تابعنا
انحرفت المهمة العسكرية للتحالف السعودي الإماراتي إلى حد بات حربه في اليمن غير عادلة بل وعدوانية، في ظل سلسلة كوارث نتجت عن هذا التدخل وبروز أجندات خاصة لهذا التحالف، وارتكازه على ميلشيات تقاتل بالوكالة وتوجه أسلحتها نحو السلطة الشرعية.

لم يسبق أن ظهر التحالف السعودي الإماراتي العسكري في اليمن بهذا القدر من الوضوح فيما يخص الأجندة الحقيقية لتدخله العسكري الذي يزيد عن خمسة أعوام والذي بات يستهدف الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية وسيادتها ووحدتها الترابية كأولوية تتقدم عما سواها من الأولويات بما في ذلك ما تدعيه السعودية من مخاطر قد يشكلها النموذج المشابه لحزب الله في حدها الجنوبي ممثلاً في الحوثيين.

لقد انحرفت المهمة العسكرية للتحالف السعودي الإماراتي إلى حد بات حربه في اليمن غير عادلة بل وعدوانية، في ظل سلسلة الكوارث التي نتجت عن هذا التدخل وبروز الأجندات الخاصة لهذا التحالف، وارتكازه في مهمته الحربية على ميلشيات تقاتل بالوكالة وتوجه أسلحتها نحو السلطة الشرعية.

لقد انحرفت المهمة العسكرية للتحالف السعودي الإماراتي إلى حد بات حربه في اليمن غير عادلة بل وعدوانية، في ظل سلسلة الكوارث التي نتجت عن هذا التدخل

فالانقلاب على السلطة الشرعية في محافظة أرخبيل سقطرى المشاطئة للمحيط الهندي، كان كاشفاً لأنه وقع في أعالي البحار، في موقع يبعد أكثر من ألف ميل عن أقرب نقطة اشتباك عسكرية في البر اليمني، وأثبت أن السعودية لا ترغب بأي نفوذ للسلطة الشرعية حتى لو كانت هذه السلطة بهذا المستوى من الضعف وبهذا المستوى من الارتهان الذي جعلها في مرمى اتهامات معظم اليمنيين لها بالخيانة لقسمها الدستوري.

وما يجدر الإشارة إليه هنا هو أن المجلس الانتقالي والقوات التابعة له اللذين تصدرا مشهد الانقلاب الأحدث على الشرعية اليمنية، لم يكونا موجودين أصلاً قبل أن تدخل القوات السعودية إلى سقطرى في ربيع العام 2018، عندما تراجعت الإمارات خطوات إلى الأمام بعد التصعيد السياسي من جانب الحكومة اليمنية في الأمم المتحدة.

فمنذ ذلك الفترة تبنت قوة الواجب السعودية نهجاً مشابها لما كانت الإمارات قد قامت به، حيث أنشأت شبكة اتصال خلوية خاصة بها، واحتكرت السيطرة العسكرية على الأرخبيل، وشرعت على الفور في تفكيك القوة العسكرية الضاربة للسلطة الشرعية ممثلة في اللواء الأول مشاة بحري.

سلسلة من التمردات التي جرت على مستوى كتائب اللواء ساهمت في الاستحواذ على جزء كبير من الأسلحة الثقيلة للواء بما فيها الدبابات والمدرعات، والذخائر، ولم تكتف بذلك بل سمحت للإمارات بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة والمقاتلين، مما رجح كفت المتمردين داخل المعسكر لينتهي الأمر بتمرده بشكل كامل على السلطة الشرعية.

وأمام أعين قوة الواجب السعودية تواصلت أعمال التخريب والاقتحامات والهجمات المسلحة على مرافق الدولة وعلى قيادة السلطة المحلية، وبدلاً من إنهاء هذه الاعتداءات قامت هذه القوة بإزاحة القوات التي بقيت موالية للسلطة الشرعية من النقاط الحاكمة عند المدخل الغربي لمدينة حديبو عاصمة المحافظة.

وتكمن أهمية هذه النقاط أنها تصل مدينة حديبو بمواقع استراتيجية مثل المطار الدولي ومقر المعسكر في منطقة موري غرب المدينة. ورغم تعهد السعوديين بحراسة مدخل المدينة، فإنها تخلت عن هذه المسؤولية حينما حانت ساعة الصفر فقد انسحبت هذه القوة وأفسحت المجال للمسلحين الانفصاليين للتقدم باتجاه مدينة حديبو، وكانوا يقصفون أحياء المدينة من مواقع قريبة جديدة بل لصيقة مع مواقع القوة السعودية.

دخل الانفصاليون حديبو وسيطروا على المنشآت والمرافق الحكومية، وحضر العلم الإماراتي بقوة واختفى العلم السعودي، ليبدو الأمر مجدداً على انه جولة من صراع اعتاد عليها اليمنيون بين مجاميع مسلحة تطالب بالانفصال وقوات حكومية تدافع عن السلطة الشرعية، حيث تحسم الجولة في الغالب لصالح المتمردين الذين لا يخفون ولاءهم للإمارات.

السعودية ولأنها لم تجد سبباً واضحاً يبرر تواطؤها ودعمها لانقلاب سقطرى، سارعت غداة الانقلاب إلى تسريب تصريح عبر جريدة الشرق الأوسط المملوكة لعائلة العاهل السعودي الملك سلمان، أوضحت فيه أنه تم العثور على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة في سقطرى، وأن الصراع ربما دار حول السيطرة على هذه الأسلحة.

المجلس الانتقالي والقوات التابعة له اللذين تصدرا مشهد الانقلاب الأحدث على الشرعية اليمنية، لم يكونا موجودين أصلاً قبل أن تدخل القوات السعودية إلى سقطرى

رسخ الانقلاب المدعوم سعوديا في سقطرى في ذاكرة اليمنيين الخلفيات الكاملة للمكاسب الانقلابية التي حازها المجلس الانتقالي في العاصمة المؤقتة عدن، والمحافظات المجاورة في أغسطس/ آب من العام الماضي 2019، باعتبارها حصيلة دعم كامل ومشترك من جانب الرياض وأبوظبي لهذا المجلس وللقوات التابعة له، والتي أنشأتها الإمارات، وواصلت السعودية دفع رواتبها بالريال السعودي طيلة السنوات الماضية، ووزعت المناصب القيادية الرئيسية في تلك التشكيلات العسكرية لسلفيين يتبعون المذهب الوهابي المتطرف، ويخضعون أمنياً للمخابرات السعودية.

ترافقت سلسلة النشاطات العدائية التخريبية التي أفضت إلى إنهاء سيطرة الشرعية على محافظة أرخبيل سقطرى مع حملة إعلامية تحريضية في وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية، ضد من تسميهم الإخوان المسلمين الذين يوصمون بالإرهاب، وتكريس صورة تركيا وقطر باعتبارهما البلدان اللذان يعيقان تنفيذ اتفاق الرياض، ويتحينا الفرصة للانقضاض على أرخبيل سقطرى.

وفي حين أمكن للسعودية والإمارات تجاوز حالة الفرز السياسي لسكان سقطرى وتبني سياسة مهادنة تشير إلى انتفاء الحاجة إلى المزيد من التحريض، فإنهما مستمران في الادعاء بأن الانقلاب في سقطرى كان قد أنهى نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في جزيرة سقطرى ومعه انتهت "محاولات تركيا تحويل الجزيرة إلى بوابة للتدخل في الملف اليمني" كما جاء في تقرير لصحيفة العرب الممولة من الإمارات والتي تصدر من لندن.

استدعاء الدور التركي بهذا القدر من الصفاقة إلى الساحة اليمنية التي تهيمن عليها السعودية والإمارات، يعكس السلوك المراهق للطبقة المتحكمة في هذين البلدين ومحاولة لتسويق أعداء جدد لتبرير الانحراف الخطير لدورها في الساحة اليمنية والذي بات محل استهجان في أوساط قطاع واسع من المهتمين بالشأن العام في البلدين.

تواجه الامارات معطيات جيوسياسية وديمغرافية ثابتة، فهذا الأرخبيل كُتبت سيرته التاريخية بأقلام يمنية خالصة وعكست تضحيات أبنائه في وجه الطامعين مدى التصاقه بالجغرافية اليمنية. فهو يعد أكثر من مائة ألف نسمة من السكان يتحدثون لغة يمنية مشتقة من الحميرية القديمة بما لا يتسع لأي ادعاءات بحقوق مكتسبة في هذا الأرخبيل من أي طرف كان.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي. 

أحد عناصر القوات السعودية العاملة في اليمن  (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً