تابعنا
بينما تنشغل دول العالم بما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الأمريكية التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، تستعدّ السعودية لتنظيم قمّة مجموعة العشرين، عبر الفيديو، 21-22 من الشهر الجاري،

بينما تنشغل دول العالم بما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الأمريكية التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، تستعدّ السعودية لتنظيم قمّة مجموعة العشرين، عبر الفيديو، 21-22 من الشهر الجاري، إذ تقوم الرياض بتسريع خطوات التغيير الداخلي "الشكلي" في البلاد، بالتوازي مع تكثيف نشاطها الدبلوماسي الخارجي، لكي تعيد رسم صورتها دولياً وإقليمياً، بوصفها "قوةً إصلاحية موثوقة، وسط محيط مضطرب".

نظرياً، يصعب نفي أن انعقاد قمة العشرين عبر الفيديو، يتيح فرصةً سياسية وإعلامية للسعودية، كي تقدّم وليّ عهدها محمد بن سلمان، بوصفه "رجل دولة" قادراً على المساهمة بفاعلية، في حل المشكلات العالمية كافة، خصوصاً التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.

بيد أن أربعة تحدياتٍ قد تعوق تحقيق أهداف الرياض السياسية من تنظيم هذه القمّة، أولها الانعكاسات المحتملة للانتخابات الأمريكية على علاقات واشنطن بالرياض، التي قد تخضع لعملية "إعادة تعريف" جادّة، في حال فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن.

ودون استباقٍ لنتائج انتخابات الولايات المتأرجحة، وتصاعد التشكيك والجدل حول تأخُّر فرز الأصوات التي أدلى بها الناخبون عبر البريد، بسبب جائحة كورونا، واحتمال حسم الأمر بالذهاب إلى المحكمة الفيدرالية العليا، يمكن القول إن مكانة السعودية وقيمتها الاستراتيجية ونفوذها في أمريكا، تتراجع باطّراد ملحوظ، بحيث يمكن التنبؤ بابتعاد واشنطن عنها تدريجياً، في مقابل تقاربها مع طهران وأنقرة، على نحو قد يؤكد صحة رأي الأكاديمي الأمريكي ستيفن كنزر في كتابه "العودة إلى الصفر: إيران وتركيا ومستقبل أمريكا"، إذ اقترح على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أن تعيد واشنطن بناء شراكاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط في ظل حقيقتين: تراجع الوزن الإقليمي للسعودية، وقدرة إيران وتركيا على لعب دور حليفيْن يساعدان على بلوغ هدف استقرار الشرق الأوسط، بما يتقاطع مع مصالح واشنطن.

أمّا في حال نجح الرئيس دونالد ترامب في الاحتفاظ بمنصبه، فإن ثمة احتمالاً قوياً أن تزيد قدرته على التحكّم في مجمل سياسات السعودية الداخلية والخارجية، فضلاً عن توظيف قدراتها المالية في دعم الاقتصاد الأمريكي، وابتزاز الرياض عبر توظيف عدة ملفات مفتوحة (مثل قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وقضية سعد الجبري المرفوعة في المحاكم الأمريكية ضد محمد بن سلمان، وقانون "جاستا"، إلخ)، وذلك مقابل تصعيد بن سلمان إلى العرش السعودي.

يتعلق التحدي الثاني أمام الرياض، بتصاعد الضغوط البرلمانية والحقوقية، على صنّاع القرار في أمريكا وأوروبا، بشأن التنبيه إلى تحسين سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان.

وفي هذا الصدد أرسل 45 من أعضاء الكونغرس الأمريكي، إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يطالبون بإلزام السعودية اتخاذ إجراءات فورية في مجال حقوق الإنسان، حتى لا تنسحب أمريكا من قمّة مجموعة العشرين.

وكان البرلمان الأوروبي أصدر توصية في الثامن من أكتوبر/تشرين أول 2020 لكل من الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، بخفض مستوى التمثيل الأوروبي في القمّة ذاتها، اعتراضاً على انتهاكات حقوق الإنسان، وعمليات الاحتجاز التعسفية في السعودية.

صحيحٌ أن هذه المناشدات البرلمانية لا تمثّل سياساتٍ رسمية لأمريكا وأوروبا، لكنها تؤكد وجود مخاوف من انعكاسات سياسات بن سلمان، على المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة، بسبب الاندفاعات والانتهاكات الجسيمة في حرب اليمن وجريمة اغتيال خاشقجي، التي دفعت برلين إلى فرض حظر شامل، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018، على تصدير السلاح إلى السعودية، ثم قرار الحكومة الألمانية في (23 مارس/آذار الماضي) تمديد هذا الحظر حتى نهاية 2020.

وقد جاء قرار برلين، على الرغم من حديث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، فبراير/شباط الماضي، عن حاجة بلاده إلى وسائل للدفاع عن نفسها، في ظل التهديد الذي تشكّله إيران والهجمات على منشآت أرامكو السعودية في سبتمبر/أيلول 2019.

يتعلق التحدي الثالث بتآكل أغلب أوراق القوة السعودية، (التي تكاد تنحصر حالياً في قدراتها المالية، وثروتها النفطية)، بعد انكشافها الاستراتيجي أمام إيران والقصف الحوثي المتكرر للأراضي السعودية، إذ أسهمت سياسات بن سلمان المتهورة في تدهور سريع لمكانة السعودية عربياً وإسلامياً، بسبب مآسي حرب اليمن وحصار قطر وتداعيات اغتيال خاشقجي.

وفي هذا السياق، تحمّست الرياض كثيراً للتقارب مع إسرائيل، بوصفها "الموازِن الإقليمي لطهران" أو "المَخرج الإقليمي"، بعد استنكاف إدارة ترامب عن خوض مواجهةٍ مباشرة ضد إيران، على مدار عامَي 2019 و2020، فضلاً عن تأييد السعودية عملية التطبيع بين دولة الاحتلال وكل من الإمارات والبحرين والسودان، وتوجيه إشاراتٍ حاسمة بشأن لوم القيادات الفلسطينية على فشل عملية التسوية مع إسرائيل، كما جاء خصوصاً في حديث الأمير بندر بن سلطان إلى قناة العربية، ما يكشف التحول في الخطاب السعودي والرغبة في التضييق المالي على الفلسطينيين لإجبارهم على العودة إلى التفاوض مع إسرائيل، بغض النظر عن مضمون "المبادرة العربية للسلام"، التي هي مبادرة سعودية أساساً، تمّ "تعريبها" لاحقاً.

وعلى الرغم من كل ذلك لا يبدو أن "الورقة الإسرائيلية" ستفيد السعودية كثيراً، في وقف تراجع مكانتها الإقليمية، مقابل التحسن المطّرد في الوضع الإقليمي لكل من تركيا وإيران وإثيوبيا، وربما باكستان وماليزيا وإندونيسيا، لا سيما في حال فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية.

المفارقة هنا أن الرياض وأبو ظبي تحاولان التزود بالسلاح الأمريكي، وتبذلان الغالي والنفيس لبلوغ ذلك، في حين تجني إسرائيل المكاسب تلقائياً، كما حدث في اتفاق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، مع نظيره الأمريكي مارك إسبر، على تعويض إسرائيل عن صفقة طائرات "إف 35" في حال تصديرها إلى الإمارات، لضمان استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي على الدول العربية مجتمعة، واستمرار التعاون الاستخباراتي والعملياتي بين واشنطن وتل أبيب.

يتعلق التحدي الرابع بأن تنظيم الرياض قمة استثنائية افتراضية لمجموعة العشرين، في مارس/آذار الماضي، لم ينجح كثيراً في تحقيق أهدافٍ سياسية ملموسة، بما يتجاوز الدعاية وخطف أضواء الإعلام الداخلي والدولي بضعة أيام، قبل أن تعود الأزمات السعودية إلى البروز مجدداً، بمجرد انتهاء الحدث أو الفاعلية.

والملاحَظ أن للسعودية تركيزاً على إنتاج صورٍ وانطباعاتٍ ذهنية آنيَّة بأن البلاد تتحول وتشهد "نهضة اقتصادية - سياحية - ثقافية" كبرى، وأن هناك خطوات جادة يتم اتخاذها في مجالات تنفيذ رؤية 2030، ومشروع نيوم، وتمكين المرأة السعودية، وإعادة تشكيل مجلس الشورى وهيئة كبار العلماء، فضلاً عن استضافة البلاد الأحداث والمؤتمرات العالمية، واقعياً وافتراضياً (مثل انعقاد "مجموعة تواصل المرأة"، التابعة لمجموعة العشرين، وانعقاد القمة العالمية للذكاء الصناعي في الرياض).  

وعلى الرغم من أن عهد الملك سلمان بن عبد العزيز اتسم منذ بدايته عام 2015، بتسارع الأوامر الملكية وتلاحقها، واستحداث هياكل جديدة وإلغاء أخرى قديمة، أو إدماجهما مع تغيير أسمائها، أو إعفاء أمراء ووزراء ومسؤولين، وتكليف آخرين، فإن ذلك لم يفرز بالضرورة تغيُّراً في مضمون السياسات العامة، أو تحسيناً جوهرياً في الأداء والفاعلية والشفافية والمحاسبة، سواء الوزارات والهيئات الجديدة التي تم إنشاؤها، مثل "الهيئة العامة للثقافة" و"الهيئة العامة للترفيه" وغيرهما.

والواقع أن هذه التحديات الأربعة تطرح تساؤلاً جوهرياً، عن درجة استعداد السعودية خصوصاً، والعرب عموماً، لما ستفرزه الانتخابات الأمريكية، من ضغوط متوقعة، وعن حدود العلاقات "الوظيفية" لواشنطن مع أي طرف عربي، مقابل التأكيدات المستمرة لمتانة تحالف واشنطن مع إسرائيل.

باختصار، في حال استبعدنا المكاسب الإعلامية والدعائية، قد لا تستفيد السعودية كثيراً من حدث تنظيم قمّة مجموعة العشرين افتراضياً، بسبب انكشاف الرياض أمام الابتزاز الأمريكي، ودعمها التطبيع العربي "المجاني" مع إسرائيل، في مقابل انخراط السعودية في علاقات عدائية غير مبرّرة ضد تركيا وإيران وقطر واليمن.

فهل يمكن أن تراجع السعودية مجمل سياساتها الداخلية والخارجية، أم ستستمر في تعميق أزماتها عبر معاداة تطلعات الشعوب العربية وثوراتها المغدورة، وعبر استعداء جوارها الخليجي والتركي والإيراني، في مقابل زيادة التحاقها بسياسات المحور الأمريكي-الإسرائيلي في الشرق الأوسط؟

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً