تابعنا
منبع القلق لدى النظام المصري يأتي على خلفية المواقف التي ربما يتبناها جو بايدن وإدارته حيال فوزه، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، وعلاقتها بالحكومات والأنظمة العربية الحالية.

أشارت ورقة بحثية نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب إلى أن النظام المصري الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي يعيش حالة من القلق إذا ما خسر دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية القادمة أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن.

منبع القلق لدى النظام المصري يأتي على خلفية المواقف التي ربما يتبناها جو بايدن وإدارته حيال فوزه، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، وعلاقتها بالحكومات والأنظمة العربية الحالية.

النظام المصري يرى أن جو بايدن كرئيس سيكون نسخة معدلة من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والذي لم يكن على وفاق كبير مع عبد الفتاح السيسي، ولم يدعه ولو لمرة واحدة لزيارة البيت الأبيض طيلة فترة حكمه.

وفي الثاني عشر من شهر يوليو/تموز الماضي نشر المرشح الديمقراطي جو بايدن تغريدة عبر حسابه على تويتر قال فيها: "لن يكون هناك مزيد من الشيكات البيضاء التي نقدمها لديكتاتور ترمب المفضل".

التغريدة حملت لهجة حادة للغاية من بايدن، ووجهت رسائل قوية للنظام المصري وعلى رأسه السيسي، مفادها أن الصورة لن تكون كما كانت فترة رئاسة ترمب، وأن القادم ربما سيكون أسوأ بكثير على السيسي ونظامه إذا ما استمر في سياساته التي لا تحترم حقوق الإنسان، ولا تكترث للمناشدات المستمرة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

تغريدة جو بايدن جاءت بالتزامن مع إطلاق سراح المواطن الأمريكي المصري محمد عماشة، ووصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتقاله من قبل السلطات المصرية على خلفية رفعه ورقة كتب عليها "الحرية لجميع السجناء".

من خلال متابعتي للإعلام المصري في الأسابيع الماضية، أستطيع القول إن النظام المصري بدأ يعد العدة لطريقة التعاطي مع جو بايدن في حالة فوزه، على سبيل المثال خرج الإعلامي المقرب من نظام السيسي أحمد موسى ليتهم جو بايدن بأنه مرشح مدعوم من قبل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وبأن الأموال القطرية هي الممول الرئيسي لحملته الانتخابية.

هذه الاتهامات والدعاية السوداء هي نفسها التي استخدمتها وسائل الإعلام المصرية المقربة من السيسي منذ اليوم الأول لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وإدارته في البيت الأبيض، فقد وصفوه بأنه الداعم الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين، وبأن شقيقه هو قيادي كبير في التنظيم الدولي للجماعة.

بهذه الطريقة يحاول الإعلام المصري الذي لا يتحرك إلا بأوامر السيسي ونظامه أن يقول للجميع إن جو بايدن هو جماعة الإخوان، وإنه يمثل خطراً كبيراً على مصر ونظامها.

بلا شك أن الديمقراطيين وإدارة أوباما قد أيدوا حراك الشعب المصري في مرحلة متأخرة من ثورة يناير 2011، وربما لم يتعلق الأمر بدعم حراك الشعب المصري وإنما استجابة لرغبة الجيش المصري في إبعاد جمال مبارك عن رئاسة مصر وإيقاف سيناريو التوريث، ولكن بعد مرور عشر سنوات الآن على ثورة يناير تجد الإعلام المصري وكثيراً من المحللين السياسيين المقربين من نظام السيسي يتحدثون عن دعم أوباما والديمقراطيين لما أسموه "المؤامرة" على مصر ونشر سيناريو الفوضى في البلاد.

في لقاء تلفزيوني مع أحد المحللين السياسيين المحسوبين على نظام السيسي الأسبوع الماضي قال نصاً إن فوز جو بايدن يعني بالنسبة إلى مصر عودة الفوضى في البلاد، وتوفير الدعم لمن تآمروا على مصر في ثورة يناير، وإن الديمقراطيين من أكبر الداعمين للإسلام السياسي في مصر. من خلال هذا التحليل يمكن فهم حقيقة خوف نظام السيسي من خسارة دونالد ترمب في الانتخابات المقبلة.

ما عزز من حالة القلق لدى نظام السيسي في الأيام الماضية ثلاثة مشاهد. الأول كان خطاباً أرسله ستة وخمسون مشرعاً أمريكياً في الكونغرس الأمريكي إلى عبد الفتاح السيسي طالبوه من خلاله بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وعدم انتظار إعدامهم نتيجة كورونا داخل الزنازين، كما طالبوه أيضاً باحترام حقوق الإنسان والتوقف عن ممارسة الانتهاكات المستمرة.

المشهد الثاني كان خطاباً آخر حمل توقيع مئتين واثنين وعشرين نائباً في البرلمان الأوروبي، وحمل في طياته رسائل مماثلة للخطاب الأمريكي من ضرورة احترام السيسي ونظامه لحقوق الإنسان والإفراج الفوري عن المعتقلين. تزامن الخطابين أثار علامات استفهام كبيرة عن المغزى من وراء تلك الخطابات في هذا التوقيت تحديداً، فعلى الرغم من تقدم جو بايدن في كل استطلاعات الرأي الأمريكية حتى الآن فإن تحركاً كهذا من الكونغرس الأمريكي ونواب في البرلمان الأوروبي قد دفع البعض إلى التكهن بالحالة السيئة التي سيعيشها نظام السيسي في حالة فوز جو بايدن.

المشهد الثالث والذي يرفع من حالة القلق لدى السيسي ونظامه هو تصريحات الرئيس دونالد ترمب حول أزمة سد النهضة. ترمب أشار إلى نفاد الخيارات لدى مصر ولوح بذهاب السيسي ونظامه إلى الحل العسكري، وتوجيه ضربة إلى سد النهضة بعد ضياع حصة المصريين من مياه النيل. هذه التصريحات جاءت وكأن ترمب يرفع يده عن الأمر ويعلن فشل الوساطة الأمريكية وانتهاء المفاوضات، وكأنه يضع السيسي في مواجهة نفسه وشعبه أمام هذه الأزمة الكبيرة.

فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية ربما لا يعني بطبيعة الحال رحيل نظام السيسي، ولكن ربما تحدث انفراجة ما في ملف حقوق الإنسان والمصالحة الأهلية، وذلك تحت ضغوط من الإدارة الأمريكية الجديدة التي قد تمارسها على النظام المصري.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً