تابعنا
يرتكب أحدث تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول حالة الإرهاب لعام 2022 نفس الخطأ القديم المتمثل في غضّ النظر عن الأنشطة الإرهابية لوحدات PYD/PKK وتنظيم كولن الإرهابيين، على الرغم من انتهاكاتهما للقوانين الإنسانية الدولية.

يرتكب أحدث تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول حالة الإرهاب لعام 2022 نفس الخطأ القديم المتمثل في غضّ النظر عن الأنشطة الإرهابية لوحدات PYD/PKK وتنظيم كولن الإرهابيين، على الرغم من انتهاكاتهما للقوانين الإنسانية الدولية.

يُعتبر التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول حالة الإرهاب عام 2021 تلخيصاً مثالياً للعلاقة الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من الأساس الراسخ على ما يبدو والتاريخ الطويل للتحالف بين تركيا والولايات المتحدة، فقد فشلت واشنطن مراراً وتكراراً في النظر إلى قضايا أنقرة ومتطلباتها الأمنية بعين محايدة.

يمكن إجمال القائمة الطويلة من الخلافات والتوترات بين أنقرة وواشنطن في نقطة أساسية واحدة: إهمال واشنطن لأمن أنقرة القومي ومصالحها الحيوية. وعلى الرغم من النقاط المتعددة التي أثارت غضب أنقرة في التقرير، فإنه يبعث برسالة واحدة صريحة: الولايات المتحدة تحافظ على سياستها القائمة منذ فترة طويلة المتمثلة بالتجاهل تجاه تركيا.

لطالما كانت أنقرة هدفاً لمجموعة متنوعة من الجماعات الإرهابية، بما في ذلك داعش، وتنظيم PYD/PKK، وتنظيم كولن الإرهابي الذي تعد عملياته المميتة ضدّ تركيا واضحة بشكل جليّ للعيان من قبيل محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، بجانب عديد من تفجيرات داعش وتنظيم PYD/PKK الإرهابي في مدن تركية عديدة. ومع ذلك، لم تعرب واشنطن بعد عن قلقها حيال هذه الهجمات لأنقرة.

كما يتضح من لهجة التقرير وصياغته، اختارت واشنطن الاستخفاف بعمليات تركيا لمكافحة الإرهاب، وهو استخفاف يساعد بشكل غير مباشر التنظيمات الإرهابية التي تعارضها تركيا من خلال منح نوع من "المصداقية" لدعايتها. ورغم أن توقعات تركيا من واشنطن ليست كبيرة، فإن مجرد حفاظ الأخيرة على حيادها بين الجماعات الإرهابية وحليفتها في الناتو يبدو كأنه "خدمة" كبيرة تطلبها تركيا من أمريكا. لكن لم يسع واشنطن إلا أن تستمر في تشويه سمعة تركيا على غرار الدعاية التي تنفذها الجماعات الإرهابية.

يعيد التقرير تأكيد "مكانة" وحدات PYD/PKK باعتبارها "الشريك الأساسي لواشنطن في مكافحة الإرهاب" ضد داعش تحت ستار ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). قد تكون هذه هي القضية الأكثر إثارة للجدل بين أنقرة وواشنطن. وهذا يُعَدّ تكراراً لتجاهل واشنطن تحذيرات أنقرة واحتجاجاتها المتكررة ضد الشراكة مع تنظيم إرهابي من أجل "هزيمة" أخرى.

لقد ساهمت واشنطن في تعزيز قدرات PYD/PKK الإرهابي العسكرية، التي تُستخدم لتقويض الأمن القومي التركي. جاء هذا الدعم العسكري على الرغم من حقيقة أن PYD/PKK يشكّل تهديداً وجوديّاً لتركيا، كما يتضح من هجماته الإرهابية التي لا تُحصَى على كامل المناطق الحدودية والمدن الكبرى في تركيا.

إن التزام واشنطن شراكتها مع PYD/PKK الإرهابي قوي لدرجة أنه حتى "دبلوماسية الزلزال" بين أنقرة وواشنطن لم تستطِع الحدّ منها. فعلى الرغم من المساعدات الإنسانية السخية إلى حد ما التي قدمتها واشنطن لتركيا المنكوبة بالزلزال، ورسائل الوزير بلينكن المتعاطفة خلال زيارته، فإن الأخير لم يمتنع عن إعادة تأكيد التزام واشنطن شراكتها مع PYD/PKK في مؤتمره الصحفي مع نظيره التركي مولود جاوش أوغلو. لقد وضع بلينكن حدّاً فاصلاً بين تضامن بلاده مع تركيا بعد الزلزال، وسياسة حكومته طويلة المدى المتمثلة في دعمها وحدات PYD/PKK الإرهابية.

في واشنطن، يتجاهل واضعو سياسة "الشراكة مع وحدات PYD/PKK" الموجودة في سوريا حقيقة أن PYD/PKK يشكّل تهديداً وجوديّاً لأمن الدولة التركية وشعبها بسبب أهدافه الانفصالية. من خلال تجاهل هذا القلق، تعمل واشنطن على تفاقم صورتها "العدائية" في أعين المواطنين الأتراك، الأمر الذي سيؤثّر في آراءهم دائماً في ما يتعلق بالقرارات السياسية ومسار عمل الحكومات الحالية والمستقبلية. من الصعب تصديق أنه في ظلّ رؤية طويلة الأمد في واشنطن لمستقبل مشترك مع أنقرة، أن تعمل الولايات المتحدة بتهوُّر على تدمير خياراتها من خلال مثل هذه السياسات والأفعال.

كان تجاهل أمريكا مخاوف تركيا بشأن تنظيم كولن الإرهابي الذي خطّط أعضاؤه لمحاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 في تركيا التي أسفرت عن مقتل 252 مدنياً، سبباً رئيسيّاً للتوتر وانعدام الثقة بين أنقرة وواشنطن. لم تتجاهل واشنطن الدليل الذي قدّمَته أنقرة حول علاقة المنظمة بمحاولة الانقلاب وحسب، بل بقي زعيم التنظيم الإرهابي فتح الله كولن، مقيماً على الأراضي الأمريكية. كما تستمرّ الولايات المتحدة في إيواء عديد من الهاربين من أعضاء التنظيم رفيعي المستوى على أراضيها على الرغم من طلبات التسليم التي تقدمت بها أنقرة مراراً.

وكأن هذا الموقف غير الودي المذكور لم يكُن كافياً، فقد وصفت وزارة الخارجية في تقريرها جهود أنقرة ضدّ تنظيم كولن الإرهابي بأنها "ذات دوافع سياسية"، وهو ما يرقى إلى مستوى عملية تبييض للمنظمة وجرائمها. ولكن رغم وجود مجموعة هائلة من الأدلة، ارتأت واشنطن أن تنظر في الاتجاه الآخر، بل وتتخذ موقفاً سياسياً متعمداً من خلال التعبير عن حجج تنظيم كولن ضد الحكومة التركية.

إن تقرير حالة الإرهاب الصادر عن وزارة الخارجية ليس فقط وثيقة عدائية تحمل تحيُّزاً سياسيّاً واضحاً، بل هو أيضاً وثيقة ذات معايير متدنِّية من حيث الدقة، فبعض أجزاء التقرير مبنيّ على مصادر إعلامية غير مؤكدة. ووفقاً لأوجه التشابه الواضحة بين هذه التقارير الإعلامية ونقاط ذُكرت سابقاً لدى التنظيمات الإرهابية نفسها، يبدو أن هذه التقارير الإعلامية قد قدّمها في الغالب متعاطفون مع التنظيمات الإرهابية.

على سبيل المثال، استخدم التنظيم الإرهابي في كثير من الأحيان أسلوب مشاركة الصور التي تعكس حزن المدنيين وآلامهم من مناطق النزاع الأخرى، ونسبتها زوراً إلى مناطق العمليات العسكرية التركية. مع ذلك فضحَت التنظيمات الإعلامية الموثوقة هذه المعلومات المضللة مراراً وتكراراً. ورغم ذلك يعمل عديد من المؤسسات الإعلامية الغربية ومراسليها على تضخيم حملات التضليل التي يمارسها PKK/PYD من خلال التقارير الإخبارية والمنشورات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

تثبت حقيقة أن الحجج والدعاية الزائفة للتنظيمات الإرهابية تلهم الوثائق السياسية الرسمية لواشنطن وحتى سياساتها الطبيعة المعيبة جدّاً لموقف واشنطن تجاه أنقرة.

في الواقع، ليست الوثائق والبيانات هي السمات المميزة الوحيدة لنهج واشنطن غير المسؤول تجاه التنظيمات الإرهابية.

فالإستراتيجية تقوم أيضاً على سياسات معيبة للغاية مدعومة بالقوانين. فقد أثارت الزيارة الأخيرة لشمال شرق سوريا التي أجراها رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي وتأكيده التزام واشنطن دعم PYD شريكاً أساسياً لها ضدّ داعش، غضب أنقرة. على أثرها استُدعيَ جيف فليك، سفير الولايات المتحدة في تركيا، إلى وزارة الخارجية التركية من أجل تقديم إيضاحات حول الموضوع.

وبالمثل، أثارت حادثة غامضة لتحطُّم مروحية مؤخراً في دهوك شماليّ العراق مزيدً من الأسئلة حول علاقة واشنطن غير الشرعية بوحدات PYD/PKK. ووفقاً لحكومة إقليم كردستان (KRG)، لقي عدد من إرهابيي PKK حتفهم في الحادثة، الأمر الذي يطرح السؤال التالي: هل تسمح القيادة المركزية الأمريكية لإرهابيي PKK بتشغيل طائرات هليكوبتر كجزء من عمليات التدريب وبناء القدرات ضدّ داعش؟

من جانبها نفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تقديم تدريب على قيادة الطائرة لقوات "سوريا الديمقراطية"، التي يهيمن عليها عناصر PYD/PKK، لكن هذا لا يفسر وجود مقاتلي PKK على متن طائرة هليكوبتر غير مصرَّح بها في شمالي العراق. مع ذلك، ولو لم يقُد عناصر PKK المروحية شخصياً، فإن السيناريو البديل هو لجندي أمريكي يقود المروحية لصالح PKK، وهو سيناريو لن يكون أقل إثارة للقلق من سابقه.

تسببت القدرات العسكرية الإضافية التي قدمتها الولايات المتحدة لـPYD/PKK في شمال سوريا على مدى سنوات عديدة بالفعل في إثارة قلق تركيا. إن وجود إرهابيي PKK على متن طائرة من أجل "مهمة '' غير مبررة يدلّ على تَقدُّم كبير وقفزة في القدرة التنظيمية للتنظيم الإرهابي، وهو أمر لا يمكن لأنقرة التسامح معه.

تقدم هذه الإجراءات على الأرض إشارات غامضة حول نية واشنطن تجاه وحدات PYD/PKK. في النهاية، قد يتحول ارتباط واشنطن بالتنظيم الإرهابي إلى علاقة استراتيجية طويلة الأمد، وليست مجرد علاقة تكتيكية تقتصر على مهمة "مكافحة داعش". بلا تفسيرات مرضية لتحطُّم المروحية، لا يمكن الاحتفاظ بثقة طويلة الأمد بين أنقرة وواشنطن.

إن تقرير وزارة الخارجية عن حالة الإرهاب، وزيارة الجنرال الأمريكي الكبير لسوريا، وتَحطُّم مروحية غامضة، تُعَدّ كلها مؤشرات على نهج واشنطن الخاطئ، وبالتالي فإن تحسين العلاقات الثنائية مع تركيا لا يُعتبر أمراً وشيكاً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً