تابعنا
لم تستطع حكومة رئيس الوزراء المُكلّف حبيب الجملي أن تحظى بدعم البرلمان، وهو الأمر الذي أدى إلى سقوطها، وفتح المشهد واسعاً أمام تشكيلة جديدة بعد أن يقوم الرئيس قيس سعيّد باختيار اسم جديد لرئاسة الحكومة.

سقطت حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان. وهو حدث يعد الأول من نوعه في تاريخ الديمقراطية التونسية.

وحوله انقسم التونسيون انقساماً لافتاً، بين من يرى في ما حدث تكريساً لدخول هذا البلد نادي الديمقراطيات العريقة. فعلى الرغم من كل ما يحدث في الإقليم وعلى الرغم من المتربصين داخلياً وخارجياً لا تزال تونس تمضي قدماً في مسارها الديمقراطي.

وفريق آخر يرى أن هذه الواقعة تدفع البلاد في اتجاه المجهول، وهي التي تعيش وضعاً اقتصادياً مأزوماً واحتقاناً اجتماعياً منذ سنوات ويصعب أن تحتمل أي هزات أخرى.

هكذا بدت الأجواء عقب فشل الحكومة في نيل ثقة البرلمان بعد جلسة مداولات طويلة صبّ فيها النواب جام غضبهم على الفريق الحكومي الجديد. مؤكدين أنه لا يمكن أن يتواءم مع اللحظة الراهنة بكل تعقيداتها وأزماتها.

ولم يفلح الخطاب المطول الذي ألقاه رئيس الحكومة المُكلّف في إقناع النواب بأهمية البرنامج الذي يطرحه وبقدرة فريقه على مواجهة التحديات المطروحة على المجتمع التونسي.

لكن توجد أسئلة كبيرة وكثيرة تطرح اليوم سواء من النخب السياسية والثقافية أو من عموم الشعب الذي راهن على أن تكون الانتخابات التشريعية والرئاسية لحظة مفصلية للانطلاق وتجاوز الواقع الصعب الذي تشهده البلاد.

لقد فتح هذا المشهد الباب واسعاً أما أسئلة جوهرية لا يزال العديد يجهل الإجابة عنها من قبيل أي رئيس حكومة تحتاج إليه تونس اليوم ويستحقه التونسيون؟ وإلى مدى سيكون تكليف الرئيس قيس سعيد للشخصية "الأقدر" وفق مقتضيات الدستور متسقاً مع انتظارات الشعب ومع رهانات الأحزاب التي اجتمع أغلبها حول عدم منح الثقة لحكومة الجملي؟

وأي دور للحزب الفائز الأول في الانتخابات التشريعية حركة النهضة في المرحلة القادمة بعد أن تغيرت المعطيات والتحالفات؟

يقول الفصل 89 من الدستور التونسي بضرورة العودة إلى رئيس الجمهورية في حال عدم نيل رئيس الحكومة المقترح من قبل الحزب الفائز ثقة مجلس نواب الشعب أو في صورة تجاوز الآجال القانونية.

وفي هذه الحالة يكلف رئيس الجمهورية في أجل أقصاه عشرة أيام وبالتشاور مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية، الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.

وعلى هذا الأساس سيكون على كل الأطراف السياسية في تونس العودة إلى التشاور من جديد. ولكن هذه المرة تحت سقف الاختيار الرئاسي. وهو ما يعني أن هامش المناورة بالنسبة إليهم بات محدوداً. كما أن شروط أغلبهم لن تجد صدى لها كما كان ذلك ممكناً أثناء مشاورات تشكيل الحكومة الأولى. وعليه فإن الخيارات باتت محددة ومحدودة.

وفي هذا السياق تتجه الأنظار إلى رئيس الجمهورية وإلى الإمكانات المطروحة أمامه لاختيار هذه الشخصية ومدى استجابتها للمواصفات التي يراها كل حزب من الأحزاب الممثلة في مجلس النواب.

وتتعالى الأصوات التي تقدم مقترحات بشأن هذه الشخصية فرأى البعض أن من المهم العودة إلى الشخصيات التي كانت فاعلة في منظومة ما قبل ثورة جانفي يناير 2011 وهي التي خبرت الدولة وامتلكت نجاعة التعاطي مع دهاليز السياسية.

ونعني تلك التي لم تكن ضالعة في الفساد المالي والسياسي. وتبرز أسماء عديدة كانت على رأس بعض الوزارات الاقتصادية. ونجحت من قبلُ ثم اختفت في مرحلة ما بعد الثورة. منها على سبيل المثال منذر الزنايدي، ومحمد النوري اللذين شغلا مناصب رفيعة زمن بن علي وعرفت عنهما الكفاءة. 

في حين تنادي آراء أخرى باختيار شخصية تكون بمنأى عن المنظومة القديمة. ولا صلة لها بها من بعيد أو قريب لتباشر بنجاعة خطة رئيس حكومة من دون ولاءات أو إملاءات خارجية. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن القطع مع منظومة الاستبداد والفساد لا يكون إلا بمثل هذه الشخصية، لا سيما أن رهان الشعب التونسي كبير على رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي يتمثّل فيه مجمل التونسيين الذين انتخبوه مثالاً للنزاهة والصدق، ويعتقدون بقدرته على حلحلة الأوضاع القائمة.

وقطعاً يرى أصحاب هذا الرأي أنه بقدر ما تكون الشخصية التي يقترحها رئيس الجمهورية ويتوسم فيها القدرة على الفعل والإنجاز بعيدة عن دائرة الشخصيات المعروفة والمستهلكة، بقدر ما تضمن لها مقبولية لدى عموم التونسيين.

في حين تنادي أطراف أخرى بأن تكون الشخصية المقترحة حزبية ومن بين الأحزاب الكبرى الممثلة في البرلمان حتى تضمن لها حزاماً سياسياً يحقق لها الاستقرار المطلوب لتتمكن من القيام بمهمتها على الوجه الأكمل.

وما بين هذا الرأي وذاك يلوح سيناريو إعادة الانتخابات في الأفق ككابوس بالنسبة إلى عدد كبير من التونسيين، وكحل بالنسبة لقسم آخر في الوقت ذاته. وقد بات فرضية قائمة بجدية إذا ما تعذر مرة أخرى نيل الحكومة التي ستشكلها شخصية مقترحة من قبل رئيس الجمهورية لثقة مجلس النواب.

وهذا السيناريو قد يبدو مفتوحاً على كل الاحتمالات. وهو ما أعلنت عنه أطراف تعتقد بصعوبة أن تقتنع الأحزاب المشكِّلة للكتل البرلمانية المتنافسة بشخصية تتوافق حولها وتدعمها.

وفي الأثناء ينتظر التونسيون بفارغ الصبر ما ستجود به قريحة الرئيس قيس سعيد من مقترح بشأن شخصية مقتدرة يمكن أن يلتف حولها الجميع حتى تباشر الملفات الكبرى وتلبي الانتظارات الشاهقة للشعب التونسي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

رئيس الوزراء التونسي المكلف حبيب جملي (أدناه) يلقي كلمة أمام البرلمانيين خلال جلسة عامة في العاصمة تونس ، في 10 يناير 2020 ، للحصول على تصويت بالثقة في تشكيلة مجلس الوزراء المقترحة. (AFP)
لم يستطع حبيب الجملي ، الذي تم تكليفه بتشكيل حكومة بمقترح من حركة النهضة في تونس ، الحصول على تصويت من البرلمان. استقبل حبيب الجملي النواب بعد التصويت. (AA)
TRT عربي