تابعنا
دخلت إسرائيل مأزقها الإنتخابي غير المسبوق مع النتائج الأولية لانتخابات الكنيست التي أظهرت تقارباً كبيراً بين عدد المقاعد التي حصل عليها تحالف اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو ومنافسه تكتل الوسط-يسار بزعامة بيني غانتس.

بيّنت نتائج فرز أكثر من 98% من أصوات الناخبين في إسرائيل في انتخابات الكنيست التي جرت في 17 أيلول/سبتمبر 2019 التعادل تقريباً في عدد المقاعد التي حصل عليها الحزبان الكبيران، الليكود برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (31 مقعداً)، و"كاحول لفان" (أبيض-أزرق) برئاسة بيني غانتس (33 مقعداً).

وتشهد الساحة السياسية في إسرائيل حالة من الضبابية في ما يتعلق بتشكيل ائتلاف يؤدِّي إلى تشكيل حكومة جديدة. فمع تضاؤل فرص تشكيل حكومة على يد نتنياهو فإن السيناريوهات التي تم التداول حولها غداة الانتخابات أظهرت عجزاً لدى زعيمَي الحزبين الكبيرين في التوصل إلى بناء ائتلاف حكومي من 61 مقعداً.

لكن نتنياهو المشهود له بابتداع أساليب التفافية مليئة بالمراوغة والاحتيال سيسعى في هذه المرة إلى فرض ائتلاف يترأسه هو وكتلة اليمين التي شكّلها فور نشر نتيجة النسبة الأكبر من الأصوات في اليوم التالي للانتخابات، إذ أقنع أحزاب اليمين والحريدية بتكوين معسكر واحد يكون هو زعيمه.

من الواضح أن نتنياهو ومعسكره الذي بلغ 55 مقعداً لن يكون بإمكانه تشكيل حكومة لأن حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان يرفض الانضمام إلى ائتلاف مع هذا المعسكر بسبب الأحزاب الدينية الحريدية، ولأنه انسحب من الحكومة السابقة وكان سبباً في الانتخابات التي جرت مؤخراً. فلا يمكنه أمام جمهور ناخبيه أن يطعن فيهم ويعود إلى صفوف حكومة برئاسة نتنياهو، بالإضافة إلى مطالبه العلمانية التي يرفضها المتدينون.

إذاً، برزت دعوة نتنياهو إلى تشكيل ائتلاف مكوَّن من معسكر اليمين والحريدية وحزب كاحول لفان. ويعلم نتنياهو استحالة التوصل إلى تشكيل ائتلاف كهذا. وهو بهذا التكتيك يدفع نحو إجراء انتخابات ثالثة هذا العام. ومحاولاته هذه كلها من أجل التهرُّب من طرح ملفات الفساد المتورط فيها أمام المحكمة.

من جهة أخرى، يُحتمل تَذرُّعه بعملية عسكرية واسعة أو حتى حرب واسعة على الجبهة الشمالية أو الجنوبية من منطلق التهديدات الأمنية التي تواجه إسرائيل، وهو بهذا التوجه قد يستميل عدداً من أعضاء حزب كاحول لفان العسكريين إلى صفوفه. وفي هذه الحالة سيشكّل حكومة طوارئ برئاسته. وندرك هذا من التسريبات التي سبقت يوم الانتخابات عندما كشفت وسائل الإعلام عن نيته تسديد ضربة إلى غزة، إلا أن ضباطاً وسياسيين دعوا إلى ضبط النفس والحيلولة دون ذلك.

ومن السياسيين والمحللين الصحافيين مَن يعتقد بقوة أن هذه من خدع نتنياهو، فهو حصَّن ذاته كزعيم أعلى ووحيد لمعسكر اليمين، مانعاً بذلك إمكانية ائتلاف بين "كاحول لفان" وحزب "إلى اليمين" برئاسة شاكيد.

عمليّاً لا يريد نتنياهو حكومة وحدة، وهو يرفض التناوب في رئاسة الحكومة، ولا يفكّر كلّيّاً في أن يكون وزيراً في حكومة وحدة تناوبية. وهو يدرك عمق التناقضات بين "كاحول لفان" ومعسكر اليمين خصوصاً الأحزاب الحريدية.

ما يمكن فهمه هو ميله بعد فشله في تحصيل 61 مقعداً لليمين واليمين المتطرف إلى الدعوة إلى انتخابات الجديدة.

على الجهة المقابلة سيناريو ثانٍ يقوم أساساً على تشكيل حكومة وحدة برئاسة غانتس الذي اعتبر أن حزبه له الحقّ في تشكيل حكومة وأن معسكر اليسار والمركز الذي يتزعمه دون تنصيب من أحد بإمكانه القيام بهذه المهمَّة.

لكن على أرض الواقع ليست المسألة كما يعتقد غانتس، فالأحزاب اليمينية والحريدية وقّعت على اتفاقية تكليف نتنياهو بتزعُّم معسكرهم ومِن ثَمَّ تكليفه باسمهم تشكيلَ حكومة جديدة.

وهنا مشكلة غانتس في أنه احتسب في معسكره القائمة العربية المشتركة كجسم مانع دون مشاركة في الائتلاف الحكومي، وهذا يعني أن القائمة المشتركة توفر شبكة أمان، وتمنح حكومةً برئاسة غانتس الثقة مقابل تحقيق عدد من المطالب للجماهير العربية وفي مقدّمتها توقيف عمليات هدم البيوت غير المرخَّصة، والعمل سريعاً من أجل تسوية الخرائط الهيكلية وترخيص ما هو قائم من البيوت والمنشآت العمرانية ضمن تسوية معيَّنة.

لكن هذا لن يتكلل بالنجاح بسبب رفض عدد من الأحزاب الصهيونية فكرة وجود القائمة المشتركة كقوة ثالثة مؤثرة وفاعلة على الأرض.

أما السيناريو الثالث فسيكون دعوة ملزمة من ليبرمان إلى زعيمي الليكود بنيامين نتنياهو وكاحول لفان بني غانتس إلى الجلوس معاً، والتوصُّل إلى معادلة تُرضي الطرفين وأبرزها تشكيل حكومة تناوب.

وهنا يظهر ليبرمان كملك في إسرائيل يتحكم في الأوراق ويحاول أن يتوصل إلى أفضل التسويات بحيث يضمن وجوده وفرض أجندته، خصوصاً أنه بلغ مكانة "بيضة القبان".

لن يتخذ ليبرمان موقفاً حاسماً من أي طرف للمشاركة معه، ريثما يرى إلى أين تتجه الرياح. لكن مشكلته مع الأحزاب الحريدية في الأساس. وهو -أي ليبرمان- يعرف أن نتنياهو لن يجلس في حكومة برئاسة غانتس، وأن غانتس لن يقبل بحكومة يكون فيها وزيراً لا رئيساً للحكومة.

من المحللين والمتابعين من يعوّل على سرعة عامل الزمن خلال الأسبوع القادم بحيث يميل نتنياهو إلى جذب عدد من أعضاء الكنيست من "كاحول لفان" للانسحاب والانضمام إلى حزبه أو معسكره.

أما غانتس ومعسكره فينتظرون إمكانية تقديم لوائح اتهام ضدّ نتنياهو ومِن ثَمَّ أن يتخذ مركز الليكود قراراً بتنحية نتنياهو والإعلان عن خليفة له يُسهِّل عملية تشكيل حكومة وحدة وإنقاذ إسرائيل من أزمة سياسية وحكومية لم تشهد لها مثيلاً من قبل.

يوجد احتمال آخر، أن يسعى غانتس لتشكيل حكومة أقلية، في حال رفض معسكر اليمين والحريدية المشاركة في ائتلاف يقوده، تستند إلى أحزاب "أبيض-أزرق" والعمل والمعسكر الديمقراطي و"إسرائيل بيتنا"، وتحظى بدعم القائمة العربية المشتركة من خارج الحكومة. غير أن هذا الاحتمال غير وارد في هذه الفترة.

ويبقى الاحتمال الأخير، وهو التوجُّه إلى انتخابات ثالثة في العام ذاته بعد مرور الفترة القانونية التي توفَّر للمكلَّف تشكيلَ الحكومة الجديدة وتقديمها للكنيست لنيل الثقة بها، وهذا ما لا يرغبه معظم الأحزاب والسياسيين المنتخَبين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بين حشود مؤيديه في تل أبيب (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً