تابعنا
لا يمكن وصف تفجير ناقلتي النفط في بحر عمان صباح الخميس، إلا بالعمل الخطير، الذي ستكون له تداعيات كبيرة على مشهد الصراع الجاري في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة.

من الفاعل

سؤال كبير وهام، ولعل إجابته تتحدد أكثر بالاجابة عن سؤال آخر يتعلق بالمستفيد من هذا العمل الكبير والمفاجئ؟ ومع ذلك هناك مروحة واسعة من المستفيدين ومن المتضررين على السواء.

لكن حتى نصل لاجابات معقولة، تضيق الخناق على الخيارات المحتملة للفاعل، لابد من فهم سياق الحادثة من ناحية التوقيت والمضامين الجارية في مسرح التصعيد.

فهم السياق يحلّ المعضلة

السياق العام للمنطقة يقول إن ثمة تصعيد وتدافع كبيرين نراهما منذ أسابيع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة والولايات المتحدة الاميركية وحلفاءها الخليجيين ( السعودية والامارات ) من جهة اخرى.

هذا التصعيد بلغ في خطورته مرحلة حافة الهاوية، بمعنى أنه وبعد فرض العقوبات، وتحرك القطاعات العسكرية الأميركية نحو منطقة الخليج، كنا قد اقتربنا من مفهوم المواجهة الشاملة.

عندها تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبات أكثر ليونة في التعاطي مع طهران، ويقال إنه قام بكبح جماح مستشاره للأمن القومي "جون بولتون" الراغب بالحرب، وبدا هنا الأمر يتجه نحو الابتعاد عن حافة الهاوية خطوات للخلف.

الوساطات وقنوات الاتصال

في الأيام الأخيرة دخل الصراع مرحلة جديدة ومختلفة. فقد دخلت رزمة وازنة وكبيرة من العواصم في عملية الوساطة بين واشنطن وطهران.

فمن جهة أرادت بعض العواصم العمل على خفض التوتر، وقامت أخرى بدشين قواعد لإدارة الصراع والتصعيد، والأهم من كل ذلك ما قامت به اليابان من توسط ساخن وعملي بين الطرفين.

هناك أطراف لا يعجبها أمر الوساطة بين واشنطن وطهران هي: السعودية والإمارات وإسرائيل وبعض رجالات إدارة ترامب، وأجنحة في الحكم الإيراني من المتشددين.

عمر عياصرة

الأخبار تقول إن رئيس الوزراء الياباني، كان يحمل تعهدات من ترامب واضحة وحاسمة واجرائية مما جعلنا نعتقد بقرب الانفراج العام للصراع، وتزايد احتمالات دخوله مرحلة المفاوضات المباشرة، ولعل هذه الأجواء هي ما تفسر لقاء رئيس الوزراء الياباني بخامنئي وبحضور حسن روحاني شخصياً.

أطراف تزعجها الوساطات

المعطيات تقول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدو متساهلاً في التعامل مع إيران، فقد أعلن عدم رغبته بتغيير النظام، وأنه يريد اتفاقية ننوية جديدة، وعلى ما يبدو أنه لا يعبء بقصة الصواريخ البالستية، ولا حتى بالأدوار الإقليمية التي تمددت فيها إيران.

من هنا، هناك أطراف لا يعجبها أمر الوساطة بين واشنطن وطهران. لا يعجبها تحديداً التبريد الحاصل، ولا يعجبها أيضاً أداء الرئيس دونالد ترامب، ولا يعجبها دخول الوسطاء على خط الأزمة، ولا يعجبها أخيراً تراجع مستوى التصعيد.

وإذا أردنا أن نسمي هذه الاطراف فهي لن تخرج عن السعودية والإمارات وإسرائيل، وبعض رجالات إدارة ترامب، ولك أن تضيف أجنحة في الحكم الإيراني من المتشددين.

عودة مرة اخرى للسياق

نعود مرة أخرى للسياق التي جرت فيه عملية تفجير الناقلتين في بحر عمان. إنه سياق التسويات وتراجع مستوى التصعيد ودخول الوساطات على الخط.

من يعرف إدارة ترامب وتطور موقفها من الأزمة مع إيران يجد أن احتمال الحرب غير واردة وأن التوظيف السياسي هو الأكثر احتمالاً.

عمر عياصرة

إذن مَنْ نفّذ وقرر العملية أراد استهداف هذا السياق، ويرغب بإعادة مستوى التصعيد لمرحلة الهاوية، ولعله أيضا يريد أن يخلط أوراق الوسطاء، ويربك إدارة ترامب فيما يتعلق بسقف مطالبها من طهران.

الحرب والمواجهة الشاملة أضعف احتمالاً

حادثة كالتي جرت في بحر عمان، ليست بالهينة، ويمكن أن تشعل حرباً، فعندما يصف وزير خارجية إيران، جواد ظريف الحادثة بالمريب والمثير للشبهات، هذا التوصيف منطقي ومسئول، ويعبر عن خشية إيرانية من استثماره تجاه الذهاب بالمنطقة لمواجهة شاملة.

لكن من يعرف إدارة ترامب، وتطور موقفها من الأزمة مع إيران، يجد أن احتمال الحرب غير واردة، وأن التوظيف السياسي هو الأكثر احتمالاً لمثل هذا النوع من الأحداث.

الفاعل مبني للمجهول وسيبقى كذلك

باستثناء وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو" لم يتهم احداً من المجتمع الدولي أو من دول الإقليم إيران بالاسم والوضوح، ولعل نقل القضية إلى مجلس الأمن لن يخرجها عن الإدانة العامة الفضفاضة، التي لا يمكنها تناول إيران.

ستحاول الإدارة الأميركية استغلال الحادثة في إنشاء مزيد من الضغط على إيران ولعلها ستشعر الوسطاء أن ايران مطالبة بمزيد من التنازلات.

عمر عياصرة

لذلك، البعد السياسي سيكون هو الطاغي، وهنا يمكننا القول إن المتضرر قد يكون جميع الأطراف، والمستفيد كذلك قد يكون كل الأطراف.

واشنطن وتوظيف الحادثة داخلياً وخارجياً

الولايات المتحدة الأميركية ترغب بتسوية مع إيران، لكن بشروطها وعلى مقاسها، وهذا أمر بات بدهي، لذلك ستحاول الإدارة الأميركية استغلال الحادثة في إنشاء مزيد من الضغط على إيران، ولعلها ستشعر الوسطاء بعد الحادثة أن ايران مطالبة بمزيد من التنازلات.

هذا الاستثمار لن يكون الوحيد من جهة واشنطن، فهناك التوظيف المتعلق بابتزاز دول الخليج لشراء مزيد من الأسلحة، كما أن الإدارة ستتمكن بمفاعيل أقوى من مواجهة الكونغرس في سياق الجدل الاخير حول صفقة الـ 8 مليارات من أسلحة التي بيعت للرياض وأبوظبي.

السيناريو الراجح والسيناريو المرجوح

هناك مروحة من السيناريوهات المحتملة للرد الأميركي على تفجيرات خليج عمان، وبتقديري، أن ثمة ما هو راجح ومحتمل بقوة، وهناك المرجوح الذي تبدو فرصه متواضعة.

الحرب الشاملة أو الضربة العسكرية التكتيكية تبدو ضعيفة الاحتمال، وهي الخيار المرجوح هنا، وهناك أسباب موضوعية تتعلق ببنية تفكير إدارة ترامب تؤكد ذلك. كما أن التوقيت المتعلق بقرب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي سيحول دون ذلك، لا سيما أن الرئيس ترامب يتقدم بشكل جيد، ومتنامي في الداخل الأميركي مما يجعله أقل رغبة بخوض مغامرة عسكرية.

الراجح من الاحتمالات، أن واشنطن ستستثمر في الضربة للضغط على إيران، دون أن تذهب بالتصعيد لحافة الهاوية، لكنها – أي واشنطن _ ستظل راغبة بالجلوس على طاولة المفاوضات وستبقى تتعامل بتفهم لجهود الوساطات.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

TRT عربي
الأكثر تداولاً