تابعنا
اختطف مخطط التطبيع أربع دول عربية خلال نهايات عام 2020، ويكاد يختطف دولة إسلامية خامسة قبل أن يسلم الرئيس الأمريكي الخاسر بالانتخابات دفة الحكم إلى جو بايدن.

وشكلت هذه الاتفاقات التي ارتقت إلى مستوى التحالف مع إسرائيل انتكاسات على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، وضربت عرض الحائط بثوابت الأمة التي لا ترى في إسرائيل إلا عدوة وغاصبة لأرض فلسطين. كما أنها كشفت المستور في العلاقات التاريخية للأنظمة المطبعة مع إسرائيل، وفضحت ما كان خافياً من تآمر هذه الأنظمة على قضية فلسطين بل وعلى شعوبها والقوى الحية فيها.

فشل متنامٍ للثورات المضادة

جاءت الهرولة نحو إسرائيل بعد تمكن دول الثورات المضادة من إحباط الربيع العربي في كل من مصر وسوريا واليمن وليبيا، ومحاصرة أو استيعاب وتحجيم الإسلام السياسي في عدد من الدول العربية.

صحيح أن الربيع العربي لم يشمل الدول التي تآمرت عليه ولا الدول التي طبعت مع إسرائيل، ولكنه كان سيمتد إلى هذه الدول لو نجح في مصر وسوريا وليبيا واليمن، أو على الأقل سيفضح هذه الدول ويحبط مخططاتها التي انكشفت للعيان مؤخراً.

فهل يعني ما سبق أن هذه الأنظمة نجحت في تنفيذ مخططاتها وتمكنت من إجهاض روح الثورة وترويض الشعوب لتقبل خيانة التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني؟

لا شك أن هذه الدول حققت نجاحات بدأت بإجهاض أهم وأكبر ثورة في العالم العربي، عبر تمكين نظام العسكر في مصر بعد تنفيذ مجازر وحملة اعتقالات وترهيب أدت إلى تفكيك وتفتيت تنظيم الإخوان كقيادة للمعارضة.

وتبع ذلك إجهاض الثورة الليبية عبر المنشق حفتر، وتفتيت المعارضة السورية وضربها وإفسادها من الداخل متزامناً مع التدخل الإيراني والروسي لإسناد النظام الذي كان على وشك الانهيار.

ولكن كل ذلك لم يؤد إلى تثبيت أنظمة أو شخصيات وأحزاب الانقلاب في أماكنها، ففي مصر يواجه نظام السيسي فشلاً على الصعيد السياسي تمثل بالعجز في مواجهة استئثار إثيوبيا بمياه النيل وما يشكله ذلك من خطر استراتيجي على مصر، فيما تدهورت الأوضاع الاقتصادية وتفشت البطالة وازداد تذمر الناس من هذه الأوضاع المتردية، خصوصاً مع استمرار انتهاك حريات الناس واستفزاز الحكومة لهم عبر الاعتقالات والبطش والتنكيل بالمعارضين، بل وحتى قمع الأصوات المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية، والاعتداء على ممتلكات المصريين بحجة مخالفة البناء وغير ذلك من الاستفزازات والانتهاكات التي تجعل مصر على صفيح ساخن قابل للانفجار في أي لحظة.

وحتى مع ضعف وتشتت المعارضة، فإن الأجواء التي مهدت للثورة الشعبية في 2011 هي نفسها موجودة الآن وتحفز تحركات جماهيرية بحتة تتجاوز الانتماء الحزبي.

وفي ليبيا تلقى الجنرال المنشق المدعوم من دول الضد هزائم كبيرة، وتم إحباط مخططه للسيطرة على طرابلس بعد التدخل التركي الذي أنعش قوى الثورة المنضوية أو المساندة لحكومة الوفاق الوطني.

وعلى الرغم من هزيمة المعارضة في سوريا على يد النظام السوري وحلفائه، فإن هذا الأخير يعاني من هزيمة وتفكك داخلي سياسي وعسكري، يضرب في العمق تعويل إيران عليه ويدفع روسيا إلى التفكير في بديل له وإنجاز مصالحة سيكون للمعارضة السورية المدعومة من تركيا نصيب فيها. فيما لا تزال عوامل الفساد والفشل الاقتصادي تحفز انطلاق تحركات جماهيرية غاضبة.

أما في اليمن فقد تقاطعت مصالح إيران ودول الضد في البداية لضرب الحراك فيها قبل أن تتضارب مصالحهما، ليصبح الشعب اليمني مستهدفاً من الطرفين.

ويبدو أن التحالف العربي فشل في هزيمة الحوثيين الذين بدورهم لن يتمكنوا من حكم اليمن، وسيظل للإسلام السياسي دوره المهم في بلد لن يستقر له حال حتى يقول الشعب كلمته.

وأما في المغرب، ورغم نجاح نظام المخزن في تطويع حزب العدالة لمباركة التطبيع، فإن قيادة هذا الحزب ستدفع ثمناً غالياً لخطيئتها وسيبقى الشعب المغربي في عمومه مناهضاً للتطبيع ومحباً لفلسطين. وستدفع هرولة النظام للتطبيع بتحركات جماهيرية ساخطة تحبط مخططه لتحجيم الحراك الجماهيري.

وفي تونس يشكل الإسلاميون التركيبة الأساسية في الحكم، واستطاعوا تجاوز المؤامرات الخارجية لإقصائهم عنه.

ثورات جديدة قادمة

وهكذا فإن رصيد الثورات لا زال موجوداً في مصر وسوريا واليمن والجزائر، ويدفع إلى إعادة الكرة حتى مع المعوقات الكثيرة من الانقسامات في صفوف المعارضين والثوار والقمع والإحباط. ذلك أن الثورات المضادة لم تمكن نفسها بالكامل بل وزادت من حدة الأزمات التي تعاني منها هذه الأوطان.

قد لا تبدأ الثورات أو التحركات الجديدة بالدعوة لتغيير الأنظمة، وقد تتخذ طابع المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما لا يستدعي دفعاً من المعارضة التي تترنح بانقساماتها وضعفها جراء التنكيل الشديد بها. فالثورات أصلاً بدأت شعبية قبل أن تستثمر سياسياً.

وقد تشمل الحراكات الجماهيرية دولاً أخرى مثل الأردن والمغرب والسودان وحتى البحرين.

إن انتهاك حرمات الشعوب العربية، والتنكيل بالمعارضة تحت مسمى محاربة الإرهاب والإرهابيين (الإسلام السياسي)، جنباً إلى جنب مع فشل المنظومة الوطنية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً (يسير بوتائر متسارعة)، لا يعني بالضرورة أن المنطقة ذاهبة إلى الانهيار والاستسلام لمنظومات حكمها الفاسدة المستبدة.

بل على العكس، سيدفع ذلك إلى تحول حالة الإحباط إلى حالة حراك جماهيري ما إن تبدأ في بلد عربي حتى تنتقل إلى آخر كما حصل في الثورات العربية منذ 2011. وبالتأكيد ستستفيد هذه الثورات من سلبيات ومثالب الثورات السابقة بما يجعل إمكانية الانقلاب عليها أصعب كما حصل في السابق.

لقد أثبتت الثورات العربية أن الشعوب لا تنام على الضيم والهوان وتدافع عن ثوابتها ومقدساتها بكل ما تملك، وأن دورة الظلم والاستبداد والبطش لا تدوم طويلاً.

وفي المقابل، لا يبدو أن هناك فرصاً لنجاح أي تسويات بين الحكومات والمعارضة، فالحكومات ليست فاشلة وغير كفؤة فقط، بل هي متآمرة وبعضها متحالف مع إسرائيل.

المقاومة عامل تحفيز

إن دخول عملية التطبيع منحنى جديداً لن ينجح في كسر مسلمات الأمة الراسخة التي لم تتزعزع منذ أول عملية تمت في 1979 ومن ثم 1994، بل سيؤدي إلى تراكمات من الغضب على انتهاك مسلمات الأمة التي تؤكد أن إسرائيل عدوة واحتلالها باطل.

كما أن موالاة بعض العرب لإسرائيل والتحالف معها سيعزز من قوة ودافعية المقاومة في فلسطين التي تشكل بدورها عامل تحفيز واستثارة للتفاعل العربي والإسلامي معها بالضغط على حكوماتها وتحدي القمع والتنكيل الأمني، ولن تكون السلطة الفلسطينية بمنأى عن هذه التحركات.

وسيتعزز ذلك مع استمرار فشل التسوية السياسية في عهد بايدن وصعود حكومة يمينية جديدة في إسرائيل بعد انتخابات 2021/3، وتصاعد تغول الاحتلال على الممتلكات والمقدسات والإنسان الفلسطيني، بما يشكل عامل استفزاز لمقاومة الفلسطينيين ولحمية الأمة.

قد يشكل الانشغال بكورونا عائقاً أمام التحركات والهبات الجماهيرية في الوقت الحالي، ولكن انقشاعه المتدرج عام 2021 سيدفع الشعوب إلى إعادة المطالبة بحرياتها المستباحة وبكرامتها المُهدَرة أمام إسرائيل وأمريكا.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً