تابعنا
مع تسارع مجريات صفقة القرن بانعقاد ورشة المنامة يبدو أن تسارع التصعيد في الأراضي الفلسطينية هو سيد الموقف. هذا ما تشير إليه أحدث التقارير الأمنية الإسرائيلية.

كشف الجيش الإسرائيلي معطيات إحصائية جديدة عن تطورات الوضع الأمني في الضفة الغربية، جاء فيها أنه اعتقل 3173 فلسطينياً متهمين بالانخراط في عمليات مسلحة ومظاهرات شعبية، ووضع يده على 406 قطع سلاح، وصادر قرابة نصف مليون دولار موجودة في منازل النشطاء الفلسطينيين، أما المعطيات عن الثلث الأول من 2019، حتى نهاية أبريل/نيسان فاعتقل فيها 1077 فلسطينياً، ووضع يده على 263 قطعة سلاح، وصادر 140 ألف دولار.

كما نشر مركز المعلومات حول الاستخبارات الإسرائيلية دراسة مطولة جاء فيها أن العمليات الشعبية الفلسطينية كالطعن والدعس وإطلاق النار، وصلت مع نهاية 2018 إلى 55 عملية، لا تشمل إلقاء الحجارة على سيارات المستوطنين ودوريات الجيش، مقابل 82 هجمة عام 2017، فيما بلغ عدد القتلى الإسرائيليين من العمليات 12 قتيلاً، مقابل 18 آخرين في 2017، وبلغت ذروة العمليات عام 2015 ببلوغها 171 هجوماً.

تظهر لغة الأرقام أن التوتر الأمني في الضفة الغربية يزداد تفاقماً، وإن كان على نار هادئة، ولا يأخذ ذلك الضجيج الإعلامي الذي يحوزه القطاع، في الوقت ذاته، فإن الجيش الإسرائيلي بات يعاني في الضفة الغربية صداعاً مزمناً من الطريقة الجديدة التي يستخدمها الفلسطينيون في التحريض على العمليات المسلحة بصورة ذكية.

تفصيل هذه الجزئية يعود إلى أنه بدلاً من الوسائل التقليدية في دفع الشبان الفلسطينيين لتنفيذ هجماتهم، وسهولة وصول الجيش والمخابرات إليهم، اضطرت الأوساط الأمنية الإسرائيلية في الشهور الأخيرة لمواجهة ظاهرة جديدة تتمثل في تبادل الرسائل المشفرة بين الناشطين الفلسطينيين التي لا تحمل معاني واضحة علنية لتنفيذ الهجمات، لكن نتيجتها فتاكة ودامية.

إن وسائل حماس الجديدة جاءت بعد أن تفاخر الجيش الإسرائيلي بقدرته على كبح جماح ظاهرة العمليات الفردية من خلال سياسة الإحباط المسبق التي تضمنت العثور على الوسائل القتالية والذخيرة ومصانع إنتاجها، ومصادرة الأموال التي تصل إلى الضفة الغربية من قطاع غزة والخارج.

وقد شملت تلك السياسة الإسرائيلية محاربة ظاهرة التحريض بمداهمة المطابع ومحطات الراديو المحلية، واعتقال المحاضرين والعلماء الدينيين، ومن يصدرون البيانات التحريضية، وملاحقة شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع اليد على كل مشتبه بتوفر نوايا عدوانية لديه من خلال إجراء اتصالات هاتفية من قبل الجيش بهم وبعائلاتهم تحذرهم من تنفيذ العمليات، وآخرين فوجئوا بوحدات المستعربين يقتحمون عليهم فراشهم.

كل ذلك تم من خلال عمل استخباري ومعلوماتي متطور جداً، لكن العمليات الفلسطينية ظاهرة متجددة مع مرور الوقت، وتتغير وسائلها وأساليبها بصورة دائمة، ما يجعلها تشكل تحدياً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إذ تعرف حماس جيداً وسائل إسرائيل في ملاحقتها بالضفة الغربية، فلجأت إلى وسائل جديدة للتحريض على تنفيذ الهجمات، ليس بالضرورة من خلال الدعوة العلنية لتنفيذها، وإنما عبر استخدام شبكة الإنترنت التي تشمل تضمين منشورات تدعو لتنفيذ العمليات، وتجنيد النشطاء المرشحين لتنفيذها كل واحد في مكان سكنه.

هذه الوسائل الجديدة لا يعني أن حماس توقفت في الفترة الماضية عن اتباع وسائل تقليدية للعمل في الضفة الغربية وشرقي القدس ومنها: تشكيل خلايا مسلحة، توجيه، تمويل مالي، تخطيط، وجود قيادة مركزية تقود العمل من بدايته وحتى التنفيذ الميداني، وتشمل العمليات: إطلاق النار، عبوات ناسفة، محاولة اختطاف جنود، لكن هذه الوسائل تغيرت في ظل ملاحقة الجيش الإسرائيلي لها، واستبدلت وسائل أخرى بها.

يعتقد الإسرائيليون أنه طالما أن المستوى السياسي يواصل تجاهله للتوصيات الأمنية والعسكرية فإن الوضع الإسرائيلي في الضفة الغربية سيأخذ بالتدهور.

عدنان أبو عامر

يعتقد الإسرائيليون أنه طالما أن المستوى السياسي يواصل تجاهله للتوصيات الأمنية والعسكرية، فإن الوضع الإسرائيلي في الضفة الغربية سيأخذ بالتدهور، لأن الكابينت المصغر ورئيسه بنيامين نتنياهو منفصلون عن الواقع، وحين أعلن رئيس هيئة الأركان السابق الجنرال غادي آيزنكوت قبل أشهر أن وضع الضفة الغربية حساس وقابل للانفجار في أي لحظة، لم يتعامل معه أحد من الوزراء بجدية، بل باستهتار.

أثبتت العمليات الأخيرة في الضفة الغربية لإسرائيل أنها أمام جبهة ساخنة، وتشكل تحدياً قوياً لأجهزتها الأمنية، لأن ذلك سيؤدي إلى تعزيز القوات العسكرية في مختلف مناطقها، مع أن الجنود أنفسهم الذين يفترض فيهم حماية المستوطنين باتوا أهدافاً مفضلة للمسلحين الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن الرأي العام الإسرائيلي وإعلامه باتا منشغلين منذ فترة طويلة بأحداث غزة ولبنان، لكن المؤشرات الميدانية أكدت أن الانفجار متوقع من الضفة الغربية، باعتبارها ساحة الصراع الحقيقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي الوقت الذي تتجه الأوضاع في قطاع غزة نحو ترتيبات ميدانية، فإن التوجه لدى حماس كما يبدو يتعلق بنقل الأحداث والعمليات إلى الضفة الغربية.

الغريب أنه على الرغم من الجمود السياسي القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن الجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تساهم بدور فعال في إحباط عمليات الفصائل، في ظل جهود حماس لتحويل منفّذي العمليات الأخيرة نماذج للمحاكاة والتكرار، وجعلهم أمثلة قابلة للتقليد لمهاجمة الإسرائيليين، بإظهارهم أبطالاً نجحوا في استنزاف الجيش.

أثبتت العمليات الأخيرة في الضفة الغربية لإسرائيل أنها أمام جبهة ساخنة وتشكل تحدياً قوياً لأجهزتها الأمنية.

عدنان أبو عامر

يعلم الفلسطينيون جيداً أن فرص نجاح نموذج العمليات الفردية في الضفة الغربية أكثر من الهجمات المنظمة، فمن يُرد القيام بمهاجمة الجنود والمستوطنين، ينفذ ذلك بمفاجأتهم دون توفر إنذارات مسبقة لدى أجهزة الأمن والجيش، ومع استمرار موجة التحريض عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فإن وضع الضفة الغربية يجعله يصل إلى أقصى درجات ما قبل التصعيد الميداني.

لا ينفك الإسرائيليون عن التأكيد بين حين وآخر على أن الضفة الغربية منطقة قابلة للاشتعال بصورة كبيرة جداً، وما نراه من الهدوء هو نسبي جداً، واحتمالية انفجار الأوضاع متوقع وحساس للغاية، وهناك الكثير من الأسباب المشجعة على ذلك.

خطورة الوضع الأمني في الضفة الغربية أن منفذي بعض العمليات الأخيرة، نجحوا في التخفي عن أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية على الرغم من مرور أيام وأسابيع طويلة، على الرغم من عمليات البحث والتحري والمعلومات دون نتائج، ما يشير إلى إخفاق أمني وفشل استخباري حقيقي من العيار الثقيل، قياساً بما تبذله الأجهزة الأمنية من عمل دؤوب ليل نهار للوصول إلى أي طرف خيط من خلال تشغيل العناصر البشرية والأدوات التقنية.

كل ذلك يؤكد حقيقة مفادها أن الوضع الأمني في الضفة الغربية لم يعد مستقراً، ويعاني من زعزعات مستمرة، وبات كل شهر يسجل هجمات مسلحة، ومحاولات أخرى تستهدف الميدان هناك، مما يجعل الحل من وجهة النظر الإسرائيلية بزيادة أعداد القوات العسكرية في الميدان لمواجهة أي مظاهرات واحتجاجات فلسطينية، وفي الوقت ذاته إبداء مزيد من اليقظة، والمحافظة على وضع الفلسطينيين المعيشي.

وإن التصريحات الأخيرة لقادة الجيش وأجهزة الأمن تظهر أنهم تحدثوا عن عدم ثقتهم في استمرار الهدوء في الضفة الغربية، وخشيتهم من حدوث موجة تصعيد أمني فيها، مع أن النصف الأول من 2019 شهد تراجعاً ملموساً في عدد الهجمات الشعبية.

إن أسباب التوتر الأمني بالضفة تتركز بزيادة الحديث حول صفقة القرن والقطيعة القائمة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة.

عدنان أبو عامر

ليس سرّاً أن الإسرائيليين أبدوا استغرابهم كيف أن قطاع غزة يشتعل في الأسابيع الأخيرة خلال جولات التصعيد السابقة، وتتصاعد فيه المواجهات مع الجيش الإسرائيلي، فيما سكان الضفة الغربية يبدون تجاهلاً لما يحدث، لكن اليوم بات الوضع في طريقه للانعكاس، فغزة ذاهبة في طريق التهدئة كما يبدو، فيما عمليات الطعن وإطلاق النار في الضفة قد تزداد.

إضافة إلى ذلك، فإن الأوساط الأمنية الإسرائيلية تصدر توقعاتها من حدوث موجة تصعيد في الضفة الغربية قد تكون الأخطر في الوقت الحالي، تشمل مظاهرات شعبية عارمة، وعمليات إطلاق نار، تصاحبها هجمات بالطعن عقب أحداث قد تشعل الوضع الميداني، وتسفر عن سقوط قتلى من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بالتزامن مع قرب الإعلان عن صفقة القرن وانعقاد قمة البحرين، ودخول السلطة الفلسطينية في أزمتها المالية الخانقة.

كل ذلك يتطلب من إسرائيل، كما ترى أجهزتها الأمنية والعسكرية، جهداً فائقاً في الضفة الغربية لاستدراك الموقف الميداني، ما يجعلنا نرى في العمليات والهجمات الأخيرة مجرد قمة جبل الجليد فقط ليس أكثر عما قد يحدث الفترة القادمة.

إن أسباب التوتر الأمني في الضفة تتركز بزيادة الحديث حول صفقة القرن، والقطيعة القائمة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، وفيما يأخذ وضع السلطة ورئيسها أبو مازن بالضعف والتراجع، فإن حماس تتقوى، بسبب وجود فرص حساسة بأن ميدان الضفة قد يشتعل، ما لفت انتباه أجهزة الأمن الإسرائيلية التي تراقب الوضع هناك، تحسّباً لأي تطورات في المستقبل القريب.

كما أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالجمود السياسي يلقي بظلاله على الوضع الأمني، بجانب التحريض الذي تمارسه حماس عبر مسيرات غزة، ومشاهد القتلى والجرحى، ورغبتها العلنية في تنفيذ عمليات بالضفة، كل هذه الأسباب تساهم في إشعال الوضع الميداني بالضفة الغربية، وصولاً إلى إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة، وهو الكابوس الذي تخشاه إسرائيل.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

TRT عربي
الأكثر تداولاً