تابعنا
مثلت المظاهرات العراقية المستمرة منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019، نقطة تحول في عراق ما بعد 2003 الذي شهد العديد من التحولات والمنعطفات المصيرية على المستويات الاجتماعية، السياسية، الأمنية، والاقتصادية.

ويبدو أن هذه التظاهرات سوف تكون ذات عامل مؤثر في إعادة تشكل مستقبل السياسة الخارجية العراقية والعلاقة مع الدول الإقليمية ذات التأثير في الشأن العراقي.

تعتبر هذه التظاهرات الأكبر منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث اندلعت الاحتجاجات العراقية ضد الفساد وَالبطالة وَالهيمنة الإيرانية. وَتركزت المظاهرات في بغداد ومدن الوسط والجنوب العراقي، ذات الكثافة الشيعية، وقد امتدت التظاهرات لتشمل عواصم التشيع المركزية مثل النجف وكربلاء.

وتصاعد هتاف وغضب المتظاهرين ضد إيران. لدرجة حرق القنصلية الإيرانية ثلاث مرات على فترات زمنية متفرقة. فضلاً عن حرق صور المرشد الأعلى الإيراني خامنئي وخميني وبعض صور ومقرات الفصائل المسلحة التابعة لإيران.

إن هذا التحول الدراماتيكي في تطور الوعي المجتمعي الرافض للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي العراقي جاء نتيجة لزيادة النفوذ الإيراني في العراق، والتي أدت إلى تعمق الأزمات في المشهد السياسي والأمني. فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتي كانت أيضاً نتيجة للدور الأمريكي في صناعة العملية السياسية بعد 2003، التي ولدت أزمات البلاد الحالية.

كما أن أحد الأسباب الرئيسية لمشاكل العراق هو النزاع الأمريكي الإيراني وسياسة الولايات المتحدة للضغط على إيران؛ فرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي كان قد فشل في تشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على معالجة مشاكل البلاد المزمنة بسبب التدخلات الأمريكية والإيرانية.

في الشأن الخارجي شكلت التظاهرات علامات قلق كبيرة للأطراف الإقليمية والدولية، وذلك من خلال تشكل وعي كبير داخل المجتمع العراقي بخطورة التدخل الإيراني والأمريكي والسعودي في الشأن العراقي وسلب الإرادة الحقيقية للشعب العراقي.

بينما تخشى هذه الأطراف خسارة التأثير على الشأن العراقي الداخلي، وأن تفقد معه النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري في العراق، فإن هذه الأطراف الخاسرة والتي يرفضها المجتمع العراقي، تحاول التأثير على الصورة الإيجابية للدور التركي في العراق، وذلك من خلال نشر الأخبار الكاذبة والتصريحات المفبركة ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، والتي تتهم الحكومة التركية فيها بالوقوف مع الحكومة العراقية في قمع المتظاهرين.

حيث قامت قناة الحرة التابعة للسفارة الأمريكية في بغداد بنشر خبر كاذب حول إرسال تركيا شحنات عسكرية لقمع المتظاهرين في العراق، لكن المتظاهرين يعرفون أنها اخبار كاذبة لأنهم دائماً ما يعثرون على قنابل غاز مسيل للدموع ذات منشأ إيراني. كذلك نشرت قناة العربية التابعة للنظام السعودي تصريحات مفبركة على لسان الرئيس أردوغان حول مظاهرات العراق.

كل هذه المحاولات لم تستطيع التأثير على الصورة الإيجابية للدور التركي في وعي المجتمع العراقي.

السياسة الخارجية التركية تجاه العراق مبنية على احترام سيادة ووحدة العراق، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. والمساهمة في مساعدة العراق على إعادة الإعمار، والتعاون الأمني في الحرب ضد الإرهاب. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في تحسن العلاقات التركية-العراقية.

كما ساهمت الدبلوماسية الشعبية للسفير التركي في العراق السيد "فاتح يلدز" في رسم الصورة الإيجابية للدور التركي في العراق، وعكس ذلك مدى المحبة بين الشعبين.

وقد أصدرت الخارجية التركية منذ بداية التظاهرات في الأول من أكتوبر/تشرين الثاني بياناً تحث فيه الحكومة العراقية على تلبية مطالب المتظاهرين المشروعة. وأعربت عن قلقها حيال استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير.

وهي بذلك تظهر موقفها بوضوح في الوقوف مع الشعب العراقي المطالب بحقه ورفع الظلم عنه. وتحقيق الديمقراطية التي تتطلع إليها الشعوب العربية.

إن الموقف الإيجابي للحكومة التركية في دعم الشعوب المظلومة والمطالِبة بحقوقها والسعي إلى العيش بحرية وكرامة، يعتبر موقفاً تجتمع عليه كافة الشعوب العربية، ومنها الشعب العراقي الذي يتذكر وقوف تركيا معه في أزماته أثناء الحرب على داعش.

حيث ساهمت تركيا في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش. كذلك استقبلت تركيا الكثير من النازحين العراقيين وأقامت لهم المخيمات. وقدمت المساعدات الإنسانية للنازحين واللاجئين العراقيين في داخل تركيا والعراق.

إن المؤشرات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الإيجابية للعلاقات-التركية العراقية، شكلت عامل إزعاج للدول المجاورة التي لا تتمتع بصورة جيدة لدى المجتمع العراقي، ونقصد هنا إيران وأمريكا والسعودية. وهي الدول المؤثرة في تصاعد الأحداث الجارية في العراق.

لذا يشكل الموقف التركي تجاه المظاهرات في العراق تحدياً للأطراف الإقليمية الأخرى، لكون تركيا حكومة وشعباً أقرب للشعب العراقي من بقية الدول المجاورة. والملاحظ منذ بداية التظاهرات أن المتظاهرين يصرخون بوضوح ضد التدخل الخارجي الإيراني أو السعودي أو أي طرف آخر، ولم يسمع أو يذكر أي شعار ضد تركيا.

وهذا مؤشر على أن المتظاهرين لا يستهدفون العلاقات العراقية التركية وذلك لمعرفتهم بأن تركيا لا تتدخل في الشأن العراقي، وهي تمثل عاملاً إيجابياً مهماً في نهضة العراق الاقتصادية حسب وجهة نظر الشارع العراقي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كُتابها ولا تعبر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً