لقطات لاقتحام أنصار ترمب مبنى الكونغرس لتعطيل التصدييق على نتائج الانتخابات التي فاز بها جو بايدن (Reuters)
تابعنا

وتبيّن بعد التحقيقات مع جيك أنجلي Jake Angeli المعروف بذي القرنين الذي خطف أنظار العالم، أنه يأتمر بتنظيم يُسمى بـ Q Anon، وهو تنظيم لم يكن يلفت الانتباه قبل هذا التاريخ إلا في دوائر محدودة.

وعاد التنظيم لكي يستثير الاهتمام مع دعوته إلى اقتحام مبنى الكابيتول مرة أخرى بتاريخ 4 مارس/آذار، وهو الأمر الذي استنفر قوات الأمن في واشنطن حول المبنى، وخارج العاصمة الفيدرالية. ما استرعى الانتباه هو النظرة إلى التنظيم، على اعتبار أنه يهدد الديمقراطية، وأنه شكل من أشكل الإرهاب، أو ما سُمي في الأدبيات الأمريكية بالإرهاب الداخلي، وأن له بعداً دولياً من خلال شبكة تزداد يوماً بعد يوم.

أفرد المختص في العلوم السياسية جاسيون بلازكيتس Jason Blazakis التنظيم بمقال يحلل فيه الظاهرة في جريدة لوس أنجلس تايمز بتاريخ 21 فبراير/شباط، إذ يعتبره تهديداً حقيقياً للأمن القومي الأمريكي، ويرى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن انتخاب الرئيس بايدن سيقضي عليه، على اعتبار أنه كان يجد سنده في الرئيس السابق ترمب.

الاعتقاد الساري لدى أصحاب تنظيمكيو أنون، أن هناك مؤامرة من قِبل النخبة السياسية ورديفها الفني في هوليود، تستغل الأطفال جنسياً، وتستعمل أعضاءهم، بعد قتلهم، من أجل استخلاص مادة تبعث النشاط والفتوة، وغاية المؤامرة القضاء على الإنسان الأبيض، ويوجه أصحابه حرابهم إلى ما يسمونه بالدولة العميقة، ويتوعدونها بعاصفة تجهز عليها، في انتظار ما يسمونه بالصحوة الكبرى.

ظهر التنظيم سنة 2017، وأخذ يروج لنظرية المؤامرة بخطاب ديني بنبرة عنيفة، شبيه بما يُسمى عقيدة باب الآخرة The Heaven Gate cult التي ظهرت في التسعينيات من القرن الماضي، من خلال استعمال مخيال ديني، ومصطلحات دينية من قبيل الأبوكالبيس (القيامة) الذي من شأنه أن يعصف بالنخبة، في ما يشبه إعصاراً.

وأخذ التنظيم يوظف الشبكة العنكبوتية من خلال إعلانات صغيرة في حساب سري بعنوان Q، ثم تحول إلى حساب آخر يبث الصور بعنوان 8 chan، وعدد 8 يحيل مقلوباً إلى علامة اللامتناهي في الرياضيات.

يستخدم التنظيم جملاً قصيرة في شكل علامات استفهام، ويدعو في منشوراته لما هو عبارة عن شعار له "احفر أعمق Dig deeper" رداً على من يشككون في نظرية المؤامرة، ومن شعارات التنظيم كذلك "حيثما يذهب أحدنا نذهب جميعاً"، وهو ما يُحال إليه بما هو علامة مميزة للتنظيم WWG1WGA، وهي الحروف الأولى للجملة الإنجليزية التي هي شعار التنظيم Where we go one, we go all.

ديفيد راينرت يحمل علامة "Q" كبيرة أثناء انتظاره لرؤية الرئيس دونالد ترمب في تجمع حاشد في ويلكس بار، بنسلفانيا، 2 أغسطس 2018. (Getty Images)

كان التنظيم يرى في الرئيس السابق ترمب الرجل المنقذ، وتبين من خلال تحريات سبيرنيتكية أن التنظيم كان يحظى بدعم من عناصر من مكاتب البيت الأبيض.

اعتُبر التنظيم في البداية تنظيماً فلكلورياً، وتحولت النظرة مع صيف سنة 2018 حين حشد في تجمع أتباعاً عديدين، ممَّا صرف الاهتمام إليه. ومنذ مايو/أيار 2019 تغيرت النظرة إلى التنظيم، واعتبر المكتب الفيدرالي للأبحاث الأمريكي، المعروف بحروفه الأولى اللاتينية FBI، في مذكرة له بذات التاريخ أن التنظيم يشكل مصدراً محتملاً للإرهاب الداخلي.

لم يعد تنظيم مقتصراً على الولايات المتحدة، إذ إن له أتباعاً في كندا والبرازيل وأستراليا وبريطانيا وفرنسا وبولونيا ورومانيا وألمانيا بل في إندونيسيا.

يعزو البعض أصوله إلى تنظيم يساري في إيطاليا ظهر في التسعينيات يحمل شعار Q ويسمى بـWu Ming، لروائيين يكتبون أعمالاً جماعية، ومنها رواية من تأليف كاتب يحمل حرف Q.

كلمة وو مينغ صينية وتعني مجهول. ويحيل المحللون إلى تأثر حركة كيو أنون بتنظيم Wi Ming الإيطالي، سواء من حيث الإيمان بنظرية المؤامرة، أو من حيث سبل العمل، من خلال عملية التأثير العاطفي عوض الإقناع، وأن الاسم مستقى من استعمال التنظيم اليساري لحرف Q اللاتيني، ويختلفان في أن التنظيم الإيطالي يساري، وتنظيم كيو أنون يميني متطرف.

يظل أصل التسمية لغزاً، وهناك من يربطه بنص من الكتاب المقدس، في كتاب النبوءات، قانوت، بمعنى الصدح بالحقيقة. أضاف التنظيم إلى حرف Q كلمة Anon التي هي ترخيم لكلمة Anonymous أي مجهول.

متظاهرة ترتدي تي شيرت في دعم واضح لمجموعة QAnon نظرية المؤامرة في مظاهرة في سان دييغو في مايو 2020. (Getty Images)

عرف التنظيم تحولاً نوعياً في خضم الحجر جراء جائحة كرونا واضطرار الناس إلى البقاء في بيوتها، واستعمالها للحواسيب، وهو ما أعطي التنظيم فرصة لتوسيع دائرة أتباعه.

وتعتبر سنة 2020 تحولاً في مسار تنظيم كان عبارة عن نِحلة معزولة، إلى تنظيم يلفت الانتباه من خلال خطبه على الشبكة العنكبوتية ومحتوى الخطاب الذي يقول بحقائق هلامية، وتركيزه في تخاطبه على المشاعر والعاطفة من أجل عالم بديل، وأضحى نوعاً من تنظيم ديني.

قد انكب الباحث تريستان منديس فرانس Tristan Mendès France على دراسة الخطاب وطرقه، ومنها الدعوة إلى خدمة الوطن في الساحة الرقمية، وتقديم القسَم في ما يسمى بقسَم الجندي الافتراضي، ويتخذ خطابه في النت نبرة حربية تأخذ شكل حملة صليبية.

حظي التنظيم بدعم من الرئيس الأمريكي السابق، ومن مسانديه مايكل فلين Michael Flynn الذي شغل منصب مستشار لترمب قبل أن يعزله، وهو عسكري شارك في الحروب في أفغانستان والعراق، ويضمر عداء للإسلام.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2020 تقدم نائب جمهوري بتوصية تنتقد نظرية المؤامرة التي يدعو لها التنظيم، وتدعو مختلف المصالح الأمنية لتعقب التنظيم تحسباً لأعمال إجرامية.

خطورة الظاهرة هي أنها شكل من أشكال التنظيمات الإرهابية، ولذلك خصها محلل السياسي السابق من السي أي أي برينت جيونوتا Brent Giannota بتحليل في جريدة لوس أنجلس تايمز بتاريخ 24 فبراير/شباط، من خلال رصد أوجه الشبه ما بينها وبين تنظيم "الدولة الإسلامية".

فالتنظيم يضم كل الشرائح، الشباب والشيوخ، من المعدمين ومن الطبقة الوسطى. القاسم المشترك ما بين مكونات التنظيم هو الحالة النفسية، أو الحافز العاطفي Animating emotion، والذي يتسم بالغضب أكثر من الخوف.

فليس الفقر هو الحافز، وفق هذا المحلل الذي يجري مطابقة ما بين تنظيم كيو أنون و"الدولة الإسلامية"، وإنما الغضب ممَّا يفضي إلى إيديولوجيات راديكالية، ومرد الغضب الخيبة المتولدة عن عدم تحقيق تطلعات، مع التِّرة grievance ووسائل من شأنها تضخيم هذا الشعور ومنها الأدوات الرقمية.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً