تابعنا
جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه على المباشرة بخطوة ضم أجزاء كبير من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية وبتنسيق مع واشنطن الأمر الذي يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي والشرعية الدولية.

يعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو "النكبة"، لحظة فارقة في التاريخ الحديث، كونها أبرز تجليات فرض المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية برمتها.

إذ إن المرحلة العملية التطبيقية لذلك المشروع، ورغم كونها نتيجة لعمل طويل ومعقد، فإنها تحظى بأهمية كبيرة، كونها تتمخض عن "منتصر ومهزوم" وتحفر صورها في أذهان الشعوب.

لا يختلف الحال كثيراً هذه الأيام، إذ إن "صفقة القرن" وقرارات "الضمّ"، التي قامت على أساسها حكومة الاحتلال بعد تعثر استمر سنة ونصفاً، تشكل لحظة تاريخية فارقة أيضاً، رغم غياب تلك "الصدمة" في ردود الفعل.

والحقيقة أننا أمام لحظة تنتمي إلى عصر النكبة الأولى، حيث يتم تصفية القضية الفلسطينية عمليا بتغيير هوية الأرض وطرد الإنسان منها، ولكننا في الوقت ذاته لا نلمس أزمة عند الفلسطينيين، أو عند كثيرين منهم، حول وضوح مخططات العدو.

فالفضاء الفلسطيني اليوم يكاد يغرق بالدراسات والتقارير المدعمة بالأشكال الشارحة (الإنفوغرافيكس) لما سيطرت عليه دولة الاحتلال وما ستسيطر عليه قريباً، الأمر الذي يكاد يُشعِر المتابع أن الأزمة تتعلق بمعرفة كم من المساحة سيسيطر عليها نتنياهو، وكيف ستبدو خارطة الضفة الغربية قبل وبعد، وهو مجال تنشط فيه السلطة ودوائرها بشكل كثيف.

نقف اليوم أمام ما يمكن وصفه بالنكبة الفلسطينية المعاصرة، وهي نكبة لا تتعلق بدولة الاحتلال الصهيوني وعدوانها فقط، بل هي نكبة ذاتية تتجسد بسلطة الحكم الذاتي التي أنتجها اتفاق أوسلو. فقد تحولت سلطة أوسلو عبر السنوات الماضية إلى ثقب أسود يبتلع الحالة الفلسطينية برمتها. وفقد الفلسطينيون خلال ذلك، أو يكادون، أهم منجزاتهم الوطنية والنضالية وحتى المعنوية كالروح الثورية التي أسست لها منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل الثورة الفلسطينية التي بات أغلبها يتمتع بصفة الرهينة عند سلطة أوسلو ورموزها.

وغدت سلطة رام الله، وهي بأحسن الأحوال سلطة حكم الذاتي، تتصرف من منطلق كونها القيادة السياسية الحصرية للفلسطينيين، وعلى سقفها تُنسج المواقف، وعلى اجتماعاتها الدرامية تُعقد الآمال وتدور النقاشات السياسية.

ورغم الفشل المطلق، الذي لا تخطئه عين، للمشروع السياسي الذي أتى بسلطة أوسلو، فإنها تمتلك القدرة الإبداعية على استحداث أطوار وظيفية تمدد صلاحيتها، وتضعها في موقع مركزي في المشهد الفلسطيني.

إلا أن هذه الأدوار الوظيفية مرتبطة بالاحتلال وسياساته ارتباطاً وثيقاً. فمشاريع بناء مؤسسات الدولة الموعودة، وتوسيع حجم الجهاز الإداري، وتصميم جيش من الموظفين وآخر من الأجهزة الأمنية، وربط كل مفاصل الحياة في الضفة الغربية بسلطة مركزية يتحكم بها طرف سياسي واحد، وتجريف كل مظاهر الاستقلالية المجتمعية عند الفلسطينيين، يرمي إلى جعل مصير عدد كبير منهم مرتبطاً بأوسلو وإفرازاتها، وهو المدخل الذي بات أشبه بالمسلَّمة الجدلية التي لا يجوز الاقتراب منها عند الحديث عن جدوى وجود السلطة، أو في حال طرح فكرة التخلص منها.

والأمر يبدو جليّاً لدى الحديث عن ملفات المصالحة الوطنية، وإصرار رموز السلطة على حصر النقاش حول الملفات المرتبطة بالسلطة كالأمن والموظفين والانتخابات وغيرها.

وفي ظلّ وصول مشروع السلطة السياسي إلى نهايته، يبدو أنها تأمل في فرصة أخرى لإدامة دورها الوظيفي، وذلك عبر دخول دوامة مشاريع سياسية جديدة، والخاصية الأبرز في ما يطرحه بعض رموز السلطة والطبقة الجديدة من خبراء مراكز الدراسات أنها لا تستهدف وجود المشروع الصهيوني، بل تتعامل معه كحقيقة غير قابلة للتغيير.

ويمكن إدراج كل ما يُطرح في هذا الصدد تحت بند حل الدولة الواحدة، إذ بدأت منذ وقت رموز السلطة ودوائرها من الباحثين والكتاب وغيرهم زيادة وتيرة عزفهم على خيار الدولة الواحدة والتأسيس لصورة نضال جديد تحت عناوين المحافظة على الوجود، والمعادلة الديموغرافية، واستحضار نماذج النضال ضد نظام الأبارتايد ومواجهة العنصرية.

ويمكن في هذا الإطار رصد عشرات من ورش العمل والندوات التي عُقدت خلال الأشهر الماضية، لمناقشة مشاريع الدولة الواحدة والتنظير لها، فضلاً عن الكمّ الهائل من المقالات والدراسات في ذات السياق الترويجي.

من المفترض أن ما يحصل اليوم يعجّل بنهاية السلطة ومشاريعها، لا إعادة إنتاجها، ومن يعتبر سقفه السياسي أو النضالي التسليم بوجود المشروع الصهيوني لا يمكن أن يقود مشروع تحرر وطني يعيد للفلسطينيين حقوقهم الكاملة.

وقد أحسنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي حينما قررتا عدم المشاركة في الاجتماع المسمى "القيادة الفلسطينية" الذي دعت إليه السلطة في رام الله لمناقشة سبل الرد على قرارات الضم الأخيرة، فاستدراج الحركتين للمشاركة في هذه الصورة البائسة من الاجتماعات الكرنفالية للسلطة الفلسطينية هو إحدى محاولات تطوير الدور الوظيفي لها وبعث الحياة فيه.

إلا أن خطوة رفض المشاركة في الاجتماع المزمع عقده قريباً يمكن البناء عليها وتحويلها إلى عنوان لمرحلة نضالية جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني ضد "نكبته الجديدة" عبر تجاوز السلطة ومؤسساتها وإفراغها من مضمونها السياسي وبناء مؤسسات سياسية ونضالية جديدة تعبر عن الشعب الفلسطيني بشكل حقيقي.

إن الدور المنوط بالحركات المركزية في الحالة الفلسطينية والتيارات الرافضة لنهج السلطة يتمثل في انتزاع زمام المبادرة دون تأخير، لتفويت الفرصة على رموز السلطة ودوائرها من إدخال الشعب الفلسطيني مرة أخرى في ملهاة حلول واهمة كحل الدولة الواحدة.

فالحاجة باتت ملحة إلى استراتيجية فلسطينية شاملة يكون أحد أهم جوانبها تعزيز استقلالية الفلسطينيين في الضفة الغربية عن سلطة أوسلو والاحتلال، الذي يجب أن يواجه نتائج سياساته دون أن تقوم سلطة أوسلو بامتصاص الأزمات وإدارتها.

وفي حال نجحت هذه المساعي، فمن المتوقع أن تقلّ فرص سلطة أسلو في لعب أدوار قيادية وسياسية تكشف عن حقيقة دورها، وأن تأخذ طوراً جديداً أكثر تعبيراً عنها بأن تتحول إلى مليشيات أمنية وشرطية يقودها مجموعة من الضباط الذين تخرجوا في الدورات الأمنية الأمريكية والمدعومين من الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم قتامة المشهد وما يلحقه من ضرر على الصورة النضالية الفلسطينية، فإننا بحاجة إلى مثل هذه الخطوة حتى يسدل الستار على كيان سلطة أوسلو وإنهاء سطوتها السياسية على المشروع الوطني الفلسطيني.

فالتجربة تؤكد أن الرهان على وعي الشعب الفلسطيني، ووضوح البوصلة لديه، رهان جدي يستحق الاعتماد عليه، والفلسطينيون وقفوا صامدين أمام المشروع الصهيوني وحالوا دون تمدده على الدوام، واستطاعوا أن يكسبوا جولات ضدّ دولة الاحتلال عبر تاريخ نضالهم الممتد كما فعلوا في الانتفاضتين الأولى والثانية وفي النموذج الذي قدمه قطاع غزة.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.


الأراضي الفلسطينية حسب صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس ترمب في وقت سابق (TRT Arabi)
الأراضي الفلسطينية حسب صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس ترمب في وقت سابق (TRT Arabi)
الأراضي الفلسطينية حسب صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس ترمب في وقت سابق (TRT Arabi)
الأراضي الفلسطينية حسب صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس ترمب في وقت سابق (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً