مدينة أنطاليا التركية (Others)
تابعنا

والتي اعتُمدت في عام 1976 في مدينة برشلونة الإسبانية بهدف حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث البيئي الناتج عن السفن ومصادر التلوث البرية، وحماية التنوع الحيوي، وحماية المناطق الساحلية من الآثار الناتجة عن الأنشطة البشرية في البحر.

وقد اختارت الدولة المضيفة شعاراً للمؤتمر هو رسم تخطيطي يمثل السلحفاة ضخمة الرأس من نوع "كاريتا كاريتا" لتسليط الضوء على المخاطر التي تهدد التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط، الذي رغم أنه بحر إقليمي لا يمثل سوى 1 في المائة فقط من مساحة محيطات وبحار العالم، فإنه يشكل موطناً لنحو 10 في المائة من الأنواع البحرية المعروفة.

وترمز السلحفاة ضخمة الرأس، التي يتركز تعشيشها في شرق المتوسط وفي سواحل أنطاليا وموغلا بشكل كبير، إلى المخاطر الثلاثة التي تهدد الكائنات البحرية، وهي التلوث البيئي وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، حيث تتأثر بالنفايات البحرية، وتغيّر درجة الهواء ومياه البحر، وهي نوع يواجه خطر الانقراض.

ويعتبر البحر الأبيض المتوسط من البحار المغلقة تقريباً، إذ لا يتصل مع غيره من البحار والمحيطات إلا من خلال ممرات ضيقة، ويعاني من معدلات تبخر مرتفعة تعادل ثلاثة أضعاف الوارد المائي له من الأمطار ومصبات الأنهار، لذلك فهو أكثر تأثراً بالتلوث البيئي وخصوصاً التلوث الناتج عن تسرب النفط والتلوث البلاستيكي.

التلوث النفطي.. حوادث تهدد البيئة والإنسان

تتعرض البحار والمحيطات لأنواع كثيرة من الملوثات، مثل القمامة والمنتجات النفطية والمواد الكيميائية ومياه الصرف الصحي القادمة من المنازل ومخلفات المصانع والموانئ المحاذية للسواحل.

ويمكن إرجاع معظم تلوث البحار إلى تصرفات البشر، فالتلوث النفطي ظاهرة حديثة لم يعرفها الإنسان إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، بعد عمليات استخراج النفط في البحار، ونقله بسفن عملاقة عبر القارات.

ويشكّل التلوث النفطي خطراً كبيراً يهدد المدن الساحلية، إذ يقضي على الأسماك التي تشكل غذاءً رئيسياً للسكان فيها، ومورداً اقتصادياً هاماً لهم، عدا عن تلوث الأعشاب والعوالق التي تشكّل غذاءً للأسماك، وتصل عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان مسببة له أمراضاً خطيرة. إضافة إلى ذلك يتسبب التلوث النفطي بتخريب الشواطئ وتضرر السياحة وتوقف عمليات الصيد البحري.

وتأتي معظم الملوثات النفطية من الحوادث البحرية التي ينتج عنها تسرب كميات هائلة من النفط ومشتقاته، ونذكر على سبيل المثال حادثة التسرب النفطي في خليج المكسيك عام 2010، حيث أدى انفجار وغرق منصة "ديب ووتر هورايزون" البحرية للتنقيب عن النفط، إلى تسرب أكثر من 4.5 مليون برميل من النفط، في كارثة بيئية اعتُبرت الأكبر والأسوأ في العالم عبر العصور، سواء من حيث تأثيرها على الكائنات البحرية أو تأثيرها على صحة الإنسان.

التلوث البلاستيكي نقمة العصر

يحيط بنا البلاستيك من كل مكان، حيث أصبحت المنتجات البلاستيكية جزءاً أساسياً من حياتنا، منذ اعتمادها على نطاق واسع في الخمسينات، وبات من الصعب اليوم تصوّر الحياة من دونها.

لكن معظم هذه المنتجات لا تعمّر كثيراً، ولا يعاد تدوير سوى 9% فقط من البلاستيك، والباقي يجد طريقه إلى مكبات النفايات والمسطحات المائية والأنهار والبحار، كما يتفتت إلى أجزاء متناهية الصغر تنتشر في كل مكان على كوكب الأرض، ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن نحو 13 مليون طن سنوياً من البلاستيك تُلقى في المحيطات.

ولسوء الحظ، لا يزال العديد من الأشخاص وحتى الشركات يتعاملون مع البحار على أنها مكبات للنفايات، وتُسهِم القمامة التي تُترك على الشواطئ أو تُلقى في البحر في العديد من المشكلات البيئية التي تهدد الحياة البحرية والإنسان.

وتعتبر الطيور البحرية، والسلاحف والأسماك الأكثر تضرراً، حيث تتناول هذه الكائنات الحطام البلاستيكي عن طريق الصدفة، أو تخلط بينها وبين غذائها، ما يعني تراكم النفايات في أجسامها، وبالتالي تموت نتيجة التسمم بها أو بسبب نقص الغذاء الناتج عن نقص الحيز المتاح للطعام في بطونها.

يمكن أن تتسبب بعض القطع البلاستيكية بخنق الكائنات البحرية، أو إعاقة حركتها وخصوصاً الطيور البحرية، إذ تصبح فرائس سهلة للكائنات الأخرى أو تموت نتيجة عدم إمكانية حصولها على الغذاء.

إلا أن الخطر الأكبر من النفايات البلاستيكية يتمثل بوصول هذه الملوثات إلى جسم الإنسان، من خلال اللدائن الدقيقة (المايكرو بلاستيك) الناتجة عن تفتت البلاستيك إلى جزيئات مجهرية، ودخولها إلى خلايا الأسماك الصغيرة، ووصولها عبر السلسلة الغذائية إلى جسم الإنسان، وقد تسبب أمراضاً كالسرطانات واضطرابات في النمو.

وأكد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة صدر في أكتوبر/تشرين الأول الفائت، قبل أيام من مؤتمر غلاسكو للمناخ، على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عالمية عاجلة تجاه التلوث البلاستيكي، وأشار التقرير المعنون "تقييم عالمي للقمامة البحرية والتلوث البلاستيكي" إلى تغلغل التلوث البلاستيكي في النظم البيئية المائية بشكل كبير، ومن المتوقع أن يتضاعف التلوث المرتبط به بحلول عام 2030، مما سيؤدي بلا شك إلى عواقب وخيمة على صحة الإنسان والاقتصاد العالمي والتنوع البيولوجي والمناخ.

ويؤكد التقرير أن 85% من القمامة البحرية من البلاستيك. ويحذر التقرير من أنه بحلول عام 2040، ستتضاعف كمية النفايات البلاستيكية التي تتدفق إلى المحيط ثلاث مرات تقريباً.

جهود تركيّة

تتسلم تركيا خلال المؤتمر الأخير مهمة رئيس مكتب أمانة "اتفاقية برشلونة" لحماية البيئة البحرية، من إيطاليا لمدة عامين، ويقع على عاتقها متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية وبروتوكولاتها، ومنع التلوث البحري على شواطئها المتوسطية، وحماية الأنواع البحرية.

وأثمرت الجهود التركية على مدى السنوات الماضية في تقليل النفايات البلاستيكية في عموم البلاد، وبالتالي تقليل وصول الملوثات إلى الشواطئ والبحار، إذ تبنّت اقتصاداً دائرياً في إطار مشروع "صفر نفايات" الذي انطلق عام 2017، الذي يقوم على إعادة تدوير النفايات وتقليلها من المصدر، كما أطلقت تركيا عام 2019 مشروع "صفر نفايات زرقاء" لحماية البحار وموارد المياه. وتعيد تركيا تدوير 1.1 مليون طن من نفايات البلاستيك سنوياً، وهو ما يعني تعويض حاجة البلاد عن استيراد ما قيمته مليار دولار من المواد الخام البلاستيكية، وتقليل النفايات البلاستيكية، وتحقيق معدل تدوير 22.4 في المائة.

وشهد العام 2019 حظر تداول الأكياس البلاستيكية المجانية في جميع أنحاء البلاد؛ ما أدى لانخفاض استخدامها بنسبة 75 في المائة، وبالتالي منع 290 ألف طن من تراكم النفايات البلاستيكية.

ضوء في نهاية النفق

لقد تدهورت العلاقة بين الإنسان والبيئة في الآونة الأخيرة، وجاءت معظم المشكلات البيئية نتيجة استنزاف موارد الطبيعة، والاستغلال الجائر والخاطئ لها، واعتماد أسلوب حياة يقوم على الاستهلاك غير المسؤول ورغم أنه من المفترض أن يساهم التقدم العلمي الكبير والثورة الصناعية وثورة المعلومات والاتصالات في حل هذه الأزمات البيئية، فإن التطور العلمي والصناعي فاقم هذه المشكلات وحولها إلى كوارث ذات آثار واضحة للعيان. لكن من زاوية أكثر إشراقاً، لا تزال الفرصة أمامنا ليشارك الجميع في وقف الكارثة، من خلال تبني ممارسات صحيحة وقيم بيئية يتم نشرها بكل الوسائل الممكنة، وغرسها في الأجيال الجديدة، تركّز على تقليل الاستهلاك وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير، هذه الركائز الثلاثة قد تنقذ مستقبل البشرية على الأرض.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي