إيلون ماسك  / صورة: AFP (Olivier Douliery/AFP)
تابعنا

لم يمضِ وقت طويل منذ أن استحوذ إيلون ماسك على شركة تويتر حتى توالت العديد من الإجراءات المثيرة للجدل. وبالرغم من أن التفاصيل لم تظهر بعد، فإن شيئاً واحداً يبدو ظاهراً للعيان بشكل لا جدال فيه هو سعي ماسك إلى تحويل "تويتر" إلى دجاجة تبيض ذهباً للتعويض عن الصفقة الهائلة في الاستحواذ على العصفور الأزرق والتي بلغت 44 مليار دولار.

بالنسبة إليه، فقد كان المدخل الأول لجعل الشركة أداة لجني الأرباح هو علامة التحقق الزرقاء. فقد خرج ماسك على مستخدمي تويتر بإجراء مثير للجدل يمنح العلامة الزرقاء لكل من يدفع مبلغ 7.99 دولار شهرياً، ونزعها من أولئك الذين تمتعوا بهذه الخاصية مسبقاً في حال رفضوا عن الدفع.

بطبيعة الحال، لم تمضِ إلا ساعات معدودة على الإعلان حتى انهالت مئات، إن لم تكن آلاف، الطلبات من حسابات وهمية تريد الظفر بخاصية التحقق مقابل هذا المبلغ الزهيد، والأمر لم يخلُ من الفكاهة حيث كانت حساب مثل "يسوع" المزيف أحد المتقدمين للحصول على هذه الخدمة.

حاولت تويتر التعاطي مع الأزمة بصورة سريعة من خلال إزالة الحسابات الوهمية لطالبي خاصية التحقق، وقيّدت أيضاً، وبشكل مؤقت، الاشتراكات الجديدة المتعلقة بخدمة Twitter Blue للحسابات التي جرى إنشاؤها قبل 9 نوفمبر/تشرين الثاني. على الرغم من ذلك، لم تكن هذه الإجراءات كافية، حيث كانت توجد إمكانية لتجاوزها والتحايل عليها. على أي حال، من المحتمل أن يجري رفع هذا التقييد قريباً، وذلك لسعي ماسك الحثيث إلى الحصول على تعويض مالي سريع.

ليس هذا وحسب، ففي وقت سابق أعلنت تويتر عن طرح العلامة الرمادية الرسمية، غير أنها سُحبت فوراً بعد ساعات من طرحها حيث غرد ماسك أنه قام بوأدها، وذلك لأنه يريد الإبقاء على علامة التحقق الزرقاء بوضعية أفضل. ولمزيد من الالتباس، غرّد أحد المديرين التنفيذيين في الشركة مؤكداً أن العلامة الرمادية الرسمية مازالت قيد التنفيذ ولكن ليس للأفراد، في مخالفة لتصريح ماسك السابق. مع ذلك فقد جرت إزالة العلامة الرمادية تماماً، على أن تظهر لاحقاً بعد أن جاء تقييم بضرورة الإبقاء عليها.

يوجد أمر آخر، فعلامة التحقق الزرقاء الحالية ليست هي نفسها تلك التي مُنحت للمستخدمين قبل استحواذ ماسك على الشركة. فعند النقر على العلامة الزرقاء لأي حساب شخصي حالياً سستظهر نافذة تخبرك إذا ما كان قد جرى التحقق من الحساب لأنه ينتمي إلى شخصية اعتبارية بارزة (أي حصل على العلامة قبل استحواذ ماسك) أو إذا ما كان ذلك بسبب الدفع المسبق من خلال Twitter Blue. لم يرق هذا الأمر لماسك وهدد بأنه سيفرض تغيير الصياغة إلى Legacy Verified.

يحاول ماسك أن يزيل جميع العلامات الزرقاء التي كانت قبل استحواذه على الشركة وتحويلها إلى Twitter Blue وهو ما يخالف توجهات قسم التحقق في الشركة بالرغم من أن هذا القسم جاء بناء على توجهات ماسك بعد طرد الموظفين السابقين في القسم. هذا يُظهر حجم الخلافات الداخلية والتضارب في وجهات النظر بين ماسك والعاملين معه في الشركة. يتهم ماسك بالفساد العديد من أولئك الذين يحظون بالعلامة الزرقاء قبل استحواذه على الشركة، ولذلك بالنسبة إليه فهو في مهمة تنظيف.

ينعكس ذلك أيضاً في الخلاف حول الشارات الرمادية، يريد ماسك أن تُمنح للمعلنين من أجل استرضائهم ومحاولة جذبهم لضخ سيولة مالية عبر الشركة، وهو على خلاف توجهات العاملين بالشركة الذين أكدوا أن الشارات الرمادية سوف تمنح فقط للجهات الحكومية والرسمية. حالياً لا يوجد إلا عدد قليل جداً من هذه الجهات حاصلة على الشارات الرمادية، في حين بدأت تظهر على العديد من الحسابات الفردية.

لقد عبر ماسك عن امتعاضه في وقت سابق من استحواذه على الشركة من سياسة التحقق لدى تويتر، وقد حاول التملص أصلاً من الصفقة بناء على ادعائه بأن عدد الحسابات الوهمية تبين أنه أكثر مما كانت الشركة قد أطلعته عليه في وقت سابق. غير أن سياساته غير المدروسة منذ استحواذه على الشركة زادت الطين بلةً، حيث تضعضعت الثقة بالشركة وتدنت إيراداتها بشكل كبير. فقد أصبح من السهل توثيق حساب قد يكون وهمياً ويحاكي شخصية بارزة. ماسك نفسه لم يكن محصناً من ذلك، إذ ظهرت العديد من الحسابات الوهمية التي تدعي التوثيق تحمل اسمه.

بكل الأحوال، ستظل الخدمة المجانية لتويتر متوفرة للمستخدمين. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار حرص ماسك المتواصل لجعلها أقل جاذبية. فالاهتمام سوف ينصب أكثر على أولئك الذين يدفعون، سيحظون بالعديد من الامتيازات. على سبيل المثال، بالإضافة إلى شارة التحقق، ستحظى تغريداتهم بالأولوية في الردود والإشارات وعمليات البحث، كما سيتمكنون من نشر مقاطع فيديو أطول وسيحظون بمشاهدة عدد أقل من الإعلانات (لكنهم سيظلون يشاهدون الإعلانات بكل الأحوال).

بالمحصلة، بدلاً من أن يسعى ماسك إلى تضييق هامش الحسابات الوهمية أو المحتوى الكاذب (وهي مهمة العلامة الزرقاء الأولى) فإن ماسك سوف يعزز هذا الاتجاه. لا تهم الأصالة هنا بل من يدفع أو من يدفع أكثر. في السابق كانت مهمة تشكيل مجموعات من الـ Trolls تحظى بشيء من الصعوبة، ولكن يبدو أنها الآن ستكون سهلة نوعاً ما خصوصاً لتلك الجهات التي لا تعاني مشكلة في التمويل. ولذلك بدلاً من محاربة الحسابات الوهمية والمحتوى التضليلي، فإن ماسك سيجعل من تويتر ماكينة أكاذيب عابرة للقارات.

يبدو أن لدى مساك إشكالية في فهم جوهر عملية التحقق، في الأساس كانت هذه الخاصية موجهة للمحتوى وليس للذوات. فهي التي تمنحك الإحساس بأن المحتوى الذي ينشره موقع يحظى بخاصية التحقق يمكن الوثوق به. ماسك تجاوز هذا المعطى الجوهري واتجه إلى الذوات، وبناء على عقليته التي تقسم البشر إلى نخبة وعامة، فقد وضع آلية تقوم على تقسيم مجتمع تويتر إلى نخبة، وهي تلك التي تدفع مقابل الخدمة، والعامة الذين يستخدمونها بالمجان. ولا شك أن تجاوز بؤرة التركيز من المحتوى إلى الذوات سوف يعزز من ظاهرة التضليل ونشر الأخبار الكاذبة وما ينطوي عليها من تداعيات نشر الكراهية والاستقطاب في المجتمعات.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً