منتدى الأعمال التركي - الأذربيجاني الذي عقد في العاصمة التركية أنقرة 18 فبراير 20121.  (Arda Kucukkaya/AA)
تابعنا

وقد شارك في المنتدى نائب الرئيس فؤاد أوقطاي ووزيرة التجارة روحصار بيكجان عن الجانب التركي، ورئيس الوزراء علي أسدوف ووزير الاقتصاد ميكائيل جباروف عن الجانب الأذربيجاني. إضافة إلى رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية (التركي) نائل أولباك ومن أذربيجان رؤساء كلٍّ من صندوق تشجيع التصدير والاستثمار ووكالة تطوير ريادة الأعمال ومجلس التعاون التركي - الأذربيجابي.

وقد وقع الجانبان 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة وصلت 100 مليون دولار، في عدد من المجالات في مقدمتها التعدين وريادة الأعمال النسائية وتطوير التعاون المتبادل في قطاعات الزراعة والبناء والمنسوجات والأجهزة المنزلية الكهربائية والهندسة المعمارية وتصميم المشاريع، وفق ما جاء في تقرير لوكالة الأناضول.

نائب الرئيس التركي أكد، في كلمته أمام المنتدى، أن "طرد أرمينيا المحتلة من قره باغ أظهر للعالم أجمع مرة أخرى قوة التآخي التركي - الأذربيجاني، في الميدان". كما أن رئيس الوزراء الأذربيجاني أكد أن العلاقات بين البلدين "قد بلغت ذروتها" مؤخراً على الصعد كافة.

وكانت أنقرة قد لعبت أدواراً رئيسية ومهمة في تدريب القوات المسلحة الأذربيجانية وتسليحها على مدى السنوات السابقة، وقدمت لباكو دعماً سياسياً ولوجستياً وإعلامياً لافتاً ضمن موقف معلن ومنحاز لها في مواجهتها الأخيرة ضد يريفان في المناطق الأذربيجانبية المحتلة منذ تسعينيات القرن الماضي، ما وضع تركيا في صفوف الكاسبين من تلك المواجهة، على صعيد النفوذ في المنطقة وعلى صعيد العلاقات مع أذربيجان على حد سواء.

جانب من مداولات منتدى الأعمال التركي-الأذربيجاني، ويظهر في الصورة نائب الرئيس فؤاد أقطاي  (AA)

ولأن الاقتصاد ركن رئيس في أي علاقات تحالف بين دولتين، يبدو أن هناك رغبة مشتركة بين البلدين لتطويرها بشكل سريع وفاعل. حيث كان الجانبان قد حددا 15 مليار دولار لتكون حجم التبادل التجاري بينهما في 2023، وهو ما دعا أوقطاي إلى رفع سقفه أكثر بما يتناسب مع مستوى التعاون بين الجانبين وكذلك النمو الاقتصادي في كل منهما. وهو ما أكده أسدوف، الذي قال إن نمو حجم التبادل التجاري بين البلدين قبل جائحة كورونا بنسبة %32.5 يؤكد أن البلدين يملكان إمكانات تحقيق ذلك.

أسدوف قال أيضاً إن حوالي 2000 شركة أذربيجانية تعمل في تركيا في مختلف المجالات، وإن قيمة استثمارات البلدين المتبادلة تصل إلى 30 مليار دولار، ما يضع بلاده في رأس قائمة دول القوقاز وآسيا الوسطى استثماراً في تركيا على صعيد عدد الشركات وقيمة الاستثمار كذلك.

ولعل أكثر الاتفاقات المبرمة بين الطرفين لفتاً للأنظار كان السماح لمواطني البلدين بالسفر ببطاقة الهوية الشخصية دون الحاجة لوثيقة سفر (فضلاً عن تأشيرة)، وهو أمر يوضح مدى تطور العلاقات وكذلك الثقة بين الجانبين، ويتوقع أن يكون له تأثيراته الإيجابية على التعاون والسياحة والتجارة بينهما.

الجانبان أكدا كذلك أن فتح طريق ناهتشيفان بينهما - كقناة اتصال جغرافي مباشر - سيكون له تأثير مباشر ليس فقط على التعاون والتجارة بينهما، وإنما كذلك استراتيجياً للطرفين، لا سيما لدى ربطه بنطاقات أوسع، وهو ما أشار إليه نائب الرئيس التركي في كلمته.

ولعله من المفيد التذكير بالجهود التركية لزيادة نسبة استيراد الغاز من أذربيجان وتقليل اعتمادها على دول أخرى مثل روسيا وإيران تدريجياً، ومشاريع الغاز الطبيعي بينهما، وهو أمر يصب في قلب أمن الطاقة التركي وهو كذلك مصلحة جوهرية بالنسبة لباكو. في المقابل، أكد أسدوف أن الشركات التركية ستلعب دوراً رئيساً في عملية إعادة إعمار المناطق المحررة مؤخراً.

عقد هذا المنتدى الاقتصادي بعد الإنجاز العسكري الذي حققته باكو قبل أشهر في مواجهة أرمينيا بدعم تركي واضح يمنحه أبعاداً ودلالات أعمق من مجرد علاقات تجارية واقتصادية بين أي دولتين.

ففي المقام الأول، ثمة حرص بين الجانبين على تطوير التعاون بينهما في مختلف المجالات، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، بحيث تتحول على المدى البعيد لحالة تحالف استراتيجي وثيق، لا سيما وهما يفخران بالوشائج القومية والدينية والثقافية التي تجمعهما وتجعلهما "شعباً واحداً في دولتين".

وثانياً، ثمة حرص تركي على البناء على الإنجاز العسكري والاستراتيجي الذي ساهمت به في المواجهة الأخيرة، والذي نتج عنه - ضمن نتائج أخرى - وجود قوات عسكرية لها في القوقاز وفتح ممر بري بينها وبين أذربيجان وهزيمة خصم تاريخي وتقليدي لها (أرمينيا) ومساحة تعاون و/أو تنافس إضافية مع روسيا بعد كلٍّ من سوريا وليبيا.

وثالثاً، تريد تركيا أن تبني على هذه المكاسب لتعظيم دورها ونفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى، وهنا يمكن الربط مع مبادرتها لإنشاء "المنصة السداسية الإقليمية" في القوقاز لتضم أذربيجان وأرمينيا وجورجيا إضافة إلى تركيا وروسيا وإيران.

وكذلك ينبغي ربط ذلك باللقاء الذي كان سيجمع وزراء خارجية كلٍّ من تركيا وأذربيجان وجورجيا، والذي أجِّلَ إلى موعد لاحق بسبب التطورات في جورجيا. تأجيل الموعد لا يقلل من أهمية اللقاء ولا دلالات توقيته، فضلاً عن أهمية الإطار الثلاثي الذي يجمع الدول الثلاث، وهو أحد المسارات التي تنشط أنقرة من خلالها في القوقاز وآسيا الوسطى.

رابعاً، ثمة نشاط دبلوماسي تركي ملحوظ في الأسابيع القليلة الأخيرة، منذ نهايات العام الفائت ربما، وهو مسار كنا قد أشرنا إليه في المقال السابق، ومن أمثلة ذلك زيارة وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو الأخيرة إلى الخليج العربي بعد المصالحة بين دوله. حيث تريد تركيا أن تعظم من مكاسبها الدبلوماسية إقليمياً ودولياً، والتركيز أكثر على الملفات الداخلية وفي مقدمتها الاقتصاد بعد عام زاخر بالتوتر والتصعيد والمواجهات العسكرية في سوريا وليبيا والقوقاز وشرق المتوسط.

خامساً، يهدف الجهد التركي مع أذربيجان، وكذلك ضمن الإطار الثلاثي الذي يضم جورجيا، إلى زيادة زخم الدور التركي في منطقة القوقاز مقابل الدور الروسي. وهو ما تريد أنقرة أن يخدمها في المنطقة وفي وسط آسيا وكذلك في ملفات أخرى تنخرط فيها مع – أو بالأحرى مقابل – موسكو.

ذلك أن التفاهمات بين أنقرة وموسكو لا تنفي ولا تلغي الخلافات الواضحة في وجهات النظر والمواقف وكذلك حالة التنافس بينهما. ففي سوريا ما زالت تركيا تحاول إقناع روسيا بالتخلي عن فكرة سيطرة النظام السوري على إدلب، والضغط عليه للمشاركة الفاعلة في المسار السياسي.

في المقابل، فإن عدم إحراز تقدم ملموس في اجتماعات أستانا الأخيرة في نسختها الـ15 وقبلها فشل اجتماع اللجنة الدستورية الأخير في جنيف يوضحان من زاوية ما مدى الاختلاف بين الجانبين. هنا، يحمل الاتصال الهاتفي الذي جمع بين أردوغان وبوتين دلالات إضافية بخصوص عدة ملفات مشتركة بين البلدين في مقدمتها سوريا وليبيا، ولكن لا تغيب منطقة القوقاز كذلك حيث يشارك البلدان في مركز مراقبة مشترك.

أخيراً، فإن هذه الخلافات "الهادئة" بين تركيا وروسيا مثار اهتمام ومتابعة بالتأكيد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الجديدة، والتي تضع صفقة S-400 والتقارب التركي - الروسي عقبةً رئيسة أمام العلاقات بين أنقرة وواشنطن، مُلوّحة عبر وزير خارجيتها باحتمال توقيع عقوبات إضافية على تركيا "إن استمرت في عدم التصرف كحليف" على حد تعبيره.

وهو ما يعني أن الخطوات الأخيرة في عدد من الملفات قد تكون كذلك رسالة ضمنية إلى إدارة بايدن ومن ضمن استعدادات تركيا للعهد الجديد في العلاقات مع واشنطن وسعيها لتجنب أزمة كبيرة معها منذ البداية.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً