تاجر يعد الأوراق النقدية بالليرة التركية في البازار الكبير في اسطنبول ، تركيا (Murad Sezer/Reuters)
تابعنا

الأمر الذي يشير إلى خروج الاقتصاد من فترة نقاهة مؤثرة امتدت طوال العامين الماضيين إلى رحاب التعافي، واستعادة وتيرة الصعود التي اعتاد عليها طوال العقدين السابقين.

وكان هذا التعافي تتويجاً لمجهودات كبيرة قامت بها وزارة الصحة التركية منذ بداية الأزمة، وتوجتها بتسريع عدد متلقي جرعات اللقاح إلى ما يقارب المليون يومياً في جميع أنحاء البلاد، وتسريع النزول المتدرج لأعمار المتلقين حتى احتوى كل المقيمين في الدولة ويزيد عمرهم على 18 عاماً، علاوة على تخفيض المدة الزمنية بين جرعتي اللقاح إلى شهر واحد فقط، والسماح للأطقم الطبية بتلقي الجرعة الثالثة، وهي الإجراءات التي أوشكت أن تصل بالبلاد إلى حالة المناعة العامة، وتسببت في إزالة كل أشكال الحظر والمنع منذ مطلع الشهر الحالي.

وكانت بداية الأخبار المبشرة من أكثر القطاعات تضرراً من تداعيات الفيروس وهو القطاع السياحي، حيث انتشرت أنباء توجه الرحلات بكثافة نحو المدن السياحية الكبرى، حيث هبطت 1095 طائرة قادمة من روسيا في مطار ولاية أنطاليا عاصمة السياحة التركية، خلال أسبوعين، على متنها 307 آلاف و417 سائحاً، كما استقبلت منطقة كبادوكيا الشهيرة بولاية نوشهير التركية أكثر من 150 ألف سائح، خلال يونيو/حزيران الماضي، وهو نفس العدد الذي زار المدينة خلال الشهر السابق طبقاً لإحصاءات مديرية الثقافة والسياحة في نوشهير.

كما عاود زخم النشاط والحركة قطاعاً من أكثر القطاعات تضرراً من تداعيات كورونا وهو قطاع الطيران، حيث احتلت شركة الخطوط الجوية التركية المركز الثاني أوروبياً من حيث عدد الرحلات اليومية بـ1144 رحلة، وذلك بحسب تقرير صادر عن المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية "يوروكنترول" بخصوص الرحلات الجوية في 7 يوليو/تموز الجاري، والذي أشار كذلك إلى أن خطوط "بيغاسوس" (Pegasus Airlines) التركية احتلت المركز الثامن في قائمة شركات الطيران الأكثر طيراناً في أوروبا بـ493 رحلة يومية.

كما حققت الصادرات التركية قفزة قياسية خلال يونيو/حزيران الماضي، مسجلة 19 ملياراً و773 مليون دولار، بنسبة زيادة بلغت 46.9 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وكانت صادرات تركيا قد سجلت 16.5 مليار دولار في مايو/أيار الماضي، ومن الجدير بالذكر أنه لم يسبق لقطاع الصادرات التركي أن اجتاز حاجز 19 مليار دولار سابقاً، طبقاً للبيانات التاريخية لمعهد الإحصاء التركي.

ولا شك أن ارتفاع وتيرة الطلب على السلع التركية، يدلل على جاهزية القطاع الإنتاجي التركي ومرونته لاقتناص فرص التعافي التدريجي في الطلب العالمي على الاستهلاك، بعد شهور من الارتباك الناجم عن تفشي جائحة كورونا، وهو الأمر الذي يشير كذلك إلى امكانية تحقيق الطموحات التركية الكبيرة بزيادة متواصلة في أرقام الصادرات خلال العامين المقبلين بعد تمام استشفاء الاقتصاد العالمي.

وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم من أزمة غذائية حادة بسبب تزايد النزاعات العنيفة والأزمات الاقتصادية وجائحة "كورونا" بالإضافة إلى التقلبات المناخية الحادة، حققت صادرات المنتجات الزراعية والأغذية والمشروبات التركية عائدات بقيمة 8.6 مليارات دولار، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021 خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني، ومايو/أيار من العام الجاري، وذلك بنسبة زيادة بلغت 15.6 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وذلك طبقاً لبيانات صادرة عن هيئة الإحصاء التركية.

كما حققت مبيعات المنازل في عموم الدولة التركية أرقاماً جيدة خلال يونيو/حزيران الفائت، حيث بلغت 134 ألفاً و731 منزلاً، بزيادة 127.7 بالمئة مقارنة مع مبيعات مايو/أيار الماضي، وبلغ عدد المنازل المبيعة للأجانب، خلال يونيو/حزيران، 4 آلاف و748 منزلاً، جاء ذلك وفق معطيات صادرة عن هيئة الإحصاء التركية، التي أوضحت كذلك تصدر العراقيين للأجانب مشتري العقارات التركية خلال الشهر المذكور بشرائهم 773 منزلاً، تلاهم الإيرانيون بـ683، ثم الروس بـ300 والأفغان بـ250 والألمان بـ192.

وفي خبر مبشرٍ آخر قال وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك إن مؤشر الإنتاج الصناعي خلال مايو/أيار المنصرم زاد بنسبة 40 بالمئة على أساس سنوي، الأمر الذي يثبت قوة البنية التحتية الصناعية القوية في تركيا، والتي أثبتت مرة أخرى قدرتها على التعافي من الصدمات، وهو ما يعزز بقوة التوقعات بشأن النمو المرتفع في الربع الثاني من العام الجاري، ومن الجدير بالذكر أن مؤشر الإنتاج الصناعي هو مؤشر يقيس إجمالي حجم الإنتاج الصناعي في الدولة التركية بغض النظر عن قيمته السعرية، ويعتبر مؤشراً رائداً للناتج المحلي الإجمالي.

لا يزال الاقتصاد التركي في بداية طريق التعافي الطويل، والذي يحتاج إلى الكثير من الصبر والاجتهاد، ومواجهة المشكلات المتوطنة قبل ظهور وانتشار فيروس كورونا، ولكنه في نفس الوقت يمتلك الكثير من المقومات التي يمكن البناء عليها وتنميتها خلال الفترة المقبلة، وهو ما أظهرته المؤشرات الاقتصادية للفترة القصيرة الماضية، والتي تشير بوضوح إلى عودة عجلات الاقتصاد التركي إلى الدوران المتسارع.

هذه العودة التي تبشر بتحسن سعر الليرة التركية تدريجياً ربما مع مطلع العام المقبل، وهو الأمر الذي سينسحب على الانخفاض النسبي لمعدل التضخم المحلي الذي لا يزال لأسباب محلية وعالمية في منحناه الصاعد، وربما ينسحب كذلك على انخفاض سعر الفائدة المحلية بما يشحذ الاستثمار المحلي، وبما يرفع كذلك إمكانات استيعاب الداخلين الجدد لأسواق العمالة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً