تابعنا
كان الصدام بين الرئيس الأمريكي ترمب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون متوقَّعاً للدوائر القريبة من البيت الأبيض بسبب الخلافات الواضحة بينهما، والخلافات بين بولتون وباقي أعضاء فريق الأمن القومي من ناحية أخرى.

ولكن التوقيت كان غير متوقَّع، إذ يأتي قبل أيام من مشاركة الرئيس ترمب في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يعقد عديداً من الاجتماعات الثنائية مع رؤساء الدول، وهي لقاءات عادة ما يلعب مستشار الأمن القومي دوراً هامّاً في التحضير لها.

لذلك جاء قرار الرئيس ترمب طرد مستشاره للأمن القومي مفاجئاً لكثير من المراقبين، بخاصة أن بولتون ثالث مستشار أمن قومي يُخرِجه الرئيس ترمب من الخدمة. 

وفي أول تصريح من الرئيس للصحفيين في البيت الأبيض بعد إبعاد بولتون بيوم واحد، قال ترمب يوم الأربعاء إن بولتون ارتكب أخطاء كثيرة، وأشار إلى أن أهمها هو "عندما تحدث بولتون عن أن النموذج الليبي يجب أن يطبَّق على المفاوضات مع كوريا الشمالية، وهو الأمر الذي انتهى بقتل الزعيم الليبي".

ولام الرئيس ترمب بولتون على هذا التصريح الذي عده السبب في فشل مفاوضاته مع الزعيم الكوري الشمالي. وأعرب عن تفهمه موقف كيم جونغ أون الرافض لتصريحات بولتون.

أما القضية التي فجرت الخلاف بين الرئيس ترمب وجون بولتون والتي أدت بدورها إلى طرده فقد كانت المباحثات السرية بين إدارة ترمب وحركة طالبان حول تخفيض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، وهي المفاوضات التي عارضها بولتون لرفضه تخفيض عدد القوات الأمريكية هناك. فاستبعده الرئيس ترمب من اجتماع سري هام في البيت الأبيض في الحادي والثلاثين من الشهر المنصرم لبحث تفاصيل الاتفاق الذي توصل إليه المفاوضون الأمريكيون مع ممثلين لحركة طالبان.

وفضلاً عن ذلك، دعا الرئيس ترمب ممثلين لحركة طالبان لعقد اجتماع معه في المنتجع الرئاسي في كامب ديفيد قبل يومين فقط من ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية ضدّ نيويورك وواشنطن. فاعترض بولتون بشدة على المكان وعلى التوقيت في اجتماع جمعه مع الرئيس ترمب في المكتب البيضاوي مساء الاثنين، فتخلص الرئيس ترمب من مستشاره للأمن القومي على أثر ذلك فوراً. 

ولم تكن تصريحات بولتون النارية والمستفزة تنحصر في ما يتعلق بالنموذج الليبي، بل كان له تصريح آخر في أثناء زيارته أنقرة عند بحث إقامة منطقة آمنة على الحدود التركية-السورية في يناير الماضي، إذ طالب بولتون بضمان أمن وحدات حماية الشعب التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية، واحتجّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تصريحات بولتون واعتبرها خطأً لا يمكن السكوت عنه.

ويتعلق أهمّ خلاف بين الرئيس ترمب ومستشاره للأمن القومي بالسياسة الأمريكية حول إيران وبرنامجها النووي. ويبدو أن إبعاد جون بولتون، أهم صقور الإدارة الحالية والأكثر تشدُّداً تجاه الملف النووي الإيراني، يفتح الباب مرة أخرى أمام القمة المحتملة بين الرئيس دونالد ترمب والرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة على مستوى الرؤساء.

فقد كان جون بولتون أكثر المعارضين لهذه القمة، كما أنه يعارض أي تخفيض للعقوبات الاقتصادية ضدّ أيران. وفي مساء الأربعاء، بعد يوم واحد من إبعاد بولتون، رفض الرئيس ترمب في البيت الأبيض نفي أنه يفكّر في تخفيض العقوبات الاقتصادية على أيران حتى يزيد فرص عقد لقاء قمة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة. 

وردّاً على سؤال حول إمكانية تخفيف "حملات الضغط القصوى" على إيران، أجاب الرئيس ترمب: "سنرى ماذا سيحدث". وعندما سُئِلَ إن كان يعمل على ترتيب ما لعقد لقاء قمة مع الرئيس الإيراني نفى ذلك أيضا قائلاً إنه لا يرتب أي شيء، وأكّد أن إيران تريد التفاوض بعد تدهور وضعها الاقتصادي بسبب العقوبات الاقتصادية. 

وأضاف "هم يريدون التفاوض الآن، وإذا توصلنا إلى صفقة فهذا أمر جيد، وإذا لم نصل إلى اتفاق فهذا أمر جيد أيضاً". ثم تطرق الرئيس ترمب إلى مغازلة إيران موضحاً أن أمامها مستقبلا باهراً إذا توصلت إلى اتفاق جديد يمنعها من امتلاك السلاح النووي.

وتعكس هذه التصريحات أن الرئيس ترمب يفكر بالفعل في عقد قمة مع الرئيس روحاني، ولكنه لا يصرّح بذلك بسبب المقاومة الشديدة لهذه القمة ضمن قاعدته الحزبية التي تدعم إسرائيل.

لذلك يبقى الباب مفتوحاً حول مستقبل السياسية الخارجية لإدارة الرئيس ترمب بعد خروج بولتون، هل ستشهد مزيداً من التشدُّد أم من الانفتاح؟ قد تتضح معالمها أكثر عندما يتأكد الاسم الذي سوف يخلفه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

 جون بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزوران موقعًا عسكريّاً قديمًا يطل على غور الأردن في الضفة الغربية 23 يونيو 2019 (Reuters)
TRT عربي
الأكثر تداولاً