تابعنا
مع تفشي فيروس كورونا، تكاثر الحديث عن تأثيراته في الأوساط الأكثر ضعفاً والمهمّشة ومن أبرزهم المعتقلين في السجون والأسرى. حيث تطالب المنظمات الدولية بإطلاق سراحهم ضمن اجراءات الوقاية من الوباء.

على موقعها الرسمي، نشرت الحكومة البريطانية بياناً توضح فيه الإجراءات الجديدة التي يجب على كل السجون داخل المملكة المتحدة أن تلتزمها لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وما يمكن أن يجلبه على كل من بداخل السجون البريطانية من مسجونين وضباط وعاملين.

اشترطت الحكومة مراقبة الحالة الصحية للمحتجزين باستمرار. وإذا ما لوحظت أعراض ارتفاع لدرجة الحرارة أو سعال مستمر، فيجب على الفور عزل هذا السجين إلى غرفة مخصصة من دون أن يتعامل مع غيره، مع توفير العلاج اللازم لحالته وإبلاغ الهيئة الطبية المختصة بهذه الحالة.

وإذا ما جرى التأكد من إصابته بفيروس كورونا يُحوَّل على الفور إلى مستشفى مخصص لاستقبال مثل هذه الحالات من السجن، لتوفير الرعاية الكاملة له وتجنب نقله العدوى إلى الآخرين من محتجزين وضباط.

فيروس كورونا يجتاح العالم بشكل مخيف، وأعداد الإصابات في ارتفاع مستمر، وعلى الرغم من الاستراتيجية المعلنة للعديد من الدول فيما أطلق عليه استراتيجية "تسطيح المنحنى" وإطالة المدة الزمنية أمام ارتفاع عدد الإصابات، فإن الأرقام تقول عكس ذلك تماماً.

وتوجد تحذيرات رسمية من انهيار تام قادم لا محالة للمنظومات الصحية في الدول الأوربية والغربية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، على غرار ما يحدث الآن في الشمال الإيطالي، مئات المليارات في إمبراطوريات اقتصادية عالمية تقف الآن عاجزة عن السيطرة على كورونا وما يفعله بالبشر في حياتهم اليومية، ما جعل العالم أشبه بجزر منعزلة عن بعضها، وقد أغلقت كل دولة حدودها أمام الأخرى، وأغلق كل مواطن داخل هذه الدولة أو تلك بابه على نفسه، وانتشرت الجيوش في الشوارع وفرض حظر التجوال في العديد من العواصم العربية والعالمية.

الرابطة الأمريكية لقادة الشرطة ومدرائها أصدرت بياناً في 5 مارس/آذار الجاري أوصت فيه بضرورة توفير الرعاية الكاملة للسجناء مع التفكير في إمكانية تخفيض أعدادهم في هذا التوقيت تحديداً، للتخفيف من الزحام والاختلاط داخل السجون، ومنع خطورة انتشار فيروس كورونا.

كما أكدت ضرورة القيام بإجراءات العزل الطبي لأي سجين تظهر عليه أعراض الإصابة بالفيروس، الأمر الذي دفع الكثير من دول العالم إلى إصدار قرارات بالإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين والسجناء لمنع انتشار كورونا، وعلى رأسهم إيران التي أصدرت قراراً بالإفراج عن ما يقارب 70 ألف سجين.

لحقت بها بعد ذلك دولة البحرين التي أفرجت بدورها عن دفعة من السجناء بعد ارتفاع أرقام المصابين بفيروس كورونا. إيطاليا فعلت الأمر نفسه بعد تفشي المرض داخل البلاد بشكل كبير. في تركيا أيضاً نشرت بعض المواقع أن نقاشاً برلمانياً يجري حول قانون يسمح بالإفراج عن ما يقارب مئة ألف سجين في محاولات للسيطرة على انتشار الفيروس وإغلاق الأبواب أمام انتشاره بين السجناء.

ولكن أبواباً أخرى مغلقة على ساكنيها مع سبق الإصرار والترصد، ويوجد من يعانون من عزل ليس بصحي وحجر ليس بطبي، داخل الزنازين وتحديداً في منطقتنا العربية في مصر وسوريا والسعودية وغيرها، يقبع مئات الآلاف من السجناء داخل سجون لا تصلح في الظروف العادية وفي عالم ما قبل فيروس كورونا للحياة الآدمية.

ومع انتشار فيروس كورونا بات حال السجناء كأن حكماً بالموت البطيء قد صدر بحقهم مع ظروف الازدحام الشديد داخل الزنازين، ومنع التريض، وتعمّد إدارات السجون منع دخول الدواء والمنظفات للسجناء.

في سجون الاحتلال الإسرائيلي على سبيل المثال، يقبع أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني في ظروف غير آدمية، وبداخل زنازين مهترئة. ما يقارب سبعمئة أسير فلسطيني يعانون من مشكلات صحية خطيرة تعرّض حياتهم للخطر. ومع انتشار فيروس كورونا أصبحت حياتهم على المحك مع تعنّت إدارة سجون الاحتلال في توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم، وسخرية ضباط الاحتلال من مطالبات الأسرى بتوفير كمامات طبية تساعدهم على حماية أنفسهم من الإصابة بكورونا إذ قال أحد ضباط الاحتلال للأسرى: "استبدلوا بها الجوارب".

في مصر حدّث ولا حرج عن أوضاع السجون والسجناء. منذ بداية العام الجاري وقبل وصول فيروس كورونا مات اثنان وعشرون مواطناً مصرياً نتيجة الإهمال الطبي، وانعدام الرعاية الطبية داخل السجون.

ومنذ أسبوعين منعت إدارة السجون في مصر الزيارات العائلية للسجناء. كما منعت عنهم أدوات النظافة الشخصية وأي ملابس أخرى. المشكلة الحقيقية في مصر هي الزحام الشديد داخل الزنازين.

ففي مصر يمكن لزنزانة واحدة مساحتها عشرة أمتار فقط أن تتسع لأربعين سجيناً. فلو أصيب واحد منهم فقط بفيروس كورونا لانتشر بين الآخرين في طرفة عين، ولامتد الأمر بكل سهولة إلى الضباط والعساكر عبر الاختلاط اليومي، ولأصبح هذا السجن بؤرة خطيرة لانتشار المرض عبر دوائر مختلفة.

على الجميع أن يستشعر الخطر ويتحرك بشكل عاجل من أجل إنقاذ هذه الأرواح داخل السجون. منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية طالبتا بالإفراج الفوري عن السجناء في مصر قبل فوات الأوان.

ولكن السلطات في مصر يبدو أنها فهمت الرسالة بشكل عكسي. فبدلاً من الاستجابة الفورية والحفاظ على تلك الأرواح المظلومة، شنت حملة اعتقالات جديدة ضد بعض النشطاء بتهمة الترويج لشائعات حول فيروس كورونا، ما دفعني ودفع الكثيرين إلى المشاركة في حملة إنسانية بعنوان "خرجوا المساجين" عبر التدوين على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإفراج الفوري عن السجناء، فشاركوا معنا وأخرجوهم قبل أن يقتلهم فيروس كورونا.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRTعربي.  

TRT عربي
الأكثر تداولاً