مانا عبدي (Others)
تابعنا

أسفرت نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة عن بعض النتائج غير المتوقعة، أبرزها أن الحزب الديمقراطي على الرغم من أداء بادين الباهت طيلة الفترة الماضية لم يخسر بفارق كبير وحافظ نوعاً ما على خنادقه السابقة، الأمر الذي منح الرئيس ثقة بالترشح لدورة ثانية بعد سنتين.

الإثارة في نتائج الانتخابات كانت في مكان آخر، وهو مكان لم يسلَّط الضوء عليه كثيراً. يتعلق الأمر هنا بالحلم الأمريكي، ولكن هذه المرة بنكهة مغايرة لذلك الحلم الذي تركز على مدار قرون حول العرق الأوروبي الأبيض. هذه المرة من يصنع الحلم هم الأمريكيون المسلمون من أصول مهاجرة، فقد كانت نتائج المسلمين الأمريكيين لافتة للنظر من حيث نوعيتها وطبيعتها وحتى عددها.

فقبل ما يقرب من أسبوع أصدر مركز Jetpac ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) تقريراً أحصى به ما يقرب من 82 فوزاً لمرشحين مسلمين في الانتخابات النصفية، شملت مواقع تشريعية وقضائية على المستويين المحلي والفيدرالي. وقد ذكر التقرير أنها أعلى نسبة منذ بدأت عملية تتبُّع المسار الانتخابي للمسلمين الأمريكيين من قبل المنظمتين.

وقد شمل الرصد الانتخابي لهذا العام تسجيل ما يقرب من 146 مرشحاً للمناصب المحلية والفيدرالية وعلى مستوى الولايات بما في ذلك 51 مرشحاً تشريعيّاً للولايات يتنافسون في 23 ولاية. وقد حافظ عديد من المسلمين الأمريكيين الذين انتُخبوا سابقاً والبالغ عدد 29 على مناصبهم، الأمر الذي يرفع العدد الإجمالي للمشرعين المسلمين على مستوى البلاد إلى 43.

طبيعة الحلم الذي يتحقق على أيدي المسلمين الأمريكيين لا اتعلق بالأرقام وحسب بل بطبيعة الفائزين أنفسهم، فقد غلبت عليهم حداثة السن، وهو ما يؤشر على وعي مبكر لجيل من المسلمين الأمريكيين بضرورة الانعتاق من أثر الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. من بين الأسماء الفائزة كانت مانا عبدي (26 عاماً) التي أصبحت واحدة من أول الأمريكيين من أصول صومالية الذين انتُخبوا في المجلس التشريعي لولاية مين، وهي واحدة من أكثر الولايات الريفية في أمريكا.

وعبدي هي صومالية هاجرت إلى الولايات المتحدة من مخيم للجوء في كينيا عندما كانت في سن الحادية عشرة. تعلمت الإنجليزية في الولايات المتحدة ولم يكن ذلك ليمنعها من دخول الحياة العامة. ومثل إلهان عمر، عضو مجلس النواب الأمريكي من أصول صومالية، لم ترَ عبدي أن أي عائق (سواء المعتقد أو اللون) يمكن أن يقف في طريقها لتحقيق حلمها في الوصول إلى المناصب العامة، ليس كسياسية وحسب ولكن كناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان.

هناك أيضا أليشا خان، وهي من أصول باكستانية، وقد أصبحت الأصغر سنّاً (21 عاماً) من بين أولئك الذين تم انتخابهم هذا العام للمجالس التشريعية للولايات في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية حيث تم انتخاب أليشا لمجلس التعليم في نيو برونزويك، نيو جيرسي.

رواء رمان (Others)

وفي دائرة انتخابية في ولاية إنديانا، دخل الديمقراطي المسلم أندريه كارسون التاريخ من خلال انتخابه لعضوية الكونغرس للمرة السابعة، وهو رقم قياسي بطبيعة الحال وبفارق كبير عن منافسته الجمهورية، إذ حصل على 116870 صوتاً مقابل 53487 صوتاً لأنجيلا جرابوفسكي.

كما صنع الديمقراطيان سلمان بوجاني وسليمان لالاني التاريخ كأول مسلمين وجنوب آسيويين يتم انتخابهما لعضوية المجلس التشريعي في تكساس.

في الحقيقة، لم يكن تنامي حضور المسلمين الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية مجرد زوبعة في فنجان أو سحابة صيف، بل يعبّر عن تنامٍ واثق وحضور وازن. هذا ما أكدته إعادة انتخاب عديد من المشرعين من أمثال رشيدة طليب وإلهان عمر. ففي ولاية ميشيغان انتُخبت الديمقراطية طليب للمرة الثالثة وحصلت على 196601 صوت بفوزها على الجمهوري ستيفن إليوت الذي حصل على 72889 صوتاً فقط. كما أعيد انتخاب الديمقراطية إلهان عمر للمرة الثالثة من ولاية مينيسوتا، وقد حصلت على 214217 صوتاً مقابل 70698 صوتاً فقط لمنافسها الجمهوري سيسيلي ديفيس.

أخيراً في جورجيا، وهي من الولايات المتقلبة، لن يكون سيناتور الولاية الحالي الشيخ رحمن هو المسلم الوحيد في المجلس التشريعي، إذ فازت امرأتان مسلمتان، حيث ستصبح نبيلة إسلام سيناتوراً في مجلس الولاية، في حين ستمثّل رواء رمان (الشابة من أصول فلسطينية) الولاية في مجلس النواب.

المعطى الآخَر المهمّ في الصعود المسلم في الانتخابات الأمريكية (بالإضافة إلى النوعية والعدد اللذين تم الإشارة إليهما سابقاً) يأتي من طبيعة الأجيال الجديدة للمسلمين الأمريكية وطبيعة المرحلة. فقد شهد الحضور المسلم في الحياة العامة انكماشاً كبيراً في الولايات المتحدة على أثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي وضعت المسلمين في غيتوهات نفسية خشية من الوقوع في دائرة الاتهام والاشتباه بالإرهاب.

يخرج الجيل الجديد من المسلمين الأمريكيين من هذه الغيتوهات مسلَّحين بثقة بالنفس، وبدافع هوياتي معزَّز بحسّ وطني واضح وإصرار على تغيير الصور النمطية التي أُلحِقَت بالمسلمين طيلة ثلاثة عقود ودارت حول انكفائهم وتشتُّتهم وعدم كفايتهم السياسية وأهليتهم الاجتماعية.

تَعزَّز هذا التوجه بشكل كبير بعيد انتخابات الرئيس السابق دونالد ترمب الذي صعّد خطاب الهوية في السياسة، وتَبنَّى سياسات عنصرية ضد المهاجرين بشكل عامّ والمسلمين بشكل خاصّ. على أثر ذلك أصبح تترسخ قناعة لدى المسلمين الأمريكيين بأن الطريقة الأنسب للرد على الجُدُر الهوياتية التي بات ترمب وجماعة اليمين المتطرف يشيّدونها في وجه التنوع العرقي في المجتمعات الأمريكية يتمحور حول بناء جسور التواصل من خلال تعزيز الانخراط في الحياة العامة.

تعبّر عن هذا التوجه على سبيل المثال نبيلة سيد، وهي أصغر أعضاء الجمعية العامة في إلينوي، إذ تؤكّد أنها دخلت عالم السياسة والخدمة العامة بعد أن شاهدت صعود التطرف في السياسة الأمريكية، ليس فقط على المستوى الاتحادي، بل أيضاً في المجلس والمؤسسات المحلية كالمدارس. وأكّدَت أن انتخاب دونالد ترمب شكّل "ذروة" هذا التطرف، وأن الترشح من طرف المسلمين أو حتى الأقليات "أصبح أكثر حتمية"، وذلك للبحث عن سبل لإيجاد "قيادة أكثر عقلانية في جميع أشكال المناصب".

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي