تابعنا
إن هيمنة فصائل الحشد الشعبي على المشهد السياسي والأمني في العراق قد تجعل منه ساحة لحرب مباشرة أو بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة على إثر التصعيد بين الطرفين باغتيال الجنرال قاسم سليماني.

في تصريحه المتعلق باستهداف الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قال البنتاغون إنه بتوجيه من الرئيس نفّذ الجيش الأمريكي عملاً دفاعيّاً حاسماً لحماية الأمريكيين في الخارج بقتل قاسم سليماني. وقبل أيام كان مناصرون للحشد الشعبي حاولوا اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد في ظلّ تعالي هتافات منة قبيل "قاسمي قائدي". وقد تمّت محاصرة السفارة لمدة يومين في ما يبدو أنه من باب الرد والرد المقابل من أجل التنديد بغارات جوية شنّها الجيش الأمريكي الأحد الماضي على قواعد لكتائب حزب الله العراقية، وهي إحدى فصائل الحشد الشعبي.

وقد أثارت عملية قصف لواءَي الحشد الشعبي في منطقة القائم غرب العراق موجة غضب شعبية وفورة حماسة في أوساط القيادات السياسية المستثمرة والمستفيدة من صعود الصراع بين فصائل من الحشد الشعبي والقوات الأمريكية في العراق، لإمكان استثمار ذلك في تحويل التركيز على غيبتها السياسية والقيادية والإدارية والأمنية في احتواء غضب المتظاهرين في العاصمة بغداد وفي تسع محافظات أخرى.

ويأتي اغتيال سليماني ليمثل قمة التصعيد بين الولايات المتحدة من جهة وبين إيران ووكلائها الإقليميين من جهة أخرى، خصوصاً فصائل الحشد الشعبي في العراق، حيث تمثل هذه الفصائل الانعكاس الأحدث ضمن سياسة الأحزاب التي تعيش في جلباب التخادم الخارجي وكانت سبباً رئيسيّاً في انحراف سلوك النظام العراقي بعد عام 2003. وقد وجهت الكثير من الاتهامات على سبيل المثال إلى حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة جراء ضعفها وتحيزها لهذه الأحزاب، وتحميلها المسؤولية عن إقحام الدولة العراقية في ملفات مجهولة المصير.

وفي تصريح عُدّ مفاجئاً لدى كثيرين، أبان السيد عادل عبد المهدي رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال عن علاقة فصائل المقاومة الإسلامية الشيعية داخل هيئة الحشد الشعبي مؤخَّراً في مشهد متلفز بثّته قناة العراقية، فقال إن "95 بالمئة من فصائل الحشد مسيطَر عليها، في حين أن 5 بالمئة خارج السيطرة"، وهو ما شكّل خروجاً صارخاً عن عادة السيد عادل عبد المهدي المتمثلة بالإدلاء بتصريحات عامة مقتضبة إلى وسائل الإعلام بخصوص هذه التفاصيل الحساسة في لحظة صعبة يمر بها العراق. والرجل هنا يتحدث عن5 بالمئة خارج سيطرته كقائد عامّ للقوات المسلحة. والغريب أنه تحدث بحرّية نسبيّاً عن برنامجه الذي أعدّه لحكومته المستقيلة في تحرير الاقتصاد ودافع عن سياسة حكومته في الحياد بين أمريكا وإيران.

لكن السيد عادل عبد المهدي قلل في ذات الوقت من شأن دوره في صوغ سياسة أمنية أكثر إقداماً بالتعامل مع ملف الفصائل غير المنضبطة وفق أوامر وتعليمات القائد العام للقوات المسلحة.

وقد تم انتقاد النسبة التي زعمها السيد عادل عبد المهدي عن المنضبطين الـ95 بالمئة داخل هيئة الحشد الشعبي. قد يكون ذلك إطراءً مبالغاً فيه لانضباط الفصائل الحشدية، لأنه من المعلوم أن فصائل الحشد الشعبي لا تُلقِي للأوامر الديوانية بالاً، خصوصاً تلك المتعلقة بإفراغ مخازن السلاح والمعسكرات التي يسيطر عليها الحشد من داخل المدن.

يُعَدّ فرض القانون في العراق الآن أمراً معقَّداً جدّاً في الوقت الحالي خصوصاً عندما تنظر إلى خريطة العلاقات بين الفصائل والقوات الأمنية الحكومية. وعند تدقيق النظر تبرز أمامك سمات تصعيد ودوائر التوتر في ثلاثة مجالات حيوية داخل العراق هي السيطرة الأمنية خارج خطة قيادة العمليات المشتركة، والهيئات الاقتصادية للفصائل، والدور المنوط بهم في تأمين طريق طهران-بغداد-دمشق.

ليس من قبيل المصادفة إذاً أن تعتمد إيران في مشروع تصدير ثورتها وحماية استثماراتها وأوراق الضغط لديها على فصائل المقاومة الشيعية العراقية الأكثر فاعلية في العراق وسورية اليوم.

في الواقع، استثمرت إيران علاقتها الوثيقة بقيادات فصائل المقاومة العراقية لتسويق نفسها بوصفها حامي مكاسب البيت السياسي الشيعي بعد عام 2003 والشريك العسكري للعراق في الحرب على داعش، ومع تزايد التكاليف المتلازمة مع التحديات الأمنية التي يمثلها التحالف الدولي والأمريكان وحلفاؤهم، ستضع إيران جزءاً كبيراً من رهانها القومي وجزءاً من موازنتها الدفاعية على رأس أولوياتها لحماية البنية الأساسية لفصائل المقاومة العراقية.

وستتفاقم حرب خفيَّة تدار بالوكالة بين أمريكا وإيران على الأرض العراقية. لكن واشنطن أظهرت فاعلية كبيرة إلى الآن في تضييق خطوط الاستثمارات الإيرانية وفي التضييق على طريق طهران-بغداد-دمشق.

كذلك ستكون إيران أكثر ميلاً إلى المساومة على صعيد التسويات مع أمريكا والخليج مستندة في ذلك إلى ورقة فصائل المقاومة العراقية وبناء العلاقات الاستراتيجية في الخارج من أجل إدارة جوار أشدّ تنافساً، وهذا سيشمل الإشراف المباشر على فصائل المقاومة الإسلامية المنتسبة إلى الخط الولائي.

وفي الوقت الذي نحاول فيه منع العراق من أن يكون طرفاً أو ميداناً للصراع الأمريكي-الإيراني، هناك نزوع ثوري غاضب إلى ربط النظام العراقي بمنهجية وسياسة إيران في المنطقة، وهذا الذي ظهر على أنه شعار "سليماني قائدي" كتب على جدار السفارة الأمريكية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019 في العراق.

لكن القوى المعارضة وساحات التظاهرات السلمية الدافعة إلى تغيير سلوك النظام السياسي في العراق آخذة في التبلور منذ بعض الوقت، والأوليات السياسية لها تتمثل في إنشاء نظام وطني ديمقراطي مستقلّ يمكنه هزيمة فوضى السلاح، ومحاكمة الفاسدين، وحماية حقوق الإنسان والحريات، وفرض القانون وكرامة الإنسان، وهو الأساس الذي تقوم عليه الدولة التي يريد المتظاهر السلمي في ميادين العراق تحقيقها وحمايتها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي