تابعنا
يستعد رئيس الوزراء التونسي المُكلّف هشام المشيشي لطرح حكومته على البرلمان التونسي لنيل الثقة وسط أجواء يسودها الشك حسبما يرى عديد من الخبراء والمتابعين للشأن التونسي.

ابحث عن اسم للحكومة الجديدة. لقد استنزفت كل التسميات وأعجزتنا الحالة التي هي فيها. هل هي حكومة إنقاذ؟ إذا كان الجواب نعم، فإنقاذ ماذا؟ ومِمّن؟ وإن كانت حكومة إصلاح فأين برنامج الإصلاح؟ هي حكومة الحيرة العامة من تركيبتها المجهولة، ومن طريقة توليفها شبه السرية.

وهي أيضاً حكومة المصير المعلَّق بيد الأحزاب التي شُكّلت بالأساس ضدها، بل شُكّلت لإقصائها وتحميلها مسؤولية الوضع التونسي العسير بنسبة نمو اقتصادي 21 بالمئة سلبياً. هل تصدّق عليها الأحزاب ثم تسقطها؟ أم تسقطها وتدفع الحالة السياسية إلى نهايات مجهولة؟

مناخ انهيار الثقة

جاءت الحكومة في مناخ من انعدام الثقة التامّ بين مكونات المشهد السياسي التونسي، وبين رؤوس السلطة التشريعية والتنفيذية، حيث الجميع يتربص بالجميع.

مناخ انعدام الثقة صار سمة غالبة على العملية السياسية، وقد ترسخ بعد إسقاط حكومة الجملي (النهضة)، ثم بعدما تبين أن الفخفاخ قد استفاد من موقعه ليلعب دوراً في محاولة سحب الثقة من رئيس البرلمان (رئيس النهضة)، والتحالف ضده مع الفاشية التجمعية. في مثل هذا المناخ من سيثق بمن لتكون هناك حكومة قادرة على العمل؟

الشفقة على حال البلد قد لا تكون كافية لكي يتحمل البرلمان تمرير هذه الحكومة، فهذه الشفقة أو "حديث المصلحة الوطنية" صار حديثاً باطلاً، لأنه يُستعمل دوماً ضد إرادة الناخبين، والقائلون به دوما هم من يحدّث الأزمة ويفرض حديث المصلحة ليجني منه مكاسب في الطريق، لأن السؤال الذي يحقّ لكثيرين طرحه هو: أين كانت المصلحة الوطنية يوم إسقاط حكومة الجملي المستندة فعلاً إلى نتائج الانتخابات؟ ألم تكُن الأزمة الاقتصادية حينها في وضع يمكن تعديله والتقدم به نحو وضع أفضل؟

في هذا المناخ الجميع ينتظر موقف الأحزاب في البرلمان وقرارها تمرير الحكومة، والجميع يبني سيناريوهات لا نجد فيها الحد الأدنى من الثقة.

البرلمان المقسَّم حزبياً لن يقدّم هدية للرئيس (الذي فرض حكومة على البرلمان من خارج الأحزاب)، هدية قد تثبت صواب رأيه فيها. فالقبول (التصديق) هنا يعني أن تلغي الأحزاب دورها وتتحول إلى نسخة من برلمانات بن علي تتلقى أوامر الرئيس وتصدّق بصمت. وإذا فعلت ذلك فكأنما حررت شهادة وفاتها السياسية بإرادتها.

فضلاً عن ذلك فإن رفض الحكومة من قبل البرلمان، ولو تم بإجماع حزبي داخله، فإن ذلك لن يؤدي إلى مناخ ثقة بينها، بل إن توجُّس بعضها من بعض كان ورقة استخدمها الرئيس لكي يفرض حكومته، وهم لا يزالون على عداء بعضهم لبعض داخل البرلمان.

سيناريوهات الإسقاط فيها نوعان، إسقاط الحكومة قبل التصديق (أي رفضها)، وسيناريو إسقاطها بعد التصديق (ليلاحظ القارئ أن حديث الإسقاط سبق حديث الإنجاز المتوقع من الحكومة).

في سيناريو الإسقاط القبلي سيمدّد لحكومة تسيير الأعمال الحالية (الفخفاخ)، وهو قد صار عدوّاً مُعلَناً لحزب النهضة، ولقلب تونس، فضلاً على أنه يصادق حزب التيار الذي ناصب النهضة العداء (الأغلبية البرلمانية التي تماسكت في حفظ مكانة الغنوشي في البرلمان).

في صورة الإسقاط البعدي (أي بعد التصديق) فان ذلك يعني وضع الحكومة تحت ضغط الشارع والبرلمان والأحزاب المطرودة التي ستتساوى في رغبتها في إسقاط الحكومة لتعود عبر صندوق الاقتراع.

لأن إسقاط هذه الحكومة يعني حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات. ويعني، وهذا مهمّ عند من ناصبهم الرئيس العداء، إسقاط خيار التكنوقراط وإعادة خيار الحكومات السياسية، وفوق ذلك استعادة السلطة التنفيذية الحقيقية من الرئيس الذي خالف الدستور.

حكومة صفر ثقة

قد يكون السيد المشيشي موظفاً ناجحاً، لكن هل يؤهله ذلك لقيادة البلد؟ هذا سؤال يتردد منذ تم تكليفه. وقد توسّع السؤال إلى بقية الأسماء التي طرحها في حكومته، فكلها أسماء مجهولة لإداريين استُخرجوا من مكاتبهم على مكاتب الوزارة، حتى إن البعض سماها حكومة الترقيات المهنية.

ولكن خبرته ليست محل رفض مطلق من قطاعات واسعة من الموظفين وأبناء الإدارة (أو التكنوقراط)، لكن هؤلاء ليسوا في وضع عسير اقتصادياً، فهم يعيشون بضمان الدولة لرواتبهم ومكانتهم الاجتماعية.

المشكل الاقتصادي موجود في مواقع أخرى، كمواقع إنتاج الفوسفات، والنفط، ومشكلات فلاحة تونسية معطلة، وأسواق داخلية خاضعة للمافيا، وشبكة تصنيع متوقفة بفعل الركود العامّ الذي خلقه وباء كورونا. وهذه مشكلات تُحَلّ بالسياسة لا بالحاسوب الجديد الذي يوضع على ذمة الوزير.

الفئات الاجتماعية الواسعة التي تنتظر إنجازات الحكومة ليست معنيَّة بمقدار معرفة الوزير بالقانون الإداري، بل بقدرته على التفاوض في القاع الاجتماعي، وإيجاد حلول سريعة لمعاناتهم، بخاصة أن الأحزاب المطرودة من السياسة ستكون في موقع مريح للمزايدة والتحريض وضمان موافقة النقابة على الحكومة، وزرع وزير في صفوفها (الشؤون الاجتماعية) لن يكون كافياً لإلجام الاحتجاج.

وخطاب ترذيل الأحزاب لن يكون في صالح الحكومة، لأنها ستتخلى عنها وتشمت بحالها لتسرع بسقوطها، مع احتمال كبير أن تسنّ قوانين مستحيلة التنفيذ على حكومة بلا سند برلماني، ثم تشهد الشعب المتنمر على عجز الحكومة، مثل قانون تشغيل الخريجين المعطلين لأكثر من عشر سنوات.

باختصار، سيناريوهات كثيرة سببها الرئيسي مناخ الثقة المنعدمة بين مؤسسات الدولة والنخب السياسية. ولكن الحلول التي فرضها الرئيس بتمسكه بعهدة التكليف خرّبَت الحد الأدنى المتاح للعمل، وهي بصدد وضع البلد على شفا جرف هار.

إنها حكومة صفر ثقة، ونعتقد أن هذا الوصف كافٍ لنحدّد معالمها ومستقبلها وقدرتها قبل ذهابها إلى البرلمان في أول شهر تسعة.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً