تابعنا
يصادف الثاني من أكتوبر /تشرين الأول ذكرى مرور عام كامل على دخول الصحفي جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في إسطنبول وعدم خروجه منها.

هزّت قصة قتل خاشقجي وتقطيع جثمانه المأساوية ضمير العالم المتحضر. واستنكر المجتمع الدولي كيف يمكن لصحفي أن يدخل قنصلية بلاده للحصول على وثائق تتعلق بزواجه أن يُقتل بوحشية هكذا، وذلك لأنه يتبنى ببساطة وجهات نظر إصلاحية للبلد الذي يحبه.

إن قتل خاشقجي بهذه الوحشية، ورغم أنه أمر فظيع وفظ بالوقت ذاته، ولا يمكن أن يتصوره أي إنسان، إلا أنه يثير أيضاً قضايا فلسفية ومبدئية أساسية أوسع وأعمق من قضية الصواب والخطأ، لأنه يمس قضية عالمية؛ أي حقوق الإنسان الأساسية.

لم يكن خاشقجي شخصية ثورية بأي شكل من الأشكال، لأنه كان ينتمي للتقليد الوهابي المتشدد للإسلام الراديكالي، ومع ذلك اعتبرته السلطات السعودية “راديكالياً". لأنه دافع عن أفكار جذرية مثل حرية التعبير، وحقوق المرأة، وأنه تجرأ على اقتراح أن "الناس العاديين في العالم العربي يجب أن يكونوا قادرين على معالجة المشاكل الهيكلية التي تواجهه مجتمعاتهم".

أثارت توجهاته السياسية السابقة غضباً بين منتقديه الذين لاحظوا أنه بدأ كإسلامي انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين أثناء دراسته في الجامعة، ولكن كما لاحظت صحيفة واشنطن بوست فإن خاشقجي "تبنّي وجهة نظر أكثر ليبرالية وعلمانية" في سنواته الأخيرة.

ولكن الآن وبغض النظر عن ماضيه، والجدل بين نقاده ومعجبيه، فإن الحقيقة هي أنه أصبح الآن يجسد المبدأ الأساسي لحقوق الإنسان ولحرية الصحافة.

إن القتل الوحشي الذي تعرض له خاشقجي، بغض النظر عن الأسباب والدوافع، يرمز إلى الشر المحض، وإلى التحديات التي تواجه العالم. فإذا أردنا أن نخلق عالماً متسامحاً تتمكن فيه الثقافات والأديان والدول من العيش بسلام، فيجب احترام القيم الأساسية للحياة الإنسانية ولحرية التعبير وللتسامح، ولن يحدث هذا إلا عندما تصبح هذه القيم عالمية ومقبولة للجميع، وتتجاوز المصالح السياسية والاقتصادية.

إننا كأميركيين، غالباً ما نعتبر أنفسنا منارة الأمل، ونموذجاً للمجتمع المتحضر وسيادة القانون، ومثالاً يُحتذى في العالم. ولكن إن لم نكن مستعدين لاتخاذ موقف مبدئي عندما يكون التحدي واضحاً، ويمثل رمزيه قوية وقيمة أساسية للغاية، ماذا سيمثل تقاعسنا لباقي دول العالم بشأن استعدادنا للقيام بواجبنا في الدفاع عن هذه القيم العالمية؟ وكيف سيؤثر ذلك على ثقة دول العالم بنا وإيمانهم أننا سوف ندافع عن هذه القيم؟

يجب أن تكون الولايات المتحدة هي الرائدة في الدفاع عن المبادئ الإنسانية العالمية، يجب أن يكون ذلك هو الحد الأدنى المتحتم على أي مجتمع متحضر أن يلتزم به. صحيح أننا نأخذ الحقائق الجيوسياسية في الاعتبار، وللأسف غالباً ما تؤثر القضايا الاقتصادية والتجارية في تعاملنا مع بعض التحديات. لكن لا يمكن للولايات المتحدة، "قائدة العالم الحر" أن تغض الطرف عن هذا العمل الوحشي، وتتجاهله بدفعه تحت البساط لأنه أمر غير مريح.

نحن نوقع عقوبات اقتصادية على روسيا وقادتها، ولا نحاسب السعوديين. وندخل في حرب تجارية مع الصين بينما نشتري من السعوديين ونبيع لهم كل شيء. نعلق الدعم العسكري والاحتياجات الدفاعية لأوكرانيا بينما نُسلّح السعوديين. نحن ندين "بعض" قادة العالم بينما نقدم الأعذار أو نتجاهل ما يفعله القادة السعوديون.

إن النفاق والمعايير المزدوجة تضر بسمعة الولايات المتحدة في العالم. يجب على الولايات المتحدة، وفي مقدورها، أن تفعل المزيد. نحن يجب أن ندافع عن مبادئنا، حتى إذا كان ذلك مكلفاً في المدى القصير.

إن جريمة قتل خاشقجي الوحشية والشنيعة تجسد أسوأ ما يمكن أن يقدمه العالم. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدافع عن القيم الأساسية للحياة ولحرية التعبير ولحرية الصحافة ولحقوق الإنسان. إن موقفنا الحالي من قضية خاشقجي يقدم رسالة مخيبة للآمال إلى بقية العالم ويضر بمصداقيتنا بشدة لأننا نرقص حول هذا التحدي ولا نواجهه بشجاعة. يجب أن تكون الولايات المتحدة قوية وحازمة في هذه القضية كي تقدم للعالم نموذج المدينة المضيئة على قمة التل، حتى نكسب احترام العالم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً