تابعنا
تسبّبت تصريحات المُرشّح الرئاسي جو بايدن عن تركيا، خلال مقابلةٍ في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، في إحداث ضجةٍ مُتجدّدة.

يتقدّم المرشّح الرئاسي جو بايدن باستمرار في استطلاعات الرأي، ويبدو أنّ تقدّمه وصل إلى نحو 6% الآن، حتى في استطلاع الرأي الذي أجرته قناة Fox News الأمريكية المعروفة بعلاقتها المُقرّبة مع الرئيس دونالد ترامب (بايدن 48% وترامب 42%). وهذا يعني أنّ بايدن لديه فرصةٌ حقيقية في أن يحلّ محل ترامب داخل البيت الأبيض.

لكن بايدن أثار ضجةً حقيقية في تركيا بسبب مقابلةٍ سابقة مع صحيفة New York Times الأمريكية، حيث دعا حرفياً إلى الإطاحة بحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولكنّه دعا إلى ذلك من خلال الانتخابات "وليس الانقلاب" على حد تعبيره، لكنّ ذلك لا يُغيّر من حقيقة أنّه تدخُّل أجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد.

والتعليقات التالية التي تكشف استراتيجية بايدن في السياسة الخارجية تستحق الاهتمام: "في رأيي، السياسة الخارجية هي السياسة الداخلية، والسياسة الداخلية هي السياسة الخارجية. فكلتاهما مرتبطتان بشدة".

إذ صرّح بأنّ أمن الولايات المتحدة يعتمد بشكلٍ مباشر على "امتلاك أقوى شبكة ممكنة من الشركاء والحلفاء الذين يتعاونون معاً".

فما الذي قد تعنيه رئاسة بايدن إذن بالنسبة إلى العلاقة بينه وبين تركيا؟

في الواقع يعرف بايدن تركيا جيداً منذ كان عضواً في مجلس الشيوخ. وحين صار نائباً للرئيس زار تركيا أربع مرات، في ديسمبر/كانون الأول عام 2011، ونوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، ويناير/كانون الثاني عام 2016، وأغسطس/آب عام 2016.

ومن الجدير بالذكر أنّ فترة الرئيس أوباما الأولى كانت رائعةً على نحوٍ استثنائي بالنسبة إلى العلاقات التركية الأمريكية، لكن فترته الثانية في المنصب شهدت توترات وأزمات مستمرة.

وأعرب بايدن، في مقابلة العام الجاري، بوضوح عن أنّ الولايات المتحدة يجب أن تتدخّل في السياسة الداخلية التركية وتُكمّل ذلك بدعم "المعارضة"، كما اعتادت واشنطن أن تُشارك في هذه الأنشطة في الماضي.

وبصراحة يُؤمن بايدن بالتدخل الأجنبي مهما كان الثمن.

ويُؤكّد بايدن أن تركيا يجب أن تُعزل بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة شرق المتوسط. ويتساءل المرء إن كان قد نسي أنّ تركيا من أعضاء حلف الناتو في أثناء حديثه عن الحلفاء أنفسهم!

كما ذهب إلى أبعد من ذلك مصرحاً: "وآخر شيء كنت سأفعله هو أن أتنازل أمامه فيما يتعلّق بالأكراد. آخر شيءٍ على الإطلاق".

اقرأ أيضاً:

ويتجاهل بايدن حقيقة أنّ تركيا تقاتل PKK الإرهابية، التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المدنيين الأتراك، ولا تُحارب "الأكراد" على حد تعبيره الذي يفتقر إلى الدقة.

وبعيداً عن هذه النقطة، كانت هناك تصريحاتٌ أخرى لجو بايدن فيما يتعلّق بسحب الأسلحة النووية من قاعدة إنجرليك الجوية (المهمة للولايات المتحدة والناتو على حدٍ سواء)، وفرض العقوبات على تركيا بسبب شراء أنظمة S-400 الروسية، والاعتراف بالإبادة الجماعية المزعومة للأرمن.

ولم تتخذ إدارة أوباما-بايدن أي خطوات فيما يتعلّق بتسليم زعيم منظمة غولن الإرهابية المسؤول عن محاولة الانقلاب داخل تركيا عام 2016، ولذا فليس من المتوقّع إحراز أيّ تقدم حقيقي في هذه المسألة في حال انتخاب بايدن.

وفي الواقع فإنّ تصريحاته المؤسفة بشأن تركيا خلال مقابلته مع New York Times يجب أن لا تُمثِّل مفاجأة، لأنّ موقف بايدن من تركيا صار أكثر تشدُّداً بدرجةٍ متزايدة على مدار العامين الماضيين.

فخلال مؤتمرٍ بتقنية الفيديو عقده بايدن مؤخراً مع المسلمين الأمريكيين، وصف تركيا بأنّها تهديد في حين وصف إيران بأنّها دولةٌ أكثر صداقة، وهو أمرٌ يدعو إلى القلق بشدة.

إذ أخبرني المسلمون الأمريكيون الذين يعيشون في الولايات المتحدة أنّهم فوجئوا أيضاً حين استمعوا إلى تعليقات بايدن عن تركيا وإيران.

ويُوجد بعض الخبراء في فريق جو بايدن الذين يمتلكون معرفةً جيدة بتركيا. إذ إنّ أنتوني بلينكن، وسوزان رايس، وجيك سوليفان، ونيكولاس بيرنز، وغيرهم كانوا جزءاً من فريق البيت الأبيض خلال فترة أوباما.

وحين ننظر إلى تصريحات أولئك الخبراء الموقرين، نجد أنفسنا مع الأسف في مواجهة نفس التعليقات النزاعية عن تركيا. ومن المعروف على نطاقٍ واسع أنّ حملة بايدن تتعرّض لضغطٍ كبير من اليونانيين، والأرمن، وغيرهم من الجماعات غير التركية.

هل سيُؤدّي انتخاب بايدن إلى قطع العلاقات التركية الأمريكية؟

لا أعتقد أنّ العلاقات ستقطع بالكامل. فبايدن هو رجل دولة، رغم ما قد تُشير إليه تعليقاته مع صحيفة New York Times.

ويُدرك هو وفريقه أنّ تركيا تتمتّع بموقعٍ استراتيجي ومكانة مهمة للغاية في الناتو، وليس من الممكن حل مشكلات المنطقة من دون تركيا، كما أنّه من المستحيل استبعاد تركيا فيما يتعلّق بسوريا، أو إيران، أو شرق المتوسط.

ودعونا نتذكر أنّ بايدن تقدّم فعلياً باعتذارين لتركيا. فخلال خطابٍ ألقاه بجامعة هارفارد في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، وصف تركيا بأنّها الدولة الأكثر إشكالية في الشرق الأوسط.

وبعد أن شهد ردود الأفعال على خطابه، اتصل بالرئيس رجب طيب أردوغان واعتذر له. وفي أغسطس/آب عام 2016، قال: "الشعب الأمريكي يقف بجانبكم. لقد كان باراك أوباما من أوائل الرؤساء الذين اتصلوا بأردوغان. ولكنّني أرغب في الاعتذار. وأتمنى لو كنت من أوائل الداعمين".

وبحسب مقابلةٍ أجراها مع New York Times، يبدو أنّه يفهم ذلك بوضوح. إذ لا يتّخذ الجميع في تركيا الموقف نفسه دائماً، ولكن الشعب التركي يتّحد بقوة حين يتعلّق الأمر بالمنظمات الإرهابية مثل وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، أو التدخّل الخارجي، أو النضال الوطني في شرق المتوسط.

والموضوعات التي أدلى بايدن بتصريحات مثيرة للجدل فيها هي تلك الموضوعات التي لا يُمكن للشعب التركي أن يتهاون فيها أو يتخلّى عنها.

وفي حال فوز ترامب مرةً أخرى فستستمر العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة على الوتيرة نفسها. ويجب أنّ لا ننسى وجود كثير من القضايا العالقة حتى الآن بانتظار حلّها مع إدارة ترامب.

وفي حال فوز بايدن سأعترف أنّ العلاقة لن تكون سهلة، إذ ستُضاف بعض المشكلات الجديدة إلى المشكلات القائمة، ولكن العلاقات لن تُقطع بالكامل فهذا أمرٌ مستحيل بكل بساطة.

وستواصل تركيا الحوار المفتوح مع الفائز بالانتخابات بغض النظر عن هويته. وفي حال دفعت الولايات المتحدة بتركيا بعيداً، فإنّ فعل ذلك لن يخدم إلا أعداء تركيا والولايات المتحدة أيضاً فقط.

وبالنسبة إلى بايدن وفريقه، فلا جدال على أنّ الخطوة المثمرة أكثر من غيرها ستكون تبنّي علاقة صادقة مع تركيا كما فعلوا في الحرب الكورية.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً