تابعنا
بعد تآمر الإمارات على السلطة الشرعية في اليمن، بات كثيرون يتساءلون حول تأخُّر اتخاذ حكومة هادي إجراءات حقيقية ضد أبو ظبي.

دخلت المواجهة بين السلطة الشرعية اليمنية ودولة الإمارات مرحلة حاسمة وأكثر إثارة من ذي قبل، في ظل التصعيد الذي قامت به الشرعية ضد التورط الإماراتي الصريح في انقلاب عدن، الذي يتمدّد الآن باتجاه محافظتي أبين وشبوة، بتأكيدها أن هذا الانقلاب ما كان له أن يحدث لولا الإمارات.

صحيح أن السلطة الشرعية لم تتخذ بعد القرار الجريء الذي ينتظره معظم اليمنيين، وأعني به طرد الإمارات من التحالف، أو مطالبة قائدة التحالف (السعودية) بإنهاء دور الإمارات العسكري في اليمن، لكنها اتخذت إجراءً قريباً من هذا تقريباً، باتهامها الإمارات بالتورط في الانقلاب.

حدث ذلك عبر مندوب اليمن في الأمم المتحدة حينما كان يلقي كلمة أمام جلسة لمجلس الأمن كرّست لمناقشة الوضع في اليمن، ثم توالت البيانات المنددة بالتورط الإماراتي من جانب الحكومة والبرلمان، الأمر الذي أثار غضب الإمارات في وقت لم تكن تتوقع فيه تصعيداً كهذا ليقينها بأن الرياض تتحكم بشكل كامل في القرار السياسي للشرعية.

إن أهم ما في التصعيد الحكومي ضد الإمارات هو أنه أفقد هذه الأخيرة ميزة التحرك في ساحة مستباحة بالكامل والسير في طريق الاستحواذ على المقدرات والقرار اليمني.

ياسين التميمي

وما يبدو في الظاهر هو أن السلطة الشرعية صعَّدَت تحت أنظار الرياض، في وقت حاولت فيه هذه الأخيرة جر الحكومة إلى حوار مع وفد المجلس الانتقالي الذي وصل إلى جدة وغادرها دون أن يعقد هذا الحوار، ما دفع بالإمارات إلى المزيد من التورط في مواجهة السلطة الشرعية، ومهاجمتها ومهاجمة الرئيس هادي عبر الذباب الإلكتروني، فيما لم يتردد معلقون بارزون ومسؤولون سابقون قريبون من وليّ عهد أبو ظبي في التصريح بأن الوحدة اليمنية لم تعد قائمة.

إن أهم ما في التصعيد الحكومي ضد الإمارات، هو أنه أفقد هذه الأخيرة ميزة التحرك في ساحة مستباحة بالكامل والسير في طريق الاستحواذ على المقدرات والقرار اليمني لعقود من الزمن بالاستناد إلى تركة كبيرة من التخادم مع المصالح الغربية.

لذا جاء الرد الإماراتي هستيريّاً، فقد أطلقت يد أتباعها في عدن لمهاجمة قصر المعاشيق الرئاسي ونهب محتوياته، قبل أن تدفع بالنخبة الشبوانية إلى البدء بتحرك ميداني للسيطرة على محافظة شبوة النفطية.

التصعيد الإماراتي في شبوة دخل منطعفاً خطيراً منذ مساء الخميس، في الوقت الذي كانت فيه لجنة وساطة سعودية تبذل مساعيها لنزع فتيل مواجهة عسكرية في هذه المحافظة، بل وتدفع بوحدات من قواتها إلى مدينة عدن لتتمركز في مطارها.

تصعيد كهذا كان يُفترض به أن يدفع بالسلطة الشرعية إلى الاتخاذ الإجراء الذي تُحجِم عنه حتى الآن، وهو طرد الإمارات وإنهاء العلاقات الدبلوماسية معها.

لكن يبدو أن السلوك السعودي في شبوة، يكشف عن استمرار مستوى التخادم مع الإمارات الذي قد يكون مدفوعاً بتقدير مشترك بأن في هذه المحافظة تياراً يزداد قوة ويتبنى مواقف مناهضة لسياسة التحالف العسكري السعودي-الإماراتي، يتعين احتواؤه واحتواء رموزه، وربما إيذاؤهم.

يضاف إلى ذلك أن خروج شبوة -إن حدث- سوف يُضيِّقُ الخناق على المعقل الرئيس للشرعية في مأرب المجاورة، وهو ما قد يمكّن هذا التحالف في ظل تقاطع المصالح بين قطبيه من تحقيق أهدافهما في اليمن بكلف استراتيجية قليلة.

استمرار التحرك السعودي في المنطقة الرمادية على الرغم من التطورات العاصفة في جنوب اليمن يصعِّبُ على السلطة الشرعية الإقدام على خطوة جريئة تقضي بطرد الإمارات نهائياً من اليمن.

ياسين التميمي

أقول ذلك لأن ما يحدث في شبوة يتشابه تماماً مع ما قامت به السعودية في عدن، حيث اقتصر دورها على التهدئة الشكلية والإجلاء للقيادات الموالية للشرعية والتحليق بالطائرات المقاتلة فوق مناطق الاشتباكات دون أي تأثير على هذه الاشتباكات أو المعارك.

إن استمرار التحرك السعودي في المنطقة الرمادية حتى اللحظة، على الرغم من التطورات العاصفة في جنوب اليمن، يصعِّبُ على السلطة الشرعية الإقدام على خطوة جريئة تقضي بطرد الإمارات نهائياً من اليمن، ويُعزَى ذلك إلى حالة الارتهان الكامل من جانب هذه السلطة للإرادة السعودية، الأمر الذي يجعل من أي محاولة للخلاص من هيمنة التحالف عملية شاقة ومعقدة ومحفوفة بالمخاطر.

ومع ذلك لا يمكن التقليل من قدرة الشرعية اليمنية على خلط الأوراق وتنويع خياراتها في مواجهة الهيمنة المطلقة للتحالف، لكن ذلك يقتضي أن تتحرر هذه السلطة أولاً من قيود الإقامة القسرية في الرياض، ومغادرتها إلى مكان آخر.

لقد تأخرت السلطة الشرعية كثيراً في قطع الطريق أمام الإمارات التي واصلت مخطط فرض الهيمنة وبناء أداة سياسية جديدة هي المجلس الانتقالي الجنوبي مدعوماً بأكثر من تسعين ألف مقاتل وأسلحة حديثة على نحو ضمن لهذه القوة أن تتحرك ميدانيّاً وتحقّق الحسم العسكري متصلة بدعم مفتوح وإمداد غير منقطع من مخازن قوات التحالف في عدن.

لا غرابة في أن تدفع الشرعية اليوم ثمن التراخي المقصود من جانب الرئيس هادي الذي تماهى منذ خمسة أعوام مع المخطط الإماراتي-السعودي.

ياسين التميمي

لذا لا غرابة أن تدفع الشرعية اليوم ثمن التراخي المقصود من جانب الرئيس هادي الذي تماهى منذ خمسة أعوام مع المخطط الإماراتي-السعودي، يقيناً منه أن هذا المخطط سيصفّي الساحة السياسية من شركاء يعقتدون أنهم من دفع بالرئيس هادي إلى سُدّة السلطة وكانوا مُحِقِّين في ذلك.

وهذا الموقف قصير النظر وعديم الخيال والرشد من جانب الرئيس هو الذي أفسح المجال للتحالف وللإمارات على وجه الخصوص، لكي تتحكم بالمشهد العسكري والأمني والسياسي في معظم المحافظات الجنوبية وتنخرط في مهمة بناء أدواتها الخشنة التي تناسلت إلى أحزمة أمنية ونخب وقوات مكافحة الإرهاب وسجون ومعتقلات سرية وعلنية تحولت معها المحافظات الجنوبية إلى جحيم حقيقي ومستعمرة للخوف والرعب.

لقد كان الرئيس أول من دفع ثمن هذا التراخي عندما وجد نفسه عاجزاً عن العودة إلى عدن وعندما اضطُرّت طائرته إلى تغيير وجهتها من عدن إلى محافظة أرخبيل سقطرى لأن قوات الحزام الأمني التي أنشأتها الإمارات رفضت السماح له بالهبوط في فبراير/شباط 2017 في مطار المدينة.

ورغم مرور أكثر من عامين ونصف على تلك الحادثة المهينة، لم يتخذ الرئيس الإجراءات الكفيلة بتحصين السلطات السيادية، وتجذير حضورها في العاصمة المؤقتة عدن وكامل الأراضي المحررة من الحوثيين، ولم يوفر الخيارات التي يجب عليه كقائد أن يوجدها لمواجهة مخطَّط واضح المعالم لاستنزاف الشرعية وتجريفها من جانب التحالف السعودي-الإماراتي الذي جاء أصلاً لدعم الشرعية وتمكينها من استعادة سلطتها وإنهاء الانقلاب الذي نفّذه الحوثيون وصالح في العاصمة صنعاء في 21 سبتمر/أيلول 2014.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي