تابعنا
في ظل تجدد المظاهرات المليونية في السودان، يكثر الحديث حول مآلات الأزمة الراهنة، وهل ستفضي إلى انتقال السلطة سلمياً إلى المدنيين؟

تعدد الأسباب الداخلية والخارجية كان كفيلاً بإرجاء الحل للمسألة السودانية التي بدأت تكمل شهرها الرابع منذ أن خُلع عمر البشير من منصبه في 11 من أبريل الماضي، حيث تمر الأيام والأسابيع والشهور دون التوصل لحل يرضي جميع أطراف الأزمة في البلاد.

فالحالة الإقليمية والدولية يبدو أنها لا تسمح بتحول ديمقراطي سلمي في بلد مثل السودان؛ فتيار الثورات المضادة مازال قوياً وفاعلاً وقادراً على التدخل بفضل موارده المالية والإعلامية الضخمة، هذا فضلاً عن التأييد الذي يحوزه من إدارة الرئيس ترمب والدعم الكبير للدكتاتوريات العربية في الوقت الراهن، خصوصاً أن أوروبا التي لطالما تشدقت بدعم حقوق الإنسان والديمقراطية، تعاني بشدة بسبب صعود تيارات اليمين المتطرف ومشاكلها الأمنية الناجمة عن الهجرة غير المشروعة.

ومؤخراً بالرغم من توصل المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير إلى تفاهمات حول الكثير من النقاط الخلافية، إلا أن نسبة التمثيل بين المدنيين والعسكريين كانت العقبة الوحيدة أمام التوصل إلى حل.

حيث يرى أعضاء المجلس العسكري الانتقالي أنهم الجهة الضامنة لعملية التغيير التي أطاحت بنظام البشير، وبالتالي لابد أن يكون تمثيلهم في مجلس السيادة المزمع تشكيله أكبر من نسبة المدنيين.

مقابل ذلك، تعتبر قوى إعلان الحرية والتغيير أن الأغلبية لابد من أن تكون للمدنيين، من أجل الحفاظ على مدنية السلطة، ومنع تكرر نسخة حكم البشير العسكري الذي حكم البلاد لثلاثة عقود.

إن إخفاق الأطراف السودانية في التوصل إلى حل توافقي، زاد من تأزيم الأوضاع في البلاد، ما دفع أطراف الأزمة إلى السعي نحو تجريد غريمه من أوراق ضغطه التي يمتلكها، وعليه يمكن استقراء عملية فض "اعتصام القيادة" في نهايات شهر رمضان المبارك، من قِبل قوة عسكرية مدججة بأثقل الأسلحة في سياق محاولة المجلس العسكري الانتقالي سحب "كارت" الاعتصام من يد قوى إعلان الحرية والتغيير.

ما دامت القوى الخارجية الداعمة للمجلس العسكري، وخصوصاً دول ما يُعرف بالثورات المضادة، سيواصل المجلس العسكري الانتقالي في تعنته وإحجامه عن تسليم السلطة للمدنيين.

إبراهيم ناصر

من جانبها، تسعى قوى إعلان الحرية والتغيير إلى إشراك قوى دولية في عملية التحقيق في الفظائع التي ارتكبتها القوى العسكرية التي قامت بفض اعتصام القيادة، وهذا ما يؤكد نيتها دفع المجلس العسكري الانتقالي إلى تسليم السلطة للمدنيين.

ولكن عقب فض اعتصام القيادة زادت الأوضاع في البلاد تفاقماً، وقام المجلس العسكري الانتقالي باتخاذ إجراءات مقيدة للحريات، على سبيل المثال قطعه شبكة الإنترنت وقيامه بعمليات اعتقالات واسعة بين ممثلي قوى الحرية والتغيير.

ومن أجل تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة السودانية، تقوم إثيوبيا بجانب الاتحاد الأفريقي بوساطة دبلوماسية تهدف من خلالها جمع كافة الأطراف على كلمة سواء، ولكن بالرغم من تفاؤل بعض المتابعين للمشهد السوداني، حيال أن تكون هذه الوساطة أرضية صلبة من أجل أن تتوصل الأطراف لحل نهائي للأزمة بالبلاد، إلا أنها لم تؤت أٌكلها بعد، بسبب تردد المجلس العسكري الانتقالي تارة، وقوى إعلان الحرية والتغيير تارة آخر بقبول محتوياتها.

وفي ظل التصعيد المتبادل بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي والتحركات الدولية والإقليمية لإيجاد حل للمسألة السودان، تتجه الأوضاع نحو المآلات التالية:

أولاً: مآل إقامة حكم مدني تعددي:يُعتبر مطلب تسليم السلطة للمدنيين من أهم مطالب الثورة السودانية، وفي الوقت عينه تُعد من أهم نقاط الخلاف بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي كما ذكرنا أعلاه.

ولكن في ظل المعطيات الداخلية والخارجية المتوفرة يبدو تحقق هذا السيناريو بعيداً بعض الشيء حتى الآن على أقل تقدير.

فما دامت القوى الخارجية الداعمة للمجلس العسكري، وخصوصاً دول ما يُعرف بالثورات المضادة وهي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تقدم له الدعم الكافي المالي والدبلوماسي للتشبث بالسلطة، سيستمر المجلس العسكري الانتقالي في تعنته وإحجامه عن تسليم السلطة للمدنيين.

وبجانب الدعم الخارجي يراهن المجلس العسكري الانتقالي، على دعم القوى المحلية والتي تتمثل في الإدارات الأهلية، والمتشكلة من شيوخ وأعيان القبائل، بحيث يعمل على الاستقواء بها على حساب قوى إعلان الحرية التغيير من أجل الحصول على تفويض شعبي يمكّنه من التمسك بالسلطة، وفرض نفسه كأمر واقع يستفرد من خلاله بالسلطة، أو يحمل قوى إعلان الحرية والتغيير للقبول بشروطه في المفاوضات الأفروإثيوبية.

ثانياً: مآل انفراد المجلس العسكري الانتقالي بالسلطة:انطلاقاً مما تقدم يمكن اعتبار سيناريو استفراد الجيش بالسلطة أمراً قائماً، لأن المجلس العسكري الانتقالي والقوى الفاعلة بمنطقة القرن الأفريقي، خصوصاً الدول الداعمة لما يُعرف بالثورات المضادة، مؤثران في الملف السوداني. وعليه سيسعيان جاهدين من أجل منع الظروف لإقامة حكم مدني ديمقراطي تعددي في السودان، وذلك لاعتبارات خاصة بهما.

وبالتالي فرضية استفراد المجلس بالسلطة من ضمن الاحتمالات الواردة، بل ربما والأقوى ترجيحاً.

ولكن في حال تحقق هذا السيناريو ربما يُعرض السودان إلى عزلة إقليمية ودولية، تزيد من تفاقم أوضاع البلاد الداخلية والخارجية على حدِ سواء، وخصوصاً من بعض القوى الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي والتي تناشد المجلس العسكري تسليم السلطة للمدنيين، فضلاً عن أعضاء الاتحاد الأفريقي الذي يُصر على مبدأ تسليم السلطة للمدنيين.

وأخيراً، بين احتمال قيام الدولة المدنية الديمقراطية، والتي ثار من أجلها الشعب السوداني في وجه نظام البشير الديكتاتوري، واحتمال انفراد المجلس العسكري الانتقالي بالسلطة، وتعنته في عدم تسليمها للجهات المدنية، تتجه المسالة السودانية إما نحو الوصول إلى حل يتوافق عليه الجميع، وإما تصعيد متبادل يُدخِل البلاد في غياهب فوضى سياسية وأمنية، تنتهي بتدخل خارجي مباشر.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي. 

المتظاهرون السودانيون يضربون حاويات المياه خلال مظاهرة ضد المجلس العسكري ، في الخرطوم ، السودان ، الأحد ، 30 يونيو ، 2019. خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة السودانية وفي أماكن أخرى من البلاد مطالبين بالحكم المدني قرابة ثلاثة أشهر بعد أن أجبر الجيش على الاستغناء عن الحكم عمر البشير. وجاءت المظاهرات وسط مواجهة استمرت أسبوعًا بين المجلس العسكري الحاكم وقادة الاحتجاج. (AP Photo / حسين ملا) (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً