تابعنا
مع سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، بعد أكثر من ثماني سنوات من الهيمنة الجمهورية عليه، سيواجه الجمهوريون عقبات في تمرير الكثير من التشريعات، وسيجبَر الرئيس ترمب على اتخاذ نهج أكثر مرونة وتوازنا مع خصومِه.

منذ فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية للعام 2016 والعالم يشهد موجة من تصاعد الشعبوية والخطاب المعادي للأجانب والأقليات. وقد يكون فوز مرشح أقصى اليمين جايير بولسونارو برئاسة البرازيل في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع الوعود التي قطعها على نفسه بأن يحكم بالكتاب المقدس والدستور وتغيير مصير البلاد، سبباً آخر يؤكد مخاوف المراقبين بشأن مصير الديمقراطية حول العالم. لكن الشعب الأميركي قال كلمته الثلاثاء الماضي 6 نوفمبر/تشرين الثاني في انتخابات التجديد النصفي، ومفادها أن سياسة الرئيس ترامب العنصرية لا تروق لهم، وسوف يواجه بمعارضة شرسة من الديمقراطيين تحد من أجندته اليمينية.

شهدت انتخابات الثلاثاء الماضي إحراز الديمقراطيين لمكاسب كبيرة بفوزهم بـ 223 من مقاعد مجلس النواب مقابل 197 مقعداً للجمهوريين. وتُظهر نظرةٌ سريعة وخاطفة على خريطة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز تحوّلَ الولايات والمقاطعات الانتخابية يميناً أو يساراً هيمنة الموجة الزرقاء المتجهة إلى اليسار -في إشارة إلى الديمقراطيين- على خريطة الولايات المتحدة. تظهر الخريطة تحول317 مقاطعة نحو اليسار، لكن هذا التحول، مع ذلك، يبقى أصغر ممّا كان عليه الحال في عام 2006، وهي المرة الأخيرة التي سيطر فيها الديمقراطيون على مجلس النواب.

تعتبر انتخابات التجديد النصفي بمثابة استفتاء على أداء حزب الرئيس، وهو ما أشار إليه ترامب بقوله بأن الانتخابات "استفتاء على أدائي". ويواجه ترمب، الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة، سلسلة من المشاكل المتعلقة بتدخلات روسيا في انتخابات عام 2016، ورِشىً لإغلاق ملفات فضائح جنسية، وقضايا تهرب ضريبي، فضلاً عن تصريحاته التي سببت انقساماً في الولايات المتحدة والمتعلقة بحظر دخول مواطني دولٍ ذات غالبية مسلمة، وبناء جدار فاصل مع المكسيك وتصريحات ضد السود والنساء.

ومع سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، بعد أكثر من ثماني سنوات من الهيمنة الجمهورية عليه، سيواجه الجمهوريون عقبات في تمرير الكثير من التشريعات، وسيجبَر هذا الرئيس -ترمب- على اتخاذ نهج أكثر مرونة وتوازناً مع خصومِه. ساهم الجدل في الحزب الجمهوري، بسبب أجندة محافظة جداً بخصوص الرعاية الصحية والضرائب، في حدوث انقسام داخلي ممّا دفع المشرعين المعتدلين من الحزب إلى التقاعد، وهذا ما منح الديمقراطيين فرصة ذهبية للفوز من خلال الدفاع عن قانون حماية المريض والرعاية الميسرة الذي يخشى الكثيرون إلغاءه.

لكن نتائج مجلس الشيوخ تزيد من تعقيد المشهد، فقد فاز الجمهوريون بـ51 مقعداً مقابل 46 مقعداً للديمقراطيين، وهذا يعني أنهم لن يكونوا قادرين على وقف سلطات ترمب في ترشيح الوزراء والسفراء وقضاة المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف الاتحادية، وهي من اختصاصات مجلس الشيوخ حصراً، في السنتين القادمتين، وهذا ما تمنحه اليد العليا في تثبيت مئات القضاة المحافظين في عموم البلاد، في خضم انخفاض تأثيرِ ديمقراطيي مجلس الشيوخ.

جعل ترمب الانتخابات تدور حول شخصه، وكان يقول بأن التصويت لصالح هذا المرشح بمثابة تصويت لي.

غيث هدايا

وفي هذا الصدد قال لي غيث هدايا، الأميركي العراقي والناخب في ولاية نيويورك بأن هذه الانتخابات "لم تكن بمثابة تسونامي أزرق (ديمقراطي) كما كنا نتصور، لكن هذا الفوز الديمقراطي في مجلس النواب سيجعل السنتين القادمتين صعبتين للغاية بالنسبة لترمب. لترمب جدول أعمال تشريعية وسوف يعني هذا تغيير الكثير من القوانين المهمة وتأخير تحقيق الوعود التي قدمها إلى ناخبيه.بالإضافة إلى ذلك، سوف يتشجع الديمقراطيون الآن لفتح المزيد من التحقيقات في جميع فضائح ترمب، وأقصد هنا فضائحه وصفقاته المالية والضرائب وتلك المرتبطة بمؤسسة ترمب. لن يتمكن الجمهوريون الآن من وقف أوامر الاستدعاء التي سيصدرها الديمقراطيون".

وأضاف هدايا، "إنه تغيير كبير لكنه ليس جسيماً حتى الآن، إنه يخبرك عن كيفية تحول البلاد نحو العنصرية. فقد جعل ترمب الانتخابات تدور حول شخصه، وكان يقول بأن التصويت لصالح هذا المرشح بمثابة تصويت لي. نحن نأمل في أن تتغير الأمور في العامين المقبلين من أجل خير هذه البلاد".

مع ذلك، يمكن أن تكون هذه الحالة من التوازنات ميزة للانتخابات الأميركية، حيث أن مجلس النواب غالباً ما يضمن "عدم تجاهل أصوات الغالبية لوقتٍ طويل" من خلال تكرار الانتخابات كل عامين لتكون بمثابة وسيلة لجس نبض المواطنين كل فترة، في حين أن مجلس الشيوخ يضمن "عدم تفوق الأغلبية على صوت الأقلية بشكل كبير". يمكن القول إن هذا النظام الانتخابي، منذ أيام الآباء المؤسسين، مصمم لمراقبة نفسه بنفسه وضمان حقوق كافة المواطنين.

على أي حال، يمكن أن تعكس هذه الانتخابات ردة فعل الجمهور حيال خطاب ترمب في فترة الانتخابات وبعد فوزه بالرئاسة.

لقد جلب خطاب ترامب أشباح ماضٍ كنا نعتقد بأننا تخلصنا منه، بتصريحاته ضد النساء، وطريقة التحدث عنهن وعن الأميركيين السود والمسلمين.

جاكوب فيرتشافتر

وقد قال لي جاكوب فيرتشافتر، الصحافي الأميركي والناخب الديمقراطي المقيم في القاهرة، "الأمر لا يتعلق بترمب، الأمر يتعلق بطبيعة الولايات المتحدة كبلاد. هناك صراع بالطبع، ولكنها ليست نقطة تحول تاريخية، لا نزال في ذات النقطة التاريخية حتى الآن. تعتبر الولايات المتحدة من أعظم الديمقراطيات، لكن هذه الانتخابات تظهر أنه لا يزال هناك تساؤل حول طبيعة الحقوق للمواطنين ومن يمكنه الحصول على هذه الحقوق".

وأضاف،"معظم الناس غير سعداء برئاسة ترمب، ولم تصوّت له الأغلبية بطبيعة الحال في عام 2016. لقد جلب خطابه أشباح ماضٍ كنا نعتقد بأننا تخلصنا منه، من خلال تصريحاته ضد النساء، وطريقة التحدث عنهن وعن الأميركيين السود والمسلمين وحتى اليهود. هناك تصاعد لمعاداة السامية في عهده، وهذا أمر مزعج للأميركان اليهود. لقد أظهرت هذه الانتخابات أن 40% من الشعب لا يزال يتألف من البيض المحافظين والعنصريين".

يطمح فيرتشافتر في تحقق المزيد في المستقبل للتخلص من أشباح الماضي، وهو ما يراه آيدن يعقوبي، الناخب الأميركي العراقي الأصل في ولاية ميتشيغان ممكن التحقيق من خلال إرسال الناخبين لرسائل قوية إلى ترمب في موسم الانتخابات النصفية العامة.

قال،"قبل الانتخابات، كان الجمهوريون يسيطرون على البيت الأبيض وغرفتي الكونغرس كلتيهما (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) وهو أمر لم يتحقق لأي حزب بأن يسيطر على الجهاز التنفيذي وجناحي الجهاز التشريعي منذ عام 1929. إذ كان للجمهوريين أغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ بلغت 51 مقعداً مقابل 47 مقعداً للديمقراطيين ومقعدين فقط للمستقلين؛ كما كان للجمهوريين أغلبية مريحة في مجلس النواب بلغت 235 مقعداً مقابل 193 للديمقراطيين. لكن الانتخابات النصفية الأخيرة قلبت الطاولة جزئياً على الجمهوريين: إذ اكتسح الديمقراطيون بأغلبية مريحة في مجلس النواب وانعكست الأرقام تقريباً".

فقد حققت النساء نتائج تاريخية غير مسبوقة، بانتزاع 120من النساء لمقاعد في غرفتي الكونغرس.

آيدن يعقوبي

وعن ولايته ميتشيغان، والتي حملت ترمب إلى البيت الأبيض عام 2016، يقول يعقوبي، "لقد عادت ميتشيغان لدعم الديمقراطيين بقوة مؤثرة في هذا الموسم. لقد فقد الجمهوريون منصبَي حاكم الولاية وسكرتير الولاية ومناصب تشريعية أخرى لصالح الديمقراطيين. وساهمت الولاية بإرسال أول عربية مسلمة إلى الكونغرس في تاريخ الولايات المتحدة، ولا عجب أن الغالبية الساحقة من ناخبي السيدة رشيدة طليب، الأميركية الفلسطينية الأصل، كانوا من الأميركيين السود".

يعبر السيد يعقوبي، عن تفاؤله بنتائج هذه الانتخابات وطمأنتها للأقليات، حيث قال، "كان للموجة الزرقاء، كما يسميها أنصار الحزب الديمقراطي، صدى واسع في تكريس قيم التعددية في عموم الولايات المتحدة. فقد حققت النساء نتائج تاريخية غير مسبوقة، بانتزاع 120من النساء لمقاعد في غرفتي الكونغرس (98 امرأة في مجلس النواب، و22 امرأة في مجلس الشيوخ). ونجحت ولاية ماساتشوستس في انتخاب أول امرأة سوداء، وولايتا مينيسوتا وميتشيغان نجحتا في انتخاب أول امرأتين مسلمتين، وولايتا نيو ميكسيكو وكنساس نجحتا في انتخاب أول امرأتين من الأميركان الأصليين-وغالبية هؤلاء النساء أعضاء في الحزب الديمقراطي. كما نجحت ولاية كولورادو في انتخاب أول مثلي جنسي ليكون حاكماً لها، وبذلك يكون أول حاكم مثلي الجنس لولاية أميركية في تاريخ البلاد".

وبإضافة أول امرأتين من أصول لاتينية في مجلس النواب عن تكساس، يمكن أن يكون هذا السجل القياسي من "الأوائل" في هذه الانتخابات بمثابة رفض صريح من قبل الشعب الأميركي لتصريحات ترمب وخطابه المحافظ والمعادي للنساء والأقليات والمثليين.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي

TRT عربي
الأكثر تداولاً