الرئيسين الأمريكي جو بايدين (يمين) والتركي رجب طيب أردوغان (يسار) (Others)
تابعنا

سيكون هذا اللقاء الثاني من نوعه وجهاً لوجه بين الرئيسين التركي والأمريكي، إذ التقيا في يونيو/حزيران الماضي على هامش قمة زعماء حلف شمال الأطلسي "ناتو" في بروكسل.

كان اللقاء الأخير بين أردوغان وبايدن في بروكسل مثمراً وشاملاً وإيجابيّاً، حسبما صرح الرئيسان بنفسيهما، وكان ملف أفغانستان والحديث عن دور تركيا في إدارة مطار العاصمة كابل المحور الأبرز لذلك اللقاء، وكان من اللافت تركيز اللقاء على المواضيع ذات التعاون المشترك، والابتعاد عن ملفات تسببت بأزمات بين البلدين.

لكن مع سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل والإمساك بزمام الأمور في البلاد بشكل كامل، تلاشى النقاش حول إدارة مطار كابل، والتعاون بين تركيا وواشنطن في هذا الخصوص.

ما حدث بعد ذلك هو ضياع فرصة التعاون معاً في هذا الملف، الذي كان من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على ملفات أخرى شائكة بطريقة ما، مع عودة الحديث من جديد عن أزمة صواريخ S-400 ومقاتلات F-35 بين البلدين، إضافة إلى استئناف واشنطن دعمها بصورة أكبر لتنظيمات PYD/YPG الذراع السوري لتنظيم PKK الإرهابي، الشيء الذي أزعج بدوره أنقرة إذ تريد تطهير المناطق المحاذية لحدودها مع سوريا بشكل كامل من هذه التنظيمات الإرهابية.

ونتيجة لذلك خيم جو سلبي على العلاقات بين البلدين في الأيام الأخير، ظهر عبر تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من نيويورك، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، إذ وصف بداية العلاقات مع إدارة بايدن بأنها "لم تكن جيدة"، وأنها لا تبشر بخير.

عقب تلك التصريحات، توجهت العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق نحو العمل على معالجة أزمة مقاتلات F-35 الأمريكية، عقب استبعاد تركيا من برنامج تصنيع هذه المقاتلة بعد أن كانت ضمن شركائه واستثمرت لهذا الغرض مبلغ مليار و400 مليون دولار.

التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أقار نظيره الأمريكي لويد جيمس أوستن، في العاصمة البلجيكية بروكسل، على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو، وبحث الوزيران ملف المقاتلات وسبل حلّه، كما اتفقا على ضرورة عقد اجتماع مفصّل من أجل وضع جدول أعمال إيجابي قبل قمة مجموعة العشرين، بمعنى آخر، تهيئة الأجواء قُبيل لقاء أردوغان وبايدن.

الملفات الشائكة

بالطبع حين الحديث عن لقاء جديد بين أردوغان وبايدن، فلا بد أن نعلم بأنه سيكون لقاءً معقداً ومهمّاً للغاية في الوقت ذاته، ظروفه تختلف تماماً عن ظروف توقيت لقاء بروكسل في يونيو/حزيران، الذي كان إيجابيّاً.

العديد من الملفات الشائكة تنتظر هذا اللقاء، وسيكون له دور كبير في تشكيل معالم المرحلة المقبلة من جهة، ورسم ملامح حلول هذه الملفات من جهة أخرى.

وحين الحديث عن أزمة مقاتلات F-35 الأمريكية، علينا أن لا ننسى أيضاً مسألة دعم تنظيمات PYD/YPG الذراع السورية لتنظيم PKK الإرهابي، وحديث أنقرة مؤخراً عن عزمها شن عملية عسكرية ضد تلك التنظيمات شمال شرقيّ سوريا.

على الرغم من أن ملف مقاتلات F-35 الأمريكية سيكون له النصيب الأكبر من لقاء أردوغان وبايدن القادم، فإن ملف دعم واشنطن لهذه التنظيمات في سوريا سيحتلّ دوراً مهمّاً خلال المحادثات.

فقد حذّر أردوغان من أن أنقرة في حال لم تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وروسيا في هذا الخصوص، ستقوم بما يلزم هناك بنفسها، ولذلك نقول إن هذا اللقاء سيلعب دوراً في تشكيل المرحلة المقبلة، لا سيما إذا أصرّت الولايات المتحدة على دعم تلك التنظيمات من جديد وعدم الاكتراث بما يصدر عن هذه التنظيمات من تهديد للأمن القومي التركي.

ثلاثة خيارات لحلّ الأزمة

ملف مقاتلات F-35 الأمريكية هو الأهمّ في الوقت الحالي وهو الذي يشهد الزخم الأكبر، ويتجلى ذلك في التصريحات الصادرة عن الخارجيتين الأمريكية والتركية على حد سواء، وبالتالي يمكن القول إنه سيحصل على حصة الأسد من لقاء أردوغان وبايدن القادم.

ولذلك نجد أن السلك الدبلوماسي والسلك العسكري في كلا البلدين، يخوضان محادثات ثنائية منفصلة للبحث عن حلول لهذه الأزمة.

ومن المعلوم أن الخارجية الأمريكية كشفت عن العرض الذي تقدمت به واشنطن لأنقرة، لشراء طائرات من طراز F-16 مقابل الأموال التي دفعتها تركيا في إطار برنامج F-35، البالغة قيمتها ملياراً و400 مليون دولار.

ومن اللافت أن أنقرة تنظر إلى هذا العرض باهتمام، لا سيما مع انعدام إمكانية العودة إلى برنامج مقاتلات F-35 من جديد. وبما أن الحصول على صفقة مقاتلات من هذا الطراز يبدو مستحيلاً أيضاً على المدى القريب، فالخيار الوحيد إذاً هو استرجاع المبلغ الذي استثمرته في برنامج هذه المقاتلات.

وهذا قد بدا واضحاً على لسان المتحدث باسم الخارجية التركية تانجو بيلغيتش، إذ قال إن لحل هذه الأزمة 3 خيارات، وهي العودة إلى برنامج المقاتلات من جديد، أو الحصول على المقاتلات التي وُعدت بها أنقرة، أو استعادة الأموال التي دفعتها.

إذاً الخيار المنطقي الذي يمكن تطبيقه هو استعادة الأموال، ويمكن أن يتم عبر استعادة الأموال ذاتها، أو من خلال حصول تركيا على مقاتلات من طراز F-16 بقيمة تلك الأموال، لا سيما وأن تركيا أبدت رغبتها بالفعل في الحصول على هذا النوع من المقاتلات.

لكن مع ذلك، وحسب العديد من وجهات النظر حول هذه النقطة بالذات، فلا يبدو من السهل استعادة الأموال بهذه الصورة، وذلك لسببين: الأول أن المبلغ الذي دفعته أنقرة (مليار و400 مليون دولار) إنما دُفع جزء كبير منه لأجل الشراكة في البرنامج، وحسب العديد من الخبراء الأتراك يصعب استعادة هذا الجزء بالذات، فيما من الممكن استعادة الأموال التي صُرفت على تصنيع الطائرة ذاتها. الأمر الثاني هو أن حصول أنقرة على طائرات F-16 مرتبط بتصديق الكونغرس الأمريكي على ذلك، وليس من المضمون تماماً أن يوافق الكونغرس على ذلك.

ومن هنا يكتسب هذا الملف تعقيده وأهميته التي سيفرضها على لقاء أردوغان مع بايدن الأسبوع القادم، ولا شك أن هذا اللقاء ستكون له الكلمة الفصل في هذا الملف وغيره من ملفات شائكة بين البلدين.

إضافة إلى ما سبق فإننا نتحدث اليوم عن أزمة جديدة، يمكن أن تكون لها تبعات على المدى القريب والمتوسط، كذلك فيما لو تفاقمت، ونتحدث هنا عن البيان المشترك الصادر عن سفراء 10 دول بينها الولايات المتحدة، من أجل إطلاق عثمان كافالا، المتهَم بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة 2016 واتهامات أخرى من بينها محاولة تغيير السلطة بطريقة غير شرعية.

ومن المعلوم أن ردّ أنقرة كان صارماً، بل ومفاجئاً لتلك الدول ذاتها، إذ رفضت الخارجية التركية هذا البيان وأدانته، كما وصفه الرئيس أردوغان بأن هؤلاء السفراء يفتقدون معايير الأدب، وأن تركيا ليست مستعدة للترحيب بهم، بل قال بصراحة إنه وجَّه تعليمات إلى الخارجية باعتبار هؤلاء السفراء وبينهم السفير الأمريكي في أنقرة، بأنهم "أشخاص غير مرغوب بهم".

ومن الطبيعي أن يتناول لقاء أردوغان وبايدن بصورة ما هذه الأزمة، بل لعلها تكون محور اللقاء الأبرز في حال عمدت الخارجية التركية بالفعل إلى طرد هؤلاء السفراء.

في نهاية المطاف، نحن نتحدث عن لقاء مهمّ ومعقَّد في الوقت ذاته، وسيحدّد كما أشرنا ملامح المرحلة القادمة، على المدى القريب على الأقل.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً