صورة تجمع الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتن  / صورة: AP (Alexei Druzhinin/AP)
تابعنا

في الوقت الذي تهدف فيه الولايات المتحدة إلى معاقبة وعزل روسيا بسبب حرب أوكرانيا، وسّعت اهتمامها أيضاً ليشمل إفريقيا لإبعاد موسكو من القارة السمراء والتي تشهد العديد من الاضطرابات. وبينما بدأت روسيا بإنشاء موطئ قدم لها في القارة في السابق، حاولت واشنطن الضغط على الدول الإفريقية لعدم التعامل مع موسكو وإنهاء علاقاتها العسكرية الثنائية معها.

ومع ذلك، فإن النفوذ المالي للصين في القارة، والذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه بديل جذاب لمزيج اللامبالاة المتناقض لسياسة واشنطن، التي تملي سياستها بالقوة الصلبة، يمكن أن يتسارع مرة أخرى ويملأ الفراغ.

يعتبر صراع تيغراي في إثيوبيا علامة واضحة على النفوذ المتعثر للولايات المتحدة في إفريقيا. لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى حكومة إثيوبيا برئاسة أبي أحمد كحليف مهم. ومع ذلك، أثناء فرض عقوبات على أديس أبابا بسبب دورها المزعوم في صراع تيغراي، فشلت واشنطن في توفير الدبلوماسية الكافية لإنهاء الصراع على الرغم من نفوذها في المنطقة.

بعد محادثات السلام بشأن الصراع في أكتوبر، عارضت روسيا والصين بياناً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين عمليات أديس أبابا الحالية في إقليم تيغراي التابع لها، مما يُظهر كيف عززت موسكو وبكين على وجه الخصوص نفوذهما في المنطقة في ظل نفوذ واشنطن المتعثر.

ففي أكثر الصراعات خطورة، والتي يمكن أن تلعب فيها الولايات المتحدة دوراً أكبر، كانت الدبلوماسية الأمريكية قاصرة.

خذ ليبيا على سبيل المثال، حيث مكنت اللامبالاة الواضحة من جانب الولايات المتحدة موسكو من أن تصبح لاعباً مهيمناً في شرق البلاد وحتى بناء علاقات مع الغرب أيضاً.

ومع دق ناقوس الخطر داخل دوائر السياسة الغربية حول احتمال أن تتحدى روسيا والصين النفوذ الأمريكي في إفريقيا، حذر قادة الناتو من أن موسكو وبكين قد يذهببان إلى استخدام "النفوذ الاقتصادي، والإكراه، والأساليب المختلطة لتعزيز مصالحهم في المنطقة". كما قدمت واشنطن مشروع قانون من شأنه أن يعاقب الدول الإفريقية بسبب التعامل مع روسيا، في محاولة للضغط على دول عدم الانحياز في القارة.

افتراضياً، على الأقل بالنسبة للأصوات الأكثر تشدداً في الناتو وواشنطن، فقد تتعاون الصين مع روسيا في أجندتهم الخاصة بإفريقيا. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود أهداف متضاربة لكلا البلدين، إلا أنه يمكن القول بأن تعاون كلا البلدين يعد دليلا على أوجه القصور في واشنطن والسياسات الخارجية للقوى الغربية الأخرى في القارة.

الضغط على روسيا

بينما حققت روسيا بعض الانتصارات الجيوسياسية في إفريقيا منذ اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير/شباط، فإن الجهود المبذولة لمعاقبة موسكو وعزلها أدت، على ما يبدو، إلى تبني سياسات أكثر رجعية من طرف روسيا.

قبل الحرب، كانت موسكو قد عمّقت بالفعل نفوذها في إفريقيا. جاء ذلك وسط "القمة الروسية الإفريقية" الأولى على الإطلاق في سوتشي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث تعهدت روسيا بصفقات تجارية بقيمة 12.5 مليار دولار، بخاصة في مجال الأسلحة والحبوب. إلى جانب مبيعات الأسلحة، عززت مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر النفوذ العسكري لموسكو في القارة، بما في ذلك في ليبيا، إلى جانب السودان ومؤخراً المجالس العسكرية في بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى.

في بداية الحرب في فبراير، كشف تحدي العديد من الدول الإفريقية لإدانة التوغل الروسي في أوكرانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك اقتصادات رائدة مثل الجزائر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، أن العديد من دول القارة منقسمين بين واشنطن وموسكو.

على الرغم من أن الولايات المتحدة حصلت على وعد من بوركينا فاسو بعدم تجنيد مرتزقة روس، فإن العلاقات واضحة. في أكتوبر/تشرين الأول، لوح مؤيدو الانقلاب في بوركينا فاسو بالأعلام الروسية أثناء احتجاجهم بالقرب من السفارة الفرنسية في العاصمة واغادوغو. ووقعت مظاهر دعم مماثلة لروسيا في النيجر في سبتمبر/أيلول حيث شجب المحتجون وجود فرنسا.

بالإضافة إلى ذلك، تحدت دول أخرى واشنطن وتحالفت مع موسكو، بعد أن واجهت ضغوطاً سابقة من الولايات المتحدة. فبعد أن واجهت بالفعل عقوبات سابقة، أعلنت زيمبابوي دعمها القوي لروسيا. كانت جمهورية إفريقيا الوسطى أيضاً مؤيدة بقوة لروسيا، واجتذب اعتمادها للعملات المشفرة في أبريل/نيسان تكهنات بأن هذه السياسة تهدف إلى التحايل على العقوبات الدولية وتنفيذ أعمال تجارية مع روسيا.

في غضون ذلك، التقى الرئيس بوتين ورئيس غينيا بيساو أومارو سيسوكو إمبالو في روسيا في 25 أكتوبر/تشرين الأول، حيث صرح الرئيس السابق أنه يريد شراء سفن حربية وطائرات هليكوبتر روسية، وهو عرض قد تفكر فيه موسكو بجدية.

بكل الأحوال، فقد واجهت طموحات روسيا في إفريقيا نكسات، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى ضغوط الولايات المتحدة على الدول الإفريقية. خذ السودان على سبيل المثال، حيث أُجبرت روسيا على التخلي عن خططها لإنشاء قاعدة بحرية لاستعراض قوتها في البحر الأحمر. علاوة على ذلك، نظراً إلى أن العقوبات كانت عاملاً في منع الدول الإفريقية من شراء أسلحة روسية مثل Su-35s ، فقد اضطر السودان إلى التخلي عن نيته شراء الطائرات المقاتلة الروسية، كما سيمنع ذلك الدول الأخرى من شرائها.

على الرغم من أن نفوذ روسيا قد يكون محدوداً، فإن ضغط واشنطن فتح الباب أمام الصين للدخول وتقديم البدائل. فعلى سبيل المثال في أغسطس/آب، سعى السودان إلى شراء J10s صينية إلى جانب معدات عسكرية أخرى من الصين.

نفوذ الصين المتزايد

مع قدرات روسيا المالية المحدودة، يمكن القول إن الصين تمثل تهديداً أكبر لمصالح الولايات المتحدة الجيوستراتيجية في إفريقيا من تهديد روسيا، على الرغم من تركيز واشنطن على عزل موسكو.

لقد تفوقت بكين بالفعل على كل من موسكو وواشنطن في القارة، وفقاً لمبادرة الحزام والطريق لعام 2013، وهي مشروع تنموي يشمل 70 دولة، فقد ارتفعت مستويات الاستثمار الصيني في البنية التحتية الإفريقية. من بين خطوات بكين قروض منخفضة التكلفة، ومشاريع بنية تحتية واسعة النطاق، بما في ذلك عشرات المباني الحكومية، والتي من شأنها أن تساعد في كسب دعم الدول الإفريقية. في الواقع، عدد قليل جداً من المناطق في إفريقيا لم يتأثر بالاستثمارات الصينية.

في إثيوبيا، حيث صادف نفوذ الولايات المتحدة بوضوح آذاناً صماء، تعد الصين مستثمراً حاسماً. فقد قدمت بكين قروضاً بقيمة 13.7 مليار دولار إلى أديس أبابا في الفترة من 2000 إلى 2019؛ في الفترة نفسها، شهد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إثيوبيا متوسط ​​زيادة سنوية قدرها 9.3%.

وعلى الرغم من أن الصين تراجعت عن دعم إثيوبيا كما كان في السابق، فإن قروض بكين واستثماراتها لن تفتح طرق التجارة واسعة أمام الصين في القارة، ولكن قد تمنح دول القارة مزيداً من الثقة لتحدي واشنطن.

والواقع أن القروض والاستثمارات الصينية المباشرة دون قيود سياسية قد عملت بالفعل على موازنة المساعدات الأمريكية إلى حد كبير، والتي غالباً ما يكون لها شروط سياسية ومطالب أكثر بالشفافية. بعد أن عززت بالفعل قوتها الناعمة في القارة خلال جائحة كوفيد من خلال توفير اللقاحات وغيرها من المعدات، فإن الأزمات الاقتصادية في إفريقيا وسط نقص الغذاء والمواد الأساسية في أعقاب حرب أوكرانيا يمكن أن تجعل المزيد من المساعدات والاستثمارات الصينية تبدو أكثر إغراءً خلال العقد المقبل.

من ناحية أخرى، يعتقد الكثيرون أن ذلك سيجعل العديد من البلدان المتلقية للمساعدات تعتمد على الصين.

وفقًا لمبادرة أبحاث الصين وإفريقيا بجامعة جونز هوبكنز، CARI ، ألغت بكين أكثر من 3.4 مليار دولار من الديون بين عامي 2000 و 2019، كان الكثير منها قروضاً بدون فوائد للبلدان الإفريقية. ومع ذلك، وفقاً للدراسة، أعاد المقرضون الصينيون المملوكون للدولة هيكلة أو إعادة تمويل دول القارة بمبلغ 15 مليار دولار.

الآثار المترتبة على عالم متعدد الأقطاب

بينما يتجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، سيكون أمام إفريقيا بطبيعة الحال المزيد من خيارات التحالف والاستثمار. بشكل حاسم، جادل المعلقون الأفارقة بأن القارة لا ينبغي أن تتأثر بطموحات غربية أو روسية أو صينية، لأن استمرار الهيمنة على شؤونهم الداخلية يمكن أن يضر بالقارة.

سيتعين على الولايات المتحدة أن تتقبل حقيقة أن الصين موجودة لتبقى في إفريقيا. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة في الموارد المالية يمكن لواشنطن وأوروبا أن تملآها باستثمارات حقيقية، مع نشر دبلوماسية أكثر فاعلية في صراعات مثل التيغراي، بدلاً من معاملة الدول الإفريقية على أنها بيادق يجب إبعادها عن روسيا والصين.

على الرغم من سعيها للحفاظ على نظام عالمي أحادي الجانب منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، فقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تقبل الولايات المتحدة حقيقة أنها لم تعد قادرة على اتخاذ القرار دون قيد أو شرط.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي
الأكثر تداولاً