومقرات الاحتجاز، لضمان تطبيق القانون.

أعادت وفاة الشابين المصريين المعتقلين عمر عادل والكيلاني حسن الأسبوع الماضي، تسليط الضوء على ملف الإهمال الطبي، والمعاملة غير الإنسانية داخل السجون ومراكز الاحتجاز المنتشرة في مصر، لا سيما أن وفاتيهما تأتي بعد نحو شهر من رحيل الرئيس الأسبق محمد مرسي بنفس الظروف.

ويعود السبب في ذلك إلى تواطؤ ما بين وزارة الداخلية والقضاء. فالسجناء في النهاية يجدون أنفسهم بين مطرقة وزارة الداخلية، وما تقوم به من أفعال ممنهجة للنيل من كرامتهم، وسندان القضاء المصري الذي تطور دوره من التقاعس عن تطبيق نصوص القانون للحد من تجاوزات وزارة الداخلية، إلى قيامه هو الآخر بممارسات تهدف إلى التنكيل بالسجناء والمتهمين على خلفية قضايا سياسية.

فطبقاً لتصريحات المدير التنفيذي لمنظمة "كوميتي فور جستس" أحمد مفرح، وصل عدد المحتجزين الذين توفوا بسبب الإهمال الطبي أو سوء المعيشة أو التعذيب في السجون المصرية، منذ يونيو/حزيران 2013، إلى 823 حالة وفاة حتى فبراير/شباط 2019.

وبينما يشهد الإطار القانوني تطوراً ملحوظاً فيما يتعلق بحقوق السجناء، يشهد الواقع تراجعاً مأساوياً فيما يتعلق بأوضاع السجون والسجناء.

وتعددت أوجه الخروقات التي تمارس في مواجهه المعتقلين السياسيين في السجون المصرية؛ بداية من المنع من حقوق أساسية كالتريض والحق في الزيارة، وصولاً إلى استخدام الحبس الانفرادي كعقوبة إضافية ومنع الرعاية الصحية وعدم السماح بدخول الأدوية.

ممارسات وزارة الداخلية مخالفات قانونية بالجملة

شهدت الوثائق الدستورية والقانونية في السنوات الأخيرة تطورات فيما يتعلق بضمانات السجناء وحقوقهم. فقد نصّت المادة 65 من الدستور الحالي على أن ".. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر....". الأمر الذي يمنح السجناء حماية مزدوجة، الأولى بحكم اعتبارهم مواطنين تنطبق عليهم نصوص الدستور العامة وأحكامه، والثانية هي خضوع أماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، وصيانة كرامة الإنسان وحظر أي فعل يعرّض صحته للخطر داخل السجون. كما أدخلت تعديلات على قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية أضافت بعض المميزات للسجناء.

على الرغم من هذه التعديلات القانونية، فإن ممارسات وزارة الداخلية والقضاء لا تلتفت إليها، ولا تأبه لأي ضمانات دستورية.

ويأتي الوضع المتردي الذي تشهده السجون المصرية، ليعكس حالة تعامل النظام مع الوثيقة الدستورية وإهداره لكل الضمانات والحقوق التي احتواها الدستور بشكل عام. ونذكر ثلاثة نماذج لهذه الانتهاكات الممنهجة.

الحرمان من الزيارة

يعاني مئات المعتقلين في السجون المصرية من الحرمان من حقهم في رؤية ذويهم عبر الزيارات التي يكفلها القانون والدستور لكل السجناء.

يأتي المنع من الزيارة على هذا النحو بالمخالفة لقانون تنظيم السجون الذي أعطى الحق لكل مسجون في التراسل، والاتصال التليفوني بمقابل مادي، بالإضافة إلى السماح لذويه بزيارته مرتين شهرياً.

وفي 2014 أُدخل تعديل هام على لائحة تنظيم السجون ترتب عليه زيادة مدة الزيارة من نصف ساعة في المرة الواحدة إلى ساعة كاملة. ولم يضع القانون لنفاذ هذه المواد سوى شرط واحد: أن يكون سلوك المسجون حسناً داخل السجن.

ولكن على الرغم من كل هذه الضمانات، نجد أن إدارة السجن تحرم المسجونين السياسيين من حقهم في تلقي الزيارة ومراسلة ذويهم بشكل ممنهج.

الحبس الانفرادي

طبقاً لمنظمة العفو الدولية تستخدم السلطات المصرية أسلوب الحبس الانفرادي كأداة لإنزال عقاب إضافي على السجناء، ولا سيما السجناء ذوي الخلفية السياسية.

وأشارت المنظمة إلى أنه يُطبَّق في كثير من الأحيان بشكل تعسفي ودون إشراف قضائي، ويُعدُّ على الدوام بمثابة نوع من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، بل يشكِّل أحياناً ضرباً من التعذيب.

ويُحتجز بعض السجناء رهن الحبس الانفرادي المطوَّل أو إلى أجل غير مُسمَّى، أو يُوضعون في زنازين تتسم الظروف فيها بأنها غير إنسانية، أو يتعرضون لعقاب جماعي. وفي بعض الحالات، يتعرض السجناء لتعذيب بدني أيضاً.

يأتي استخدام الحبس الانفرادي على هذا النحو بالمخالفة لقانون تنظيم السجون الذي اعتبر الحبس الانفرادي عقوبة منفردة توقَّع على نزلاء السجون حال ارتكابهم مخالفات أثناء تأدية العقوبة.

وأعطى القانون لمأمور السجن توقيع جزاء الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً، ولمساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون بناءً على طلب مأمور السجن لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً، وأحاط توقيع هذه الجزاءات بضمانات للمودعين بالسجون منها أن يتم إعلامهم بالفعل المنسوب إليهم وسماع أقوالهم وتحقيق دفاعهم.

غير أن إدارة السجون تتعمد مخالفة القانون فيما يتعلق بتطبيق عقوبة الحبس الانفرادي، فلا تلتزم بإجراءات توقيعها من إعلان المساجين وسماع أقوالهم وتحقيق دفاعهم، ولا بالحد الأقصى للعقوبة وهو شهر واحد.

الحرمان من الرعاية الصحية في السجون

ووفاة الشابين وقبلهم مئات السجناء لا يمثل إلا نموذجاً لمنهج مصلحة السجون في التعامل مع ملف الرعاية الصحية، الذي لا يعتمد الإخلال بحقوق المرضى من المساجين بغرض التنكيل بهم وحسب، بل يرقى إلى درجة استخدام المرض كأحد أدوات التعذيب.

يحدث ذلك في الوقت الذي يقع على عاتق مصلحة السجون إجراء مسح طبي للسجن للحد من العدوى، لتكون هي من يمتنع في توفير الرعاية الصحية للمريض، وإجراء المسوح اللازمة.

التجاوزات القضائية في مواجهة المتهمين والسجناء

على جانب آخر، لعب القضاء دوراً بارزاً في السير على درب النظام السياسي فيما يتعلق بالتنكيل بخصوم النظام السياسيين.

وتظهر أبرز صور هذا التنكيل، في التطبيق الانتقائي للنصوص المتعلقة بمدة الحبس الاحتياطي، والرقابة الصورية على مقرات الاحتجاز والسجون من قبل الجهات القضائية المنوط بها الإشراف والرقابة على السجون.

بالإضافة إلى عدم إثبات جرائم التعذيب. فخلال السنوات الماضية أصبح تغاضي القضاة ووكلاء النيابة عن الانتهاكات التي يتعرض لها المتهمون أثناء عمليات التحقيق أو السجناء خلال فترات المحاكمة أمراً متكرراً، سواء تم إبلاغهم بهذه الانتهاكات أثناء التحقيق أو المحاكمة.

وعلى صعيد متصل رصد تقرير سابق لهيومن رايتس ووتش شهادات عدد من المحتجزين، عن قيامهم بإبلاغ وكلاء النيابة العامة بتعذيبهم، ولم يشهدوا في أي حالة دليلاً على أن النيابة اتخذت أي إجراء للتحقيق في ادعاءاتهم، وقالت المنظمة إن هذا الأمر يتناقض مع الادعاءات التي تكررها مصر في المحافل الدولية، ومفادها أن وكلاء النيابة يحققون في جميع مزاعم الانتهاكات.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً