تابعنا
في ختام اجتماعها لمجلس الشورى الذي عقد في مدينة الحمامات التونسية، اتخذت حركة النهضة قراراها تقديم عبد الفتاح مورو مرشحاً لها لرئاسة الجمهورية التونسية.

لم يكن يوم الخامس والعشرين من يوليو/تموز يوماً فاصلاً في تاريخ تونس فحسب، بل كان أيضاً تاريخاً له ما بعده بالنسبة إلى حركة النهضة، فبعد أن اختارت حركة النهضة سنة 2014 الحياد الإيجابي، وعدم خوض غمار الانتخابات الرئاسية آنذاك بمرشَّح من داخلها، قرّر مجلس شورى الحركة يوم الثلاثاء 06 أغسطس/آب 2019 وبأغلبية قاربت الإجماع، ترشيح الأستاذ عبد الفتاح مورو، النائب الأول لرئيس الحركة رئيس مجلس نواب الشعب بالنيابة، لرئاسيات الجمهورية التونسية لعام 2019.

قوبل هذا القرار باستغراب داخل الأوساط السياسية التونسية، بخاصة وقد أعلنت الحركة في وقت سابق أنها تفضّل مرشحاً توافقياً، أو ما عبرت عنه بـ"العصفور النادر"، وهو المرشح الذي يكون قادراً على تحصيل أوسع توافق ممكن بين مختلف العائلات السياسية، ويكون في ذات الوقت مدعوماً من المنظمات الوطنية، وعلى رأسها الاتحاد العامّ التونسي للشغل، ويكون الشخصية الوطنية الجامعة الذي يمكن أن يُؤتمن على مستقبل الانتقال الديمقراطي، فيكون حافظاً للسيادة الوطنية، وحامياً للدستور، ويعيد إلى الأذهان صورة وشخصية الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي رحمه الله، الذي بكاه الشعب التونسي، كل الشعب التونسي، حليفاً ومعارضاً له.

كان من الصعب على حركة النهضة إيجاد شخصية بهذه المواصفات، بخاصة مع ضيق الوقت وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية المبكّرة التي -في الحقيقة- خلطت أوراق جميع الأحزاب في تونس بما فيها الحركة.

ولعلّ استحالة إيجاد توافق من هذا النوع حول حاكم قرطاج الجديد عقّد الأمور أكثر بالنسبة إلى مجلس شورى حركة النهضية، الذي كان عليه البت والفصل بين رأيين وموقفين: الأول يتعلق بترشيح شخصية من داخل الحركة، والثاني يتمسك بدعم شخصية من خارج الحركة قد تكون حزبية أو مستقلة.

كانت مبررات كلا الرأيين واقعية ومنطقية، فرغبة الشق الأول في الحضور بفاعلية ضمن السباق الرئاسي، والتمسك بحق الحركة الطبيعي أن يكون لها مرشح في هذا الاستحقاق المهم، قابله الشق الثاني بضرورة التركيز على التشريعيات، وعدم ترك الفرصة أمام خصوم الحركة لاتهامها بالتغول والرغبة في السيطرة على قرطاج والقصبة وباردو معاً، بخاصة أن التحفظات على الإسلام السياسي وأحقيته في الحكم لا تزال موجودة في المحيط الاقليمي والدولي.

كان الاختلاف عميقا بين الرأيين، ولم يكن الحسم بالتصويت مفيداً، بخاصة مع تقارب عدديّ تراوح بين 44 و45، وهي في الحقيقة صورة غير محبذة داخل الجسم النهضاوي الذي للأسف لا يزال يعاني ويئنّ من مخلفات تشكيل القائمات التشريعية، والتي طبعاً وككل الأحزاب لم تلقَ رضاً تامّاً من الجميع، وكان في تشكيلها عدة خروقات وتجاوزات.

أمام كل هذه الإشكاليات، بخاصة صعوبة الحسم دون مخلفات سلبية على جسم الحركة، ارتأى رئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي، وهو المرشح الطبيعي للحزب في مثل هذه الانتخابات طبق ما يضبطه نظامها الأساسي، ارتأى سحب خيار دعم مرشح توافقي، والتخلي في ذات الوقت عن حقّ الترشح لنائبه الأستاذ عبد الفتاح مورو الذي تمّ التصديق على ترشيحه بما يشبه الإجماع.

من المهمّ تأكيد أن هذا القرار قوبل داخل الحركة باستبشار وفرح كبيرين، وربما ستسهم هذه المحطة الانتخابية في إعادة النشاط للجسم النهضاوي تحضيراً للاستحقاق التشريعي الذي سيتوسط الدورين الأول والثاني للرئاسية.

خارج حركة النهضة لم يكن قرار مجلس الشورى مرحبا به كثيراً من بعض المترشحين، والمترشحين المحتملين، فقد خلط هذا القرار أوراق عديد منهم سواء من كان يطمع في استمالة القاعدة النهضاوية بخطاب الثورة ومكتسباتها، ومن أراد استغلالها لتقوية حظوظ حزبه في التشريعية من خلال دعمها له في الرئاسية.

ما يمكن استخلاصه ختاماً من قرار الحركة أن الاستماع إلى القاعدة الشعبية، وما تريده في مثل هذه المحطات مهم، ولا يُستهان به، والقاعدة الشعبية كانت مع توجه كهذا.

كما لا يوجد استحقاق انتخابي ممنوع على حركة النهضة خوضه، أو الترشح له، كما أن شبح المعطى الإقليمي والدولي أو تغوُّل التدخلات الخارجية يبقى مجرد حقيقة نسبية خاصة، وأن حركة النهضية أثبتت في عدة محطات مفصلية عدم تمسُّكها بالحكم والسلطة، وهي التي تَخلَّت سنة 2013 عن الحكومة، واستقالت منها بمقتضى حوار وطني، كما قبلت سنة 2014 -وهي الكتلة الثانية في البرلمان- بوزير واحد في حكومة تضمّ أكثر من ثلاثين وزيراً.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي